الطريق إلى أبوة صالحة ناجحة

خالد روشة

فالزوج الناجح هو الذي يهيئ لأولاده البيئة الأسرية الخالية من المشكلات والمؤرقات والمنغصات والمؤثرات النفسية السلبية وهو الذي يعين زوجته ويساعدها على إتمام العملية التربوية بنجاح وإنجاز.

  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -

أمل تحقيق الابوة الصالحة الناجحة هو أمل كل اب، ولطالمنا بنى كل اب في مخيلته قصورا مشيدة من مستقبل طيب مشرق مع ابنائه وبناته، وتصور أن يخرجوا عباقرة ناجحين، وعلماء افذاذ..)

 

وظل الاب طوال حياته يجهد نفسه ويتعبها ويبذل المقدور من نفسه ومن ماله ووقته وخبرته، ليضعها على طبق مزين لابنائه ليستفيدوا بها..

 

لكن الواقع المؤلم عادة يفسد تلك الاحلام، ويقطع ذلك الاسترسال في الأمل، فيفجع الآباء في كثير من الأحيان بأبناء منحرفين أومستهترين أوتافهين أو مرضى نفسيين او فاشلين..أو غيره

 

وعندئذ يطل السؤال الأشهر والأهم براسه، لماذا تفشل أبوتنا في أن تكون ابوة صالحة ناجحة؟

 

إن كثيرا من الإجابات تحمل الابناء المسؤولية الكبرى في ذلك، وتعود باللوم على الامهات وعلى المجتمعات وغيرها..

 

ولاشك أن كل هذه العناصر مؤثرة، لكننا ههنا نحاول ان نمعن النظر في دور الآباء خصوصا ونراه اساسا مهما ورئيسا في نجاح بناء الابناء.

 

فالإنسان بطبيعته يحتاج إلى نموذج تطبيقي حي أمامه حتى يتصور الفعل الايجابي المعين والسلوك الموجه فيصدق به ويتمثله في حياته، لذلك أرسل الله تعالى المرسلين وأمرنا بالاقتداء بهم: " أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده "، " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر..."

 

فالفعل أبلغ من القول، وفعل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل.

 

والقدوة الصالحة من أعظم المعينات على تكوين العادات الطيبة حتى إنها لتيسر معظم الجهد في كثير من الحالات.

 

والابناء في بداية شبوبهم يحبون المحاكاة والتشبه في السلوك والحديث وردود الأفعال، ولو خرج الابناء فوجدوا نماذج طيبة صادقة قريبة مننهم ي بيوتهم لخرجوا يحاكونها بغير جهد يذكر

 

ولعل من بركة توجيهاته صلى الله عليه وسلم لصلاة النوافل في البيوت وألا يجعلها الناس قبوراً فضل كبير الأثر في إقتداء الأولاد بذلك.

 

فقد روى أبو داود أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «خير صلاة الرجل في بيته إلا الصلاة المكتوبة»

 

وقال: «تطوع الرجل في بيته يزيد عن تطوعه عند الناس كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته وحده» صحيح الجامع.

 

لكن الأبناء في استقائهم الخلق وتشربهم بالسلوك، لا يقنعون بمجرد الظاهر منها، بل يتعدون ذلك إلى مستويات أعمق بكثير مما يظن الآباء..

 

فالأب يعيش في بيته على طبيعته بغير تكلف، وهو الأمر الذي يجعله يتصرف بما وقر في حقيقته وداخليته.

 

والولد يقلد أباه فيما رآه منه على الحقيقة لا على التكلف، والأبناء يلحظون الصغير الدقيق من السلوك والأخلاق، كما يلحظون كبيرها، وتؤثر فيهم صغائر الأحوال كما تؤثر فيهم كبائر الوقائع.

 

والاب الصالح هو صاحب القلب السليم من الشبهات والشهوات، المقدم الآخرة على الدنيا، الباذل جهده في ارضاء ربه، المسارع للصالحات، المجتهد في تعلم العلم النافع وتطبيقه والعمل به، وهو كذلك الكريم في عطائه لولده العادل مع ابنائه، البار بوالديه، المتميز في عمله المتقن له، الأمين في تعامله، النافع لمجتمعه، الإيجابي في سلوكه.. وغير ذلك من الفضائل

 

كذلك فالأب الصالح الناجح هو الأب الرحيم العطوف بأبنائه وأسرته الذي يمنحهم الحب والعطف والحنان ويشملهم برعايته ويحتويهم بقلبه الكبير ويشعرون معه بالسعادة والآمان.

 

والأب القاسي هو المتسبب الأول في الأمراض النفسية لدى أبنائه والمشجع الأول على الأمراض القلبية لهم من غل وحقد وحسد وحب ذات وغيره.

 

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم خير قدوة في رحمته وعطفه وملاطفته الصغار وملاعبتهم والتبسط معهم والتحبب إليهم وعدم العبوس في وجوههم، فقد روى مسلم عن عبد الله بن جعفر: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل أحدنا بين يديه والآخر خلفه حتى يدخلنا المدينة ".

 

وروى ابن ماجة عن يعلى بن مرة "خرجنا مع النبي _صلى الله عليه وسلم ودعينا إلى طعام فإذا حسين يفر ههنا وههنا ويضاحكه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى في فأس رأسه فقبله ".

 

وروى الشيخان قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من وجد أمه من بكائه».

 

ومن الآباء من لا يراعى الرحمة مع أبنائه ولا الرقة في معاملتهم فيكون أشد عليهم من الغرباء فيترك في أنفسهم جروحاً غائرة لا تزول ولا بمرور السنين.

 

روى مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «إن الله يحب الرفق ويعطى على الرفق مالا يعطى على العنف ومالا يعطى على سواه».

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق» صحيح الجامع.

 

بالطبع ليس معنى الرفق أن يتهاون الأب مع أولاده في مواطن الحزم فالحكمة وضع الشىء موضعه، ولا يمكن أن يرى الأب ابنه يفعل السيئات أو المخالفات فيتركه أو يقره على ما هو عليه.

 

ولكن الحكمة تستدعي من كل أب أن يقف مع ولده وقفة راشدة رفيقة، لكنها حازمة يضع له فيها الحدود ويبين له القواعد.

 

وليعلم كل أب أن وقفاته مع ولده تحفر في ذهن الولد فإن وجد فيما يستقبل من عمره قدوة صالحة من أبيه زاد ترسخها وصارت خلقا ثابتا فيه وصفة أكيدة من صفاته..

 

والأب في بيته قائد لمدرسة تربوية لها منهج ووسائل كما أن لها محددات وأطر.

 

فعليه أن يضع منهجها وفق السنة النبوية ويحدد أطره مثلما حددها الشرع الإسلامي العظيم.

 

ولكن مع ذلك فلا ينبغي التشنج في التطبيق الظاهري فحسب، بل إن البيو بنى من اساسها، لنضع الاساس لها، واساسها هو بناء القلوب والعقائد والمفاهيم والقيم والمبادىء قبل اي شىء.

 

والآباء ماداموا يضلعون بمسئولية القدوة التربوية، فيجب عليهم تثقيف أنفسهم وتعليمها فن التربية وأساليبها ومداومة سؤال المربين والخبراء والعلماء في ذلك.

 

هذه التربية تقتضي تعلم الصبر الذي هو من المهارات الأبوية الهامة، وقد حذر المربون من كثرة معاملة الأولاد بالغضب خصوصاً إذا كانت طبيعة الأب عصبية أو سرعة الغضب واقرأ معي قوله سبحانه: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها}.

 

وليحذر الآباء من التعدي على ابنائهم بالضرب أو الصراخ في لحظات الغضب فإن ذلك من الأخطاء الخطيرة التي لا تؤدى إلى تعليم ولا توجيه ولكنها عبارة عن إنفاذ غيظ فحسب.

 

إن أبناءنا يتعلمون الخير والصواب بالحب قبل أن يتعلموه بالأمر والشدة، فاحرص أيها الأب على توليد المحبة بينك وبين أبنائك.

 

إن كل أب منا لبحاجة إلى أن يخلو بولده كل مدة قريبة ليمازحه ويكلمه ويسأله ويتقرب منه.

 

يسأله عما يحزنه أو يؤرقه يقلقه، ويسأله عن آماله وأحلامه وطموحاته، فيهون عليه ما يقلقه، ويثبته فيما يؤلمه، ويزيل عنه الهم، ويقدم له الدعم النفسي اللازم.. هذه هي الابوة الصالحة بحق.

 

ان لقاءات المصالحة والمصارحة بين الاب وابنه هي تفريغ نفسي وجداني هام للغاية في تربية الأولاد، ولئن اشتكى معظم الآباء من عدم قدرتهم على التقرب من أولادهم فلأنهم قد قصروا في لقاءات المصارحة تلك في الصغر فصعب عليهم ذلك في الكبر حتى بنيت الجدران بينهم وبين أولادهم.

 

وأخيرا لا يفوتني أن أنبه أن هناك علاقة قوية جداً بين كون الأب ابا صالحا ناجحاً، وبين كونه زوجاً صالحا ناجحاً.

 

فالزوج الناجح هو الذي يهيئ لأولاده البيئة الأسرية الخالية من المشكلات والمؤرقات والمنغصات والمؤثرات النفسية السلبية وهو الذي يعين زوجته ويساعدها على إتمام العملية التربوية بنجاح وإنجاز.