من روائع الحكم (المقال الخامس )
عبد الفتاح آدم المقدشي
هذه - تالله - إنها لخيبة الأمل للحريصين المتَّبعين لأوامر الشياطين لكونهم أولياءه حيث إنهم فاقدون الثقة بربِّهم وتوكلهم على ربهم واعتمادهم على ربهم. ولا ريب أنه سيحصل من جراء ذلك لا محالة انفصام كامل بينهم وبين خالق السموات والأرضين.
- التصنيفات: التصنيف العام -
بسم الله الرحمن الرحيم..
وإياك من خطر الحرص..
الحرص ينقسم إلى حرصٍ يجرك إلى منافغ وآخر يجرك إلى مفاسد, أما الحرص الذي يجرك إلى المنافع فاعلم إنما أهم منافعه هو أن تحرص على دين الله العظيم لتكون سبَّاقاً إلى العبادات وفعل الخيرات وإلى مغفرة من الله وجنة عرضها كعرض السماء والأرض , وهذا الأمر لا يتوجَّه إليه إلا من آتاه الله فضله والله يؤتي فضله من يشاء كما قال سبحانه {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21 ]
وأيضاً من أهمِّ منافعه الحرص على كل ما ينفع الإنسان سواء كان ذلك في دنياه أو في أخراه كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن القوي خير، وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. وفي كلٍّ خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تَعْجَز.. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا، كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله، وما شاء فعل، فإن لَوْ تفتح عمل الشيطان" رواه مسلم رحمه الله..
دروس وعبر في الآية والحديث:
الدرس والحكمة الأولى: " كن سبَّاقاً إلى مغفرة الرب وجنته تفز فوزا عظيما "
الدرس والحكمة الثاتية: " إن أحببت أن تكون محظوظاً بفضل الله فكن سبَّاقاً حريصاً على مغفرة الله وجنته"
الدرس والحكمة الثالثة: " لا يمنعنك الكسل من جنة عرضها كعرض السموات والأرض أُعدِّت للمؤمنين "
الدرس والحكمة الرابعة: قوله صلى الله عليه وسلم:" احرص على ما ينفعك فحرف "ما " من صيغ العموم والمقصود هنا هو كل شيء ينفعك: " الحرص على كل ما ينفع هو من سمات المؤمن القوي"
الدرس والحكمة الخامسة: " الحرص على بعض ما ينفع هو من سمات المؤمن الضغيف "
الدرس والحكمة السادسة: الحرص على قليلٍ مما ينفع هو من سمات المؤمن الأضعف "
الدرس والحكمة السابعة: الحرص على ما لا ينفع هو ما لا ينبغي أن يتصف به مؤمن وإنما يتصف بمثل هذه الصفة إنسان ساقطٌ من قطار الحياة كلها "
الدرس والحكمة الثامنة: " جمع المسلم القوي بين حرصة واستعانته بربِّه نجاحٌ ظاهر "
الدرس والحكمة التاسعة: " الحريص المستعين بربِّه المؤمن بأقدار ربه قد آتاه الله قوة ما بعدها قوة "
أما الحرص الذي يجرك إلى المفاسد فاعلم إنما هو كالتالي:-
أولا: يسبِّب الحرص الطمع والطمع له أمراض خطيرة وكثيرة منه طمع النفس بملذَّات الدنيا, ومنه طمع بحقوق الآخرين وهو كالتالي:-
ا- الحريص الطمَّاع يعمى بحب ملذات الدنيا وجمعها حتى يستولي همَّه ذاك على كل أوقاته ليله ونهاره " الحريص الطمَّاع يعمى بملذات الدنيا فَيَهُمها همَّا جمَّاً".
ب- الحريص الطمَّاع سيصل حاله إلى درجة من أُشرِب قلبه حب الدنيا فيفتتن بها فلا يرى ولا يتكلم ولا يفكر ولا يشتغل ولا يهتم إلا بهذه الدنيا " الحريص الطمَّاع الذي أشرب قلبه بحب الدنيا يفتتن بها ".
ج - الحريص الطمَّاع سيصل حاله إلى درجة أن يكون أحرص الناس على كل شيء حتى لو دخل في العبادات ظاهراً فإن باطنه يغوص في الدنيا فتراه يعدِّد أمواله فيها ويتفكِّر فيها ويخطِّط أعماله في داخل صلاته. " الحريص الطمَّاع الذي هو أحرص الناس على كل شيء قلَّما يعرف عبادة ربِّه في باطنه".
د- الحريص الطمَّاع سيصل حاله إلى درجة أن يقع في الحرام وهو يعلم لكونه مغتر بجمع الأموال الكثيرة, بل سيصل حاله لا محالة إلى درجة أن لا يبالي أمن مصدر حلالٍ جاءته الأموال أم من مصدرٍ حرامٍ والعياذ بالله " الحريص الطمَّاع لا يبالي أمن درهم حلال وقع في يده أم هو من حرام ".
ه - الحريص الطمَّاع لا يكون له أبداً قناعة - والقناعة كنز لا يفنى – كما لا يكون له قرار ولا اطمئنان ولا هدوء بل هو مشوَّش قلق تصيبه في الغالب المعروف الأمراض مثل قرحة المعدة والأعصاب وقد يصل حاله إلى الجنون والضغط والسكر " لا قناعة للحريص الطمَّاع بل ولا قرار له ولا اطمئنان ولا صحة ".
ه - الحريص الطمَّاع سيكون له صفة الهلوع كما قال تعالى {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا}[ المعارج:19] وقد فسَّرها الله في الآية التي بعدها بأنه {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: 20-21 )..
وقد استثنى الله بمن اتصف بمثل هذه الصفات مؤمنون حق الإيمان اشتغلوا بمثل هذه الصفات المذكورة في الآيات ظاهرا وباطنا. " الحريص الطمًّاع هلوع "..
ثانيا: يُسبِّب الحرص سفك دماء الناس أو قتلهم أو نهب ثرواتهم ويكسب الأموال بهذه الطريقة المحرَّمة السيئة أي بالقتل والنهب ومنه جباية أموال الناس والمكوس مع فرض هؤلاء الأمراء على الناس بأن يدفعوا لهم أموالاً طائلة ما أنزل الله بها من سلطان بل إنما هو ظلم محض.
ولا ريب أن هذا يجر إلى أن يترك مثل هؤلاء الأمراء بعض تطبيق شرائع الله, والذنوب تجر بعضها إلى بعضها الآخر فإن تركوا ذلك فأي دين سيبقى لهم إذاً؟
ففي الحديث " وإياكم الشح فإن الشح قد أهلك من كان قبلكم حملهم على سفك دماءهم فسفكوها وأن ينهبوا أموالهم فنهبوها " أو كما قال.
وقطعاً, أن هذا مما يُعجِّل غضب الجبار ويُسبِّب للمسلمين الهزائم تلو الهزائم ولو كان من يفعل ذلك من ينتسب إلى الجهاد في سبيل الله والله عادل لا يحب الظلم والتعدي على الناس والإمام العز بن عبد السلام رحمه الله لما أباح للأمراء في عصره أن يأخذوا بعض الأموال من الرعايا اشترط عليهم بأن يبدؤوا بأنفسهم ويدفعوا كل ما عندهم حتى يخلوا خزائنهم من الأموال, وقد كان هذا سبب النصر على المغول التتار الهمجيِّين الذين ما تركوا أخضراً ولا يابساً إلا أفسدوه فتأمَّلوا.
" الحريص الطمَّاع نهَّاب قتَّال ظالم ولا شك أنهم مهزومون إن كانوا جماعة "
ثالثاً: يُسبِّب الحرص الاستماع إلى وساوس الشيطان ووعده بالفقر إن أحسن أو تصدَّق بأمواله مثلاً كما قال تعالى{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 268] كما سيستمع الحريص الطمَّاع وساوسه واوامره بالفحشاء بل وقد يزيدون ذلك كذبا وزورا وقلَّة حياء وافتراء على الله ليقولوا: الله أمرنا بالفحشاء كما قال تعالى {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}[ الأعراف: 28- 30 ]
ومع ذلك فإنهم ينسون كما هو معلوم أن الله سبحانه يعد للمؤمنين مغفرة منه وفضلا " الحريص الطمَّاع من أو لياء الشياطين ولا يثق إلا بكذبهم ولا يعرف ربَّه الكريم ".
وهذه - تالله - إنها لخيبة الأمل للحريصين المتَّبعين لأوامر الشياطين لكونهم أولياءه حيث إنهم فاقدون الثقة بربِّهم وتوكلهم على ربهم واعتمادهم على ربهم. ولا ريب أنه سيحصل من جراء ذلك لا محالة انفصام كامل بينهم وبين خالق السموات والأرضين.
والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
والله ولي التوفيق