واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب و عذاب
أبو الهيثم محمد درويش
أثنى سبحانه و تعالى على عبده أيوب بأنه كان نعم العبد إذ أبلى في الاختبار بلاء حسناً فأثنى عليه بسبب صبره و كثرة رجوعة و توبته إلى الله عز وجل.
- التصنيفات: التصنيف العام - قصص الأنبياء -
{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}:
مثال للعبد المؤمن التقي الصابر على البلاء، المتصل الدعاء، ثابت العقيدة غير المتزحزح و لا المتبرم، لما نجح في اختبار الضراء أنزل الله له الشفاء و أبدله بالضر عافية وبالكدر صفاء.
ووهب بعد تجاوز اختبار الضراء عافية في الجسد و بركة في الأهل و الذرية ليتعظ المؤمنون و يتفكروا في هذا الدرس الإيماني العملي.
وأمره تعالى بالإحسان بزوجه بعد أن كان أقسم ليضربنها لأمر عصته فيه، وكانت نعم الزوجة الصابرة المحتسبة، فأمره تعالى أن يأخذ عرجونا من النخل به مائة من الأعواد ليضرب به ضرباً خفيفاً غير مبرح ليبر القسم و لا يسيء إلى الزوجة الصالحة.
ثم أثنى سبحانه و تعالى على عبده بأنه كان نعم العبد إذ أبلى في الاختبار بلاء حسناً فأثنى عليه بسبب صبره و كثرة رجوعة و توبته إلى الله عز وجل.
قال تعالى:
{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ *وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص 41 – 44].
قال السعدي في تفسيره:
أي: {وَاذْكُرْ} في هذا الكتاب ذي الذكر {عَبْدَنَا أَيُّوبَ} بأحسن الذكر، وأثن عليه بأحسن الثناء، حين أصابه الضر، فصبر على ضره، فلم يشتك لغير ربه، ولا لجأ إلا إليه.
فـ {نَادَى رَبَّهُ} داعيا، وإليه لا إلى غيره شاكيا، فقال: رب {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ أي: بأمر مشق متعب معذب، وكان سلط على جسده فنفخ فيه حتى تقرح، ثم تقيح بعد ذلك واشتد به الأمر، وكذلك هلك أهله وماله.
فقيل له: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} أي: اضرب الأرض بها، لينبع لك منها عين تغتسل منها وتشرب، فيذهب عنك الضر والأذى، ففعل ذلك، فذهب عنه الضر، وشفاه اللّه تعالى.
{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ} قيل: إن اللّه تعالى أحياهم له {وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} في الدنيا، وأغناه اللّه، وأعطاه مالا عظيما {رَحْمَةً مِنَّا} بعبدنا أيوب، حيث صبر فأثبناه من رحمتنا ثوابا عاجلا وآجلا. {وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} أي: وليتذكر أولو العقول بحالة أيوب ويعتبروا، فيعلموا أن من صبر على الضر، أن اللّه تعالى يثيبه ثوابا عاجلا وآجلا، ويستجيب دعاءه إذا دعاه.
{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} أي حزمة شماريخ {فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} :
قال المفسرون: وكان في مرضه وضره، قد غضب على زوجته في بعض الأمور، فحلف: لئن شفاه اللّه ليضربنها مائة جلدة، فلما شفاه اللّه، وكانت امرأته صالحة محسنة إليه، رحمها اللّه ورحمه، فأفتاه أن يضربها بضغث فيه مائة شمراخ ضربة واحدة، فيبر في يمينه.
{إِنَّا وَجَدْنَاهُ} أي: أيوب {صَابِرًا} أي: ابتليناه بالضر العظيم، فصبر لوجه اللّه تعالى. {نِعْمَ الْعَبْدُ} الذي كمل مراتب العبودية، في حال السراء والضراء، والشدة والرخاء.
{إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي: كثير الرجوع إلى اللّه، في مطالبه الدينية والدنيوية، كثير الذكر لربه والدعاء، والمحبة والتأله.