صفات المربِّي
عبد الفتاح آدم المقدشي
وظيفة المربِّي لابد لها من صفات، بل هي من أشد الوظائف معالجةً وتعهداً ورعايةً ودراسةً وفحصاً إلى غير ذلك من الجهود الجبَّارة.
- التصنيفات: تربية الأبناء في الإسلام - تربية النفس -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله،
فكما هو معلوم لكل وظيفة من الوظائف التي يقوم عليه الناس لابد لهم من صفات تؤهِّلهم أن يقوموا بمثل هذه الصفات.
فهكذا وظيفة المربِّي لابد لها من صفات، بل هي من أشد الوظائف معالجةً وتعهداً ورعايةً ودراسةً وفحصاً إلى غير ذلك من الجهود الجبَّارة وغيره.
فأقول وبالله التوفيق:
1- أولا: لابد أن يكون المربِّي رحيما رفيقا، وقد قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159].
فبالرحمة والرفق يكون لك خُلق الصَّبر والتحمُّل وخُلق العفو وخلق عدم الاستبداد بالرأي لكون المستبد دائما قاسيا غليظا. لذلك قال الله تعالى في هذه الآية: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}.
فما من شكٍ أن المربوبين الذين تعرَّضوا للهزائم النفسية في حياتهم من قِبَل مربِّيهم القساة لا يمكن أن يَنفَضُّوا لينهضوا بالأمة لكونهم تعرَّضوا للتبكيت ولتكميم أفواههم ومُنعوا من التعبير عما يدور في أنفسهم بحرية وبرحابة الصدر.
ولذلك لمَّا تكلَّم بنو إسرائيل لرسولهم الكريم بمثل هذا الكلام كما قال تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24]، عاقبهم أن يَتِيهوا في أرض سيناء أربعين سنة، وذلك ليتغيَّر هذا الجيل المُنَكَّس الذي تعوَّد الاستذلال والذي لا يزال فيه آثار الخضوع ناهيك أن يفكِّروا في طموحات عظيمة كالوثوب إلى سدة الحكم والترفّع عن الدون.
فعُوقبوا بذلك - والله أعلم بمراده - لينشأ جيلٌ جديد حرٌ لم ير أبداً الاستذلال، جيلٌ عزيزٌ يستطيع أن يقول: لا، ولماذا، وكيف...إلخ. جيلٌ يستطيع أن يُعبِّر عما في خلده بكل حرية، جيلٌ طموحاته بأن يحكم لا أن يُحكم، جيلٌ لا يعرف التهيُّب من الطغاة مهما طغوا وتجبَّروا..
2- ثانيا: المحبَّة لله،
اعلم أن المحبَّة لله هي الرابط الحقيقي بين المربِّي والمربوب، ولذلك هذا الإحساس الجذَّاب يُجذِب بين المربِّي والمربوب كجاذبية المغناطيس، فترى المربوب ينجذب إلى مربِّيه دون أي عناء ولا كلفة ولا مشقة، بل ينجذب إليه وهو يشعر باللذة وبوسع الصدر ورحابة القلب.
ولذلك يسهُل أن يتلقى المربوب من المربِّي النصائح والإرشادات بكل ثقة وقناعة، كما يسهل للمربِّي أن يصل إلى بعض ما يدور في فكر المربوب أو جُلِّها لكونهما يتجاذبان أطراف الحديث بكلِّ مودَّة وصداقة. وإنما الصداقة والتعمق في الأحاديث تأتي بعد الحب المتبادل بين الطرفين كما هو معلوم.
وطبعا، هذا الحب إنما يُسقى بماء العطاء والهدايا والمصاحبة والرفق واللين والرحمة والعفو وإقالة العثرات.
إذ الكراهية إنما تنشأ من الحرمان والقسوة والأخذ بكل صغيرة وكبيرة والعقاب الشديد أو المتوالي. ولكن ينبغي على المربِّي إن اضطر لتأديب مربوبه أن يترفَّق في ضربه حتى لا ينقلب التأديب إلى تعذيب. ويُقنع مربوبه بأنه لم يضربه كراهيةً ولا لمجرد الانتقام - إن أخطأ في حقه - ولكن ليصلحه وليكفّ عما فعله من مساوئ. وليَقُل له مثلاً: "تصوَّر أن الله عاقبك بذنبك هذا في نار جهنم وأنت لا تستطيع أن تتحمل هذا العقاب الأليم، خصوصاً وأنت متعوِّد ومستمر بهذا العمل السيئ، أهذا أَهْون عليك أم ضربي؟! أليس ضربي هذارحمة لك لئلا يُصيبك الله بمثل هذه المصيبة العظيمة؟!".. ونحو ذلك من الأقوال.
إذاً لابد من مثل هذا الإقناع والحوار بين المربِّي والمربوب، إذ قد يتذكر هذا المربوب أو الطفل المضروب ذلك الضرب عند كبره، وقد يُسبِّب هذا عنده عقدة نفسية ولا يظهرها لك، وقد يسبِّب هذا عنده عدوانا خفيا، بل قد يُسبِّب هذا عنده رغبةً في الانتقام فيأتي بالعصيان والتمرد إلى غير ذلك من الآثار السَّلبية التي قد تنتج من قسوة الوالد المربِّي أو الأستاذ المربِّي..
3- ثالثا: العفو،
ومعنى ذلك التحمُّل وإقالة العثرات وغض البصر عن كثيرٍ من الهفوات. ولا يتأتَّي ذلك إلا أن يكون المربِّي صبوراً حليماً وضابطاً لانفعالاته، قادراً أن يكظم غيظه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "أوصني"، قال: «لا تغضب»، فردَّد مِرارًا، قال: «لا تغضب» (صحيح البخاري [6116]).
وبديهيٌ جداً أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقصد أن يمنعه من الغضب (وما من أحدٍ إلا ويغضب) ولكن المقصود: لا تُنفذ غضبك بالسبِّ والضرب وغيره ولكن اعف وسامح.
فعن عَبْداللَّهِ بْن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمْ نَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ؟" فَصَمَتَ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ الْكَلَامَ، فَصَمَتَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ، قَالَ: «اعْفُوا عَنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً» (صحيح أبي داود [5164]).
ولذلك اعلم أن الحياة لا تطيب ولا تستقيم إلا بالتسامح والعفو، ولولا العفو والتسامح لطال الشقاء والتعب في الناس ولتكدّرت حياتهم بل ولهلكوا عن بكرة أبيهم.
4- رابعا: أن يكون المربِّي قدوة وإماما،سبَّاقا إلى الخيرات كما ينبغي أن يكون أبعد الناس عن المحرَّمات:
أما إ ذا صار ديدن المربِّي التقصير في الأعمال الصالحة وارتكاب المحرَّمات فأقول له: بالله لا تفسد، فإنك مُفسد ولست بمصلح.
إذ كيف يكون الدَّاعيةُ داعيةً والمربِّي مربِّيا وأقواله وأعماله مختلفة؟! بل المربوبون والمدعوُّون يتأثَّرون بسمت الدَّاعية وأخلاقه وأعماله أكثر من أقواله. ويُقال: "إذا كنت إمامي فكن أَمامي".
أما إذا صار إمامُك خلفَك في كل الأوقات فإنما هذا دليلٌ على فشل إمامته أو دعوته وتربيته.
والله المستعان. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام.