في الأثر النفسي المُحتَمَل للمصطلحات الشرعية على المسلم!

أحمد كمال قاسم

أظن أن الفكرة قد وصلت وهي أنه كثيرا ما يوجد في الاصطلاح مُشاحّة, وذلك على خلاف والمعهود.

  • التصنيفات: التصنيف العام - الواقع المعاصر -

مبدأ أنه "لا مشاحّةً في الاصطلاح"، مبدأ معروف يعني أنه عندما، مثلا، يصطلح عالم مصلطح مثل "أركان الصلاة", ويصطلح غيره - في مذهب آخر - مصطلح "واجبات الصلاة"، فلن نختلف أيهما أصح، يكفينا أن يعلم كل منا تعريف المصطلحين. وأنا أتفق مع هذا بالنسبة لخطاب العلماء بعضهم بعضا، أما وقع هذه المصطلحات على أذهان العوام قد يؤثر سلبا وإيجابا!

 

فمثلا إطلاق مصطلح العبادات على الصلاة والصوم وباقي "الشعائر التعبدية" قد يوهم العامة أن الأوقات التي بين هذه الشعائر ليست عبادة، مع أن الله يخبرنا أنه ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه.. {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦].

 

ويأتي من التقسيمات ما يزيد الطين ابنتلالا بأن يسمي ما بين الشعائر "عادات أو معاملات", فيثبت الوهم في ذهن المسلم... وَهْم أن أفعالنا الحياتية ليست تدخل في زمرة العبادة، مع أن الله يؤكد على النبي أن يخبرنا أن الصلاة والنسك والمحيى، بل والممات، كل هذا عبادة.. {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٦٢﴾ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام 162-163].

 

وأنه لو قامت القيامة وفي يد أحدنا فسيلة فإن استطاع ألا تقوم قبل أن يغرسها فليفعل، بالرغم أنه لم ينتفع أحد بهذه الفسيلة.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنْ قامَتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكمْ فَسِيلةٌ، فإنِ استطاعَ أنْ لا تقومَ حتى يَغرِسَها فلْيغرِسْهَا"

 

المصدر: صحيح الجامع

أقول أنه بالرغم أنه ربما لن ينتفع أحد بهذه الفسيلة إلا أنه أراد أن يثبت في أذهاننا أن هذه شعيرة، هذه عبادة، نحن نفعلها لأنها دورنا في الحياة، وليس دورنا - كما يتوهم أغلب الناس - أن نصلي ونصوم, وأن كل ما بين هذه الشعائر هي من "العادات" لو أخذنا فيها نية طيبة فبها ونعمت، وإن لم نأخذ، فإن كانت من المباحات فلا تثريب علينا في فعلها, وليس علينا حرج في الغفلة عن جعلها لله تعالى!

 

من وجهة نظر عملية بحتة يستطيع أي ذي خيال محدود أن يتخيل حال الأمة الإسلامية في إتقان صناعتها وزراعتها وتعليمها لو كان كل هذا في عقيدة المسلم عبادة يجب إتقانها، وأمانة استعمار الأرض، وهي أمانة أن نعيد الأرض يوم القيامة وهي أفضل حالا مما أخذناها يوم حملنا الأمانة، وأن يعدَ كلٌ منا ما هو في دائرة تأثيره يوم وفاته أفضل حالا مما وجده حال ميلاده، وهكذا..

 

أقول أن أي ذي خيال محدود يستطيع أن يرى أثر هذا الاعتبار التعبدي لكل عمل في الحياة على وظيفة الخلافة واستعمار الأرض ونشر كلمة الحق بالقدوة الحسنة إلى آخره.

 

ومثال آخر على المشاحة في الاصطلاح اصطلاح فرض الكفاية، فهو بناءً على تعريفه يُفهَم منه أن قيام أفراد تكفي الأمة في فرع من الصناعات والعلوم (*) هو كافٍ للأمة كلها من وزر ترك هذا الفرع.

 

وهذه الكفاية تذكرني بالقصة التي طلب فيها أحد الملوك أن يأتي كل لبَّان ليلاً بوعاء من اللبن ويفرغه في مسبح كبير حتى يجد الملك المسبح مليئا باللبن صباحا، ففكر أحدهم أن لو ملأتُ وعائي بالماء وصببته فلن يتغير لون - ولا طعم - لبن المسبح، لكن الكارثة أن الكل فكَّر بنفس النمط، فوجد الملك المسبح مملوءا كلَّه ماءً! وهذا هو تقريبا ما يظنه كل من يهمل "فرض الكفاية" لتوهمه أن غيره قد كف عنه مؤونته، فلا يشغل باله به، لاسيما أنه لا توجد هيئات تحكم هل عدد وكفاءة العاملين بمهنة معينة كافٍ أم لا!

 

أما مثلا لو اصطلحنا بدلا من مصطلح "فرض كفاية" مصطلح "فرض أُمَّة"، فسيكون شرح العلماء للمسلم أن "فرض الأمَّة" هو فرض على الأمة كلها - ليست على فردٍ فردٍ بل على الأمة جمعاء - فنزيل سقوط الفرضية من على أحد أفرادها ابتداءً، فيجد المرء نفسه منوطا بمهمة الاتصال بأفراد الأمة حتى يستقصي إن كان في هذه العبادة (المهمة) ما يكفي الأمة كي تعمر الأرض وتحقق خلافة الإنسان المسلم فيها أم لا، فيكون دوره فعالا ولا يسقط عنه الفرض إلا بعد أن يبذل هذا الجهد الغير ضئيل، والذي بدوره سينشئ تلقائيا المؤسسات الرقابية التي يتعاون فيها أفراد أمة الإسلام جميعهم في بحث أمر استكفاء الأمة من هذه المهمة الحيوية - كيفا وكما - أم لا.

 

لا أريد الإطالة أكثر من هذا لكن أظن أن الفكرة قد وصلت وهي أنه كثيرا ما يوجد في الاصطلاح مُشاحّة, وذلك على خلاف والمعهود.

والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) وأحيانا يصطلح البعض على العلوم المادية لفظ "فنون" وأن العلم هو "العلم الشرعي فقط" في جريمة اصطلاحية أخرى، فكل العلوم النافعة دينية، لكن بعضها تعميري جهادي استخلافي وبعضها شعائري أو تدبري، أو،،، أو