رمضان شهر نزول القرآن

وهو الكتاب الذي هدى الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا هداية لنا إلا بما هدى الله تعالى به رسولَه صلى الله عليه وسلم

  • التصنيفات: تزكية النفس - ملفات شهر رمضان -

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، وأشهد أن لاإله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.   

قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].

ولقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1-5].

وقوله تعالى: {حم . وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ . إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: 1-3].

فالحمد لله تعالى الذي اصطفانا بالإسلامِ، لقوله تعالى عن وصيةِ إبراهيمَ ويعقوبَ عليهما الصلاة والسلام؛ كُلٌّ مِنْهُمَا لبنيه: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132].

واصطفانا سبحانه وتعالى لمتابعة خير الأنام رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله إلى جميع خلقه بوحيه القرآن والسنة، لقوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ . فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 151-152].

واصطفانا الله تعالى بالقرآن الكريم الذي جعله الله مهيمنًا على كل الكتب التي قبله، لقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ . جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ . وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ . الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر: 32-35].

ولقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48].

وهو المعجزةُ الخالدةُ عبرَ العصورِ والأزمانِ، فعَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنْ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (البخاري [4981، 7274]، ومسلم [152]).

ودعا الله تعالى به جميعَ خلقه من مؤمنين وكفار ليهتدوا به من ظلماتِ الشركِ والأهواءِ إلى نورِ التوحيدِ، والفرائضِ، وكافةِ الطاعاتِ، لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى: 52-53].

ولقوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122].

ويقول الإمامُ ابنُ كثيرٍ رحمه الله في تفسيره:
هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمنِ الذي كان ميتًا، أي: في الضلالة، هالكًا حائرًا، فأحياه الله، أي: أحيا قلبه بالإيمان، وهداه له ووفقه لاتباع رسله.

{وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} أي: يهتدي كيف يسلك، وكيف يتصرف به.

والنور هو: القرآن، كما رواه العَوْفي وابن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وقال السُّدِّي: الإسلام. والكل صحيح.

وقال تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 22-23].

ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} [النساء: 184].

وقوله تعالى لأهل الكتاب ولعموم الكفار: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15-16].

وكذلك دعا به وإليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7].

وهو الكتاب الذي هدى الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا هداية لنا إلا بما هدى الله تعالى به رسولَه صلى الله عليه وسلم، فعَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ الْغَدَ حِينَ بَايَعَ الْمُسْلِمُونَ أَبَا بَكْرٍ وَاسْتَوَى عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَهَّدَ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فَاخْتَارَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي عِنْدَهُ عَلَى الَّذِي عِنْدَكُمْ، وَهَذَا الْكِتَابُ الَّذِي هَدَى اللَّهُ بِهِ رَسُولَكُمْ، فَخُذُوا بِهِ تَهْتَدُوا، وَإِنَّمَا هَدَى اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ" (البخاري [7269]) .

ولقوله صلى الله عليه وسلم: «كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، مَنْ اسْتَمْسَكَ بِهِ وَأَخَذَ بِهِ كَانَ عَلَى الْهُدَى، وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ» (مسلم [2408] عن زيد بن أرقم رضي الله عنه) .

وقوله صلى الله عليه وسلم: «كِتَابُ الله هُوَ حَبْلُ الله المَمْدُودُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ» (صحيح: رواه ابن أبي شيبة، وابن جرير، عن أبي سعيد رضى الله عنه، وصححه الألباني في (صحيح الجامع)  [4473]) .

والقرآنُ الكريمُ من أهمِّ أسبابِ معافاةِ القلبِ من شرورِ الشهواتِ والشبهاتِ التي تعصفُ بقلوبِ ضعافِ الإيمانِ من أمثالِنا، لقولِه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57].

وقوله تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44].

قال ابنُ القيمِّ:
جماعُ أمراضِ القلبِ الشبهاتُ والشهواتُ، والقرآنُ شفاءٌ لهما، ففيه من البينات والبراهين القاطعة والدلالة على المطالب العالية ما لم يتضمنه كتاب سواه، فهو الشفاء بالحقيقة، لكن ذلك موقوف على فهمه وتقريره المراد فيه.

ومن ثمرات وفضل كتاب الله تعالى ما يَحُثُّنَا جميعًا بأن نعتني بالقيام بحقه علينا حق قيام: من تَعَلُّمِهِ، وتعليمِه، وتلاوته، والعمل به، والدعوة، والتحاكم إليه، والنصيحة له، وذلك مما لا أحصي سرده في هذه المقدمة إلا على سبيل الإشارة إلى ذلك، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170].

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 29-30].

وَعن عُثْمَانَ رضى الله عنه : عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرآنَ وَعَلَّمَهُ»  (البخاري [5027]) .

وَعَنْهُ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرآنَ وَعَلَّمَهُ» (البخاري [5028]، وابن ماجة[212]وقال الألباني: حسن صحيح) .

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ للهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ». قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْقُرآنِ، أَهْلُ اللهِ وَخَاصَتُهُ» (صحيح: رواه ابن ماجه [215] وصححه الألباني) .

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ وَرَسُولَهُ فَلْيَقْرَأ فِي الْمُصْحَفِ» (حسن: رواه أبو نُعيم في "حلية الأولياء" [7 / 209] وحسنه الألباني في (صحيح الجامع) [6289]، و (الصحيحة) [2342]) .

وَعنه رضى الله عنه قال: "لا يسأل أحدٌ عن نفسه إلا القرآن، فإن كان يحبُّ القرآنَ، فإنه يحب اللهَ ورسولَه" (فضائل القرآن للقزويني [6]) .

وعن فروة بن نوفل الأشجعي، قال: كنت جارا لخباب بن الأرَتِّ رضى الله عنه فقال: "يا هناه! تقرَّب إلى الله ما استطعتَ، فإنَك لن تتقرب إليه بشيءٍ هو أحبُّ إليه من كلامِه" (صحيح: (الإبانة) لابن بطة [2033، 2034] و (الأسماء والصفات) للبيهقي [498] و (الرد على الجهمية) للدارمي [159]) .

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضى الله عنه قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ الْقُرْآنَ فَلْيُبْشِرْ (صحيح: (سنن الدارمى) [3386] والتفسير من سنن سعيد بن منصور [3] وأمالي ابن سمعون [171] و (حلية الأولياء) - [3 / 284/ 296]) .

وَعَنْهً رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:  «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَة، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُولُ ألم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيْمٌ حَرْفٌ» (صحيح: رواه الترمذي [2910] وصححه الألباني في (الصحيحة) [3327]) .

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ} قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَ بِمَوْقِعِ النُّجُومِ وَكَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُنْزِلُهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْضَهُ فِى إِثْرِ بَعْضٍ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاَ}(رواه الحاكم في (المستدرك ) [2878، 3959] وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه، وعلق عليه الذهبي في (التلخيص)  فقال: على شرط البخاري ومسلم، والنسائي في (الكبرى) [7989، 7990]، والبيهقي في (شعب الإيمان) [2249]) .

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "فُصِلَ الْقُرْآنُ مِنَ الذِّكْرِ، فَوُضِعَ فِي بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَجَعَلَ جِبْرِيلُ يُنْزِلُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَتِّلُهُ تَرْتِيلا" (رواه الحاكم في (المستدرك)  [2881، 4216] هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)  .

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]، قَالَ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً حَتَّى وُضِعَ فِي بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَنَزَّلَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَوَابِ كَلامِ الْعِبَادِ، وَأَعْمَالِهِمْ"  (رواه الطبراني في (المعجم الكبير)  [12213]) .

وَعَنْه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ (البخاري [1803] واللفظ له، ومسلم [2308]) .

وأسأل الله تعالى أن يجعله سببًا في هدايتنا وأن يوفقنا للاعتناء بكتابه جل وعلا بالمزيد من الجهد والوقت والمال، حتى يكون لنا ولكل المسلمين منهجَ حياةَ لسلوكِ صراطِهِ المستقيمِ، والوقوف جميعًا متكاتفين للتمسك به لكي نكون حائطَ صَدٍّ منيعًا لنقطع الطريق على المغرضين من الكافرين والمنافقين وأهل الأهواء، لكي يُحال بينهم وبين أن يعزلوه عن الأمة، أو يعزلوا الأمة عنه، مصداقًا لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103].

ولقوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام: 26].


صلاح عامر