كنت أخشى حلول رمضان، أما الآن فلا!
رمضان يُعتبر قوة دفع مؤقتة تستمر لمدة ثلاثين يومًا فحسب، ولكنه كذلك مؤشر لما يمكن أن تقوم به يوميًا على مدار العام منطلِقًا من دافع ذاتي.
- التصنيفات: الحث على الطاعات - ملفات شهر رمضان -
في الماضي، حين كان يقترب رمضان، كنت قد اعتدتُ رؤية الجميع متحمسًا، فأسمع عبارات من قبيل: "كم أنا متشوق لرمضان"، "إنه شهري المفضل من العام". أما أنا فكنت أشعر بالحيرة وتأنيب الضمير، فكانت بعض الخواطر التي تدور في بالي: "سأستمر في العمل في رمضان"، أو "سيكون عندي امتحانات"، أو "سأصوم لـ (19) ساعة في الحر، فماذا سأفعل حينها؟!"، "كيف سأتمكن من الاستيقاظ للسحور ثم الاستيقاظ مرة أخرى للعمل؟! هذا لاشكّ سيغيّر من نمط نومي ويسبب اضطرابه".
وهكذا، بينما الكل يفكر في عدد الأجزاء التي سيختمها من القرآن، والطاعات التي سيقوم بها، كنت أنا مشغولًا بوضع خطط لكيفية تمضية ساعات الصيام من خلال تجهيز قائمة بالمسلسلات والأفلام، والحرص على النوم متى ما أتيح لدي وقت فراغ، وبطريقة التفكير تلك، لم أتمكن من استغلال رمضان على الوجه الصحيح.
وهنا قررت أن أقف مع نفسي، وتنبهت أن الله تعالى لا يكلّف نفسًا إلا وسعها، وأنه من الخطأ أن أقع في دائرة القلق والتوجّس من قدوم رمضان ، فما كان عليّ أن أشغل تفكيري بطول عدد الساعات، وحلول فصل الصيف أثناء الصيام، وانشغالي بعمل هنا ودراسة هناك، وإنما توجب عليَّ تغيير تلك العقلية، واغتنام كل الفترات الممكنة للاستفادة من هذا الشهر الفضيل، وبدلًا من أن أسأل نفسي: "كيف أتجاوز اليوم بسلام في رمضان؟" نشأت أسألها: "كيف أستغل اليوم قدر الإمكان؟".
فإذا كنت تعاني من نفس المشكلة، إليك بعض النصائح والأمور التي أفادتني:
1- عُد للقرآن:
ربما يبدو هذا الأمر بديهيًا، ولكن تحديد هذا الهدف كان بداية التغيير بالنسبة لي. فكثيرًا ما نسمع أن الغرض من صيام رمضان هو الإحساس بالجوع؛ لنشعر بالامتنان على نعمة الطعام، وقد رسُخ هذا الفهم في رأسي، ولكنني لاحقًا سمعت محاضرة للداعية "نعمان علي خان" حين كان يتحدث عن الهدف من رمضان كما بيَّنه الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖوَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185].
فالله جلَّ وعلا لم يصف رمضان بأنه شهر الجوع والمعاناة، وإنما هو الشهر الذي أُنزل فيه القرآن، هو الشهر الذي على المسلمين أن يلجأوا فيه إلى الله، ويُنيبوا إليه، وأن يغدو ذلك الشهر السبيل للاستقامة في حياتهم، وهكذا صرت بدلًا من التفكير في الجوع، صرت أفكر في الطريقة التي تمكنني من تقوية علاقتي بالقرآن روحيًا.
2- الصيام ليس محاكاة للفقر:
فأذكر أن أحد أصدقائي أخبرني مرة بتلك العبارة التي لم أنسها، فقد كنت أظن دومًا أن الهدف من رمضان هو التعاطف مع الفقراء والجوعى، وذلك بتحمل الجوع والعطش، بيد أنه اتضح لي أن الهدف من الصيام أعمق من هذا بكثير، فنحن نصوم رمضان لنزداد تقوى، ونتخلص من العادات والأخلاق السيئة، ونكتسب العادات والأخلاق الطيبة ، وهو فرصة ذهبية لتجديد النية والهدف من الحياة، على مستوى الدنيا والآخرة.
3- استثمر الوقت وتوقف عن المماطلة:
فقد قمت بإلغاء قائمة التسويف إلى جانب جميع المسلسلات والبرامج التي من شأنها إضاعة الوقت والأجر في رمضان، وقمت بوضع خطة تتضمن المشاهدة والاستماع لبرامج إسلامية مفيدة، تتناول السيرة وتفسير القرآن، كما قمت بالتسجيل في دورات علم الكمبيوتر، وتعلم اللغة، وتعلم بعض اللغات، ورأيت أنني على استعداد لتعلم أي عمل مثمر، وأنصح من لديهم عطلة صيفية باستغلال هذا الأمر، غير أن استثمار ذلك الوقت قد يشكل تحديًا لمن يعملون أو يدرسون، ومن هنا سيكون من الأفضل أن نقوم بتحديد أهداف معقولة نستطيع تحقيقها في الوقت المتاح لنا، وهاكم بعض الأفكار:
- يمكنكم الاستماع لمحاضرة واحدة يوميًا في طريق ذهابكم وإيابكم من العمل،
- حافظوا على سنن الصلاة وأذكار ما بعد الصلاة،
- تصدقوا،
- احرصوا على حفظ ولو آية واحدة من القرآن يوميًا.
ولا تقللوا أبدًا من قيمة الأشياء الصغيرة، وتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الأعمالِ إلى الله تعالَى أدومُها وإن قلَّ» (صحيح مسلم [783]).
5- تناول الطعام بذكاء:
من الطبيعي بعد صيام يصل لـ (18) ساعة أن تصل لمرحلة تجوع فيها وتعطش، ولكن هناك بالطبع بعض الوسائل التي تعين إلى حد ما على محافظة على طاقتك فترة النهار، أذكر منها اثنتين:
- أكثر من أكل التمر، فهو يحافظ على وجود الطاقة في الجسم لفترة كبيرة من الوقت بالإضافة لفوائد أخرى عظيمة.
- اتبع قاعدة "الثلث" التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: «ما ملأَ آدميٌّ وعاءً شرًّا مِن بطنٍ، بحسبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقمنَ صُلبَهُ، فإن كانَ لا محالةَ فثُلثٌ لطعامِهِ وثُلثٌ لشرابِهِ وثُلثٌ لنفَسِهِ» (صحيح الترمذي [2380]).
6- انخرط في العبادة:
رمضان هو شهر مميّز بكل معنى الكلمة، فهو الشهر الذي تُصفّد فيه الشياطين وتُتاح الفرص للجميع، فإن كنت ممن اعتادوا إهدار هذا الشهر، فاحرص على أن يكون رمضان هذا مختلفًا وبداية البداية بالنسبة لك، أما إن كنت من محبيه والمتلهفين إلى قدومه، فاحرص على أن يكون رمضان هذا هو الأفضل على الإطلاق بإذن الله.
7- كلا طرفي قصد الأمور ذميم:
أن ينتقل الإنسان من مرحلة تحديد جزء من اليوم للعبادة، إلى الوقت كله في رمضان هو أمر لا ريب مجهد، ومعظمنا يعرف هذا الشعور في بداية رمضان حين يكون عند الإنسان طاقة هائلة لأداء العبادات، فيقرر سهر الليل كله حتى الفجر، وقراءة جزء من القرآن يوميًا، ثم يفاجأ بنفسه وقد مضى الأسبوع الأول وطاقته قد أوشكت على النفاد.
فاحرص على أن تتعامل مع رمضان على أنه سباق "الماراثون"، حيث لا يبدأ المتسابقون بالجري بأقصى سرعتهم في أول السباق، بل يبدأون ببطء ثم يزيدون السرعة على مدار السباق. وأنت كذلك قم بالمثل، ابدأ بمعدل معقول، واستجب لجسمك إذا أراد الراحة، ولكن دون إضاعة الوقت والطاقة. وهكذا، حتى تصل للعشر الأواخر، وحينها ستتمكن بإذن الله من بذل طاقتك القصوى. وإذا حدث وتعثرت هنا، أو تباطأت هناك، فلا تَجلِد ذاتك بالتأنيب والتعنيف، ففي النهاية هذا هو شهر الرحمة والمغفرة والتوبة.
رمضان يُعتبر قوة دفع مؤقتة تستمر لمدة ثلاثين يومًا فحسب، ولكنه كذلك مؤشر لما يمكن أن تقوم به يوميًا على مدار العام منطلِقًا من دافع ذاتي، رمضان سيعينك على استغلال طاقتك وذكائك وتوجيههما بالشكل الصحيح إن أنت أحسنت استغلاله، وتكون النتيجة أن ينتهي رمضان وقد تحوَّلت شخصيتك وتطورت وصرتَ أقرب إلى الله بإذنه تعالى.
وأخيرًا، فهناك فئتان من الناس يصومون رمضان في كل عام، وإحدى هاتين الفئتين، ستخرج من رمضان وهى أتقى وأقوى إيمانًا؛ لأن رمضان بالنسبة لها ليس الشهر الذي يجوع فيه الجسد، وإنما الشهر الذي تتغذى فيه الروح! أما الأخرى، فستتهاون في رمضان وتتعامل معه كأي شهر في السنة! فمن أي الفئتين ستصير أنت يا ترى؟!
الكاتب: تسنيم عبد الرحمن النمر.
المصدر: موقع بصائر.