والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون
أبو الهيثم محمد درويش
{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ * وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ الزمر 32 – 35]
- التصنيفات: التفسير -
{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} :
من حمل الحق وصدقه و عمل به أولئك هم أهل التقوى و الإيمان , لهم من الله الرضوان , ومغفرة ما غبر وكان ,جزاؤهم الإحسان و مآلهم الجنان , لهم فيها ما يشتهون و فوق ما يشتهون مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وليس أظلم عند الله ممن كذب عليه و ادعى على الله ماليس فيه و على منهجه و رسالته ما ليس فيها, هؤلاء مأواهم جهنم.
قال تعالى.
{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ * وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ الزمر 32 – 35]
قال السعدي في تفسيره:
يقول تعالى، محذرا ومخيرا: أنه لا أظلم وأشد ظلما { {مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ } } إما بنسبته إلى ما لا يليق بجلاله، أو بادعاء النبوة، أو الإخبار بأن اللّه تعالى قال كذا، أو أخبر بكذا، أو حكم بكذا وهو كاذب، فهذا داخل في قوله تعالى: { {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } } إن كان جاهلا، وإلا فهو أشنع وأشنع.
{ {وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ } } أي: ما أظلم ممن جاءه الحق المؤيد بالبينات فكذبه، فتكذيبه ظلم عظيم منه، لأنه رد الحق بعد ما تبين له، فإن كان جامعا بين الكذب على اللّه والتكذيب بالحق، كان ظلما على ظلم.
{ { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ } } يحصل بها الاشتفاء منهم، وأخذ حق اللّه من كل ظالم وكافر. { { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } }
ولما ذكر الكاذب المكذب وجنايته وعقوبته، ذكر الصادق المصدق وثوابه، فقال: { {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ } } في قوله وعمله، فدخل في ذلك الأنبياء ومن قام مقامهم، ممن صدق فيما قاله عن خبر اللّه وأحكامه، وفيما فعله من خصال الصدق.
{ {وَصَدَّقَ بِهِ } } أي: بالصدق لأنه قد يجيء الإنسان بالصدق، ولكن قد لا يصدق به، بسبب استكباره، أو احتقاره لمن قاله وأتى به، فلا بد في المدح من الصدق والتصديق، فصدقه يدل على علمه وعدله، وتصديقه يدل على تواضعه وعدم استكباره.
{ {أُولَئِكَ} } أي: الذين وفقوا للجمع بين الأمرين { {هُمُ الْمُتَّقُونَ} } فإن جميع خصال التقوى ترجع إلى الصدق بالحق والتصديق به.
{ { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ } } من الثواب، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فكل ما تعلقت به إرادتهم ومشيئتهم، من أصناف اللذات والمشتهيات، فإنه حاصل لهم، معد مهيأ، { {ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ } } الذين يعبدون اللّه كأنهم يرونه، فإن لم يكونوا يرونه فإنه يراهم { { الْمُحْسِنِينَ } } إلى عباد اللّه.
{ { لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } } عمل الإنسان له ثلاث حالات: إما أسوأ، أو أحسن، أو لا أسوأ، ولا أحسن.
والقسم الأخير قسم المباحات وما لا يتعلق به ثواب ولا عقاب، والأسوأ، المعاصي كلها، والأحسن الطاعات كلها، فبهذا التفصيل، يتبين معنى الآية، وأن قوله: { {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا } } أي: ذنوبهم الصغار، بسبب إحسانهم وتقواهم، { {وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } } أي: بحسناتهم كلها { {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } }
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن