فضائل تربية الأبناء في الشريعة الإسلامية

حسين أحمد عبد القادر

إن الأبناء هم شباب المستقبل للأمة الإسلامية، والقيام بتربيتهم وتعليمهم مهمة عظيمة في الدين، وهذه التربية واجب على كل مسلم ومسلمة يؤمنون بالله تعالى واليوم الآخر، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].

  • التصنيفات: الدار الآخرة - دعوة المسلمين - الحث على الطاعات -

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أهمية تربية الأبناء:
إن الأبناء هم شباب المستقبل للأمة الإسلامية، والقيام بتربيتهم وتعليمهم مهمة عظيمة في الدين،  وهذه التربية واجب على كل مسلم ومسلمة يؤمنون بالله تعالى واليوم الآخر، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]، وفي الآية الكريمة موعظة عظيمة وترهيب من عاقبة النار وجحيمها وما بها من أهوال جسام، وفي رحاب الآية الكريمة قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: "قال قتادة: تأمرهم بطاعة الله سبحانه وتنهاهم عن معصية الله تعالى وأن تقوم عليهم بأمر الله سبحانه وتأمرهم به وتساعدهم عليه فإذا رأيت لله تعالى معصية قذعتهم عنها وزجرتهم عنها وهكذا قال الضحاك ومقاتل حق المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه وعبيده ما فرض الله تعالى عليهم وما نهاهم الله سبحانه عنه" انتهى من (تفسير ابن كثير).

وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم المفهوم الشامل للرعاية والمسئولية للقيام بالوفاء بهذه الأمانة وتحملها،  فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والرجل راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» (متفق عليه). ولذا فإن أهم ما يتم ترسيخه عند تربية الأبناء مفاهيم الدين لكي تستقيم دنياهم وآخرتهم وينعموا بالصلاح،  ويسعدوا بثمار هذه التربية الشرعية فتجني الأمة الإسلامية نتائج هذا النهج.

قال المناوي رحمه الله تعالى: "لأن يؤدب الرجل ولده عندما يبلغ من السن والعقل مبلغاً يحتمل ذلك بأن ينشئه على أخلاق صلحاء المؤمنين ويصونه عن مخالطة المفسدين ويعلمه القرآن والأدب ولسان العرب ويسمعه السنن وأقاويل السلف ويعلمه من أحكام الدين ما لا غنى عنه ويهدده ثم يضربه على نحو الصلاة وغير ذلك : خير له من أن يتصدق بصاع ؛ لأنه إذا أدبه صارت أفعاله من صدقاته الجارية ، وصدقة الصاع ينقطع ثوابها ، وهذا يدوم بدوام الولد والأدب غذاء النفوس وتربيتها للآخرة {قوا أنفسكم وأهليكم ناراً} [التحريم :6]. فوقايتك نفسك وولدك منها أن تعظها وتزجرها بورودها النار وتقيم أودهم بأنواع التأديب فمن الأدب الموعظة والوعيد والتهديد والضرب والحبس والعطية والنوال والبر فتأديب النفس الزكية الكريمة غير تأديب النفس الكريهة اللئيمة" انتهى من (فيض القدير :5 / 257 ).

ثمرات تربية الأبناء:
أولا: الدال على الخير كفاعله
  من أجل ثمرات تربية الأطفال التمتع بثواب وأجر الدلالة على الخير،  فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: " أتى النبيَّ صلى اللهُ عليهِ و سلمَ رجلٌ يستحملُه فلمْ يجدْ عندهُ ما يتحملُهُ فدلَّه على آخرٍ فحملَهُ فأتى النبيَّ صلى اللهُ عليهِ و سلمَ فأخبرَه فقال: «إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه»  (الترمذي:2670)،  وعن جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى اللهُ عليهِ و سلمَ: «من سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسنةً ، فعُمِل بها بعده ، كُتِبَ له مثلُ أجرِ مَن عمل بها . ولا ينقصُ من أجورِهم شيءٌ . ومن سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سيئةً ، فعُمِل بها بعدَه ، كُتب عليه مثلُ وِزرِ من عمل بها ، ولا ينقصُ من أوزارِهم شيءٌ» (مسلم:1017)،  ولذا من رزق التوفيق وتأمل عظيم الأجر ونبل الهدف لاستثمر آخرته في تهذيب أولاده،  ولعقد العزم على مصاحبة أطفاله على البر والتقوى،  فكل معروف يتم تعليمه للأبناء يكون في ميزان الآباء بفضل الله الكريم،  وكل خصلة حميدة تم غرسها في الأبناء يجني ثمارها الآباء.

ثانيا: دعاء الولد الصالح للوالدين
إن أكبر خسارة للمسلم عند موته انقطاع عمله الصالح إلا من كان له رصيد من الحسنات الجارية أو حظ عظيم من نشر العلم الشرعي وما ينتفع به المسلمون وأيضا دعاء ولده الصالح فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى اللهُ عليهِ و سلمَ: «إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ : إلا من صدقةٍ جاريةٍ . أو علمٍ ينتفعُ به . أو ولدٍ صالحٍ يدعو له»   (مسلم:1613). ومن أحسن تربية أطفاله على حب الله تعالى فلا ريب أن الله الكريم سيسخر له هذا الولد الصالح كي يثابر على الدعاء له وتزيد حسناته ولا يتجمد رصيد عمله الصالح في صحيفته.

ثالثا: استغفار الأبناء سبب في الرقي في درجات الجنة
ومن الثمرات الجليلة استغفار الأولاد للوالدين،  فقد بشرنا رسول الله صلى اللهُ عليهِ و سلمَ بفضل هذا الاستغفار فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى اللهُ عليهِ و سلمَ: «إنَّ الرجُلَ لَتُرْفَعُ درجتُهُ في الجنةِ فيقولُ : أنَّى لِي هذا؟ فيُقالُ : بِاستغفارِ ولَدِكَ لَكَ» صححه الألباني في (صحيح الجامع:1617). ولذا فمن علم أولاده العلم الشرعي، وغرس في نفوسهم الأخلاق، وسعى لتعليمهم فضيلة الاستغفار،  فسيتحصل على نتيجة ذلك فيرتقي في درجات الجنة بفضل الله الحليم العظيم الكريم.

رابعا: حسن تربية البنات سبب في دخول الجنة
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى اللهُ عليهِ و سلمَ: «مَن ابتُلي بِشَيءٍ من البناتِ فصبرَ عليهِنَّ كنَّ له حجابًا من النَّارِ» (الترمذي:1913) ،  وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى اللهُ عليهِ و سلمَ: «مَن عالَ ابنتينِ أو ثلاثًا ، أو أختينِ أو ثلاثًا حتَّى يَبِنَّ ، أو يَموتَ عنهنَّ ؛ كنتُ أنا وهوَ في الجنَّةِ كَهاتينِ . وأشار بأُصْبُعيهِ السبَّابةَ والتي تلِيهَا» صححه الألباني في (صحيح الترغيب:1970). وفي الحديث الشريف حث عظيم على أهمية تربية البنات وعظم ثواب ذلك،  فمن أراد مصاحبة سيد الخلق صلى اللهُ عليهِ و سلمَ فليؤدب بناته وأخواته،  وليحسن صحبتهن باللين في القول وإسعادهن بكل وجه من وجوه البر والإحسان.

نسأل الله ملك الملوك أن يرزقنا وأطفالنا وأهلنا والمسلمين الوقاية من نار الجحيم،  والحمد لله رب العالمين،  ونصلي ونسلم على رسولنا الحبيب صلى اللهُ عليهِ و سلمَ وعلى آله وصحبه أجمعين،  ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.