رمضان بين الواقع والواجب

فيصل بن علي البعداني

المتأمل في النصوص الشرعية الواردة في الصيام وفي واقعنا معاشر المسلمين يجد بوناً كبيراً لدى أكثر عامة الأمة وكثير من شباب الصحوة بين الواقع والواجب.

  • التصنيفات: الحث على الطاعات - ملفات شهر رمضان -

رمضان من مواسم الخيرات التي امتن الله - تعالى - بها على عباده، ليقوى إيمانهم، وتزداد فيه تقواهم، وتتعمق صلتهم بربهم، قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة:183]. والمتأمل في النصوص الشرعية الواردة في الصيام - التي تتحدث عن حِكَم الصيام وغاياته في الشريعة - وفي واقعنا معاشر المسلمين يجد بوناً كبيراً لدى أكثر عامة الأمة وكثير من شباب الصحوة بين الواقع والواجب.

وسأحاول بإذن الله - تعالى - أن أتلمس أبرز الأسباب التي أدت إلى هذا التباين، مُعرّجاً على شيء مما ييسر الله - تعالى - له من طرق العلاج.

 

أولاً: الأسباب:

هناك أسباب كثيرة من أبرزها:

 

1- الجهل بأهداف وحِكَم الصيام وغاياته:

يعد الجهل بأهداف وحكم الصيام وغاياته في الشريعة لدى كثير من المسلمين، وقيامهم بالتطبيق تقليداً ومسايرة للمجتمع من دون التأمل والدراسة من أبرز أسباب هذا التباين، يقول الشيخ الدوسري: "فإن لم يكن البشر واعين لحكمة التشريع الإلهي وثمراته في الدنيا قبل الآخرة، فإنهم لن يطبقوه على تمامه، أو على الوجه الصحيح" [1]، ويمكن إيجاز أهم تلك الحكم فيما يلي:

* تحقيق التقوى:

تعد التقوى من أبرز حكم الصيام.

يقول الرازي: "إن الصوم يورث التقوى لما فيه من انكسار الشهوة وانقماع الهوى؛ فإنه يردع عن الأشر والبطر والفواحش، ويهون لذات الدنيا ورياستها، وذلك لأن الصوم يكسر شهوة البطن والفرج، فمن أكثر منه هان عليه أمر هذين، وخفت عليه مؤونتهما، فكان ذلك رادعاً له عن ارتكاب المحارم والفواحش، ومهوناً عليه أمر الرياسة في الدنيا، وذلك جامع لأسباب التقوى.. " [2].

* التربية على الصبر وقوة الإرادة:

التربية على الصبر من أبرز مرامي الصيام حتى سمى النبي صلى الله عليه وسلم شهر الصيام: بشهر الصبر، إذ في الصوم "تربية لقوة الإرادة على كبح جماح الشهوات وأنانية النفوس، ليقوى صاحبها على ترك مألوفاته أكلاً أو شرباً أو متاعاً، فيكون قوي الإرادة في الإقدام على أوامر الله - تعالى - التي من أعظمها حمل الرسالة المحمدية والدفع بها إلى الأمام، ساخراً بما أمامه من كل مشقة وصعوبة.. والصوم يمثل ضرباً من ضروب الصبر، الذي هو الثبات في القيام بالواجب في كل شأن من شؤون الحياة" [3] إذ يُصَبّر فيه الإنسان نفسه على طاعة الله - تعالى - بالوقوف عند حدوده فعلاً وتركاً، قال تعالى بعد أن ذكر شيئاً من أحكام الصيام: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا [البقرة من الآية:187]، كما يضبطها ويمنعها عن لذاتها طواعية وامتثالاً لأمر الله - تعالى - وطلباً لثوابه، وفي ذلك من التربية على قوة العزيمة والإرادة ما يجعل الإنسان متحكماً في أهوائه وشهواته.

* التربية على الاستسلام والخضوع لله - تعالى -:

يربي الصيامُ المسلم على ضبط نفسه الأمارة بالسوء، ويمكنه من السيطرة عليها والإمساك بزمامها، بحيث لايكون مستسلماً لها بل مستسلماً لأوامر ربه خاضعاً منقاداً لنواهيه، مُؤثراً لمحابه سبحانه، مقدماً لها على رغائب الجسد وشهواته.

* إنشاء الخوف من الله - تعالى - ومراقبته:

الصيام عبادة خالصة بين العبد وربه، ولذا فإنه يربي في المسلم الخوف من الله - تعالى - ومراقبته والتطلع لثوابه، إذ بإمكانه أن يُظهر الصيام أمام الخلق وهو غير صائم أصلاً، سواء أكان عن طريق تناول شيء من المفطرات، أو بمجرد فقدان النية، وإن أمسك عنها طوال النهار، وفي ذلك من ظهور صدق الإيمان وكمال العبودية وقوة المحبة لله - تعالى - ورجاء ماعنده ماجعل جزاء الصيام عند الله - تعالى - أعظم من جزاء جل العبادات، قال الله - تعالى - في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ماشاء الله عزوجلّ، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي..» [4]. قال ابن القيم: "والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة، وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده فهو أمر لايطلع عليه بشر، وذلك حقيقة الصوم" [5].

* لمّ شعث القلب، والتفكر في ملكوت الله - تعالى -:

لما كان فضول الطعام والشراب والكلام والمنام ومخالطة الأنام مما يزيد القلب شعثاً ويشتته في كل وادٍ، ويقطعه عن سيره إلى الله - تعالى -، أو يضعفه أو يعوقه ويوقفه، اقتضت رحمة الله - تعالى - بعباده أن شرع لهم من الصوم مايذهب فضول الطعام والشراب، ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات وشرع لهم من العبادات أثناءه من اعتكاف وقيام ودعاء وتلاوة قرآن مايذهب فضول الكلام والمنام ومخالطة الأنام. ولذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الصوم جنة وحصن حصين من النار» [6] بل عدّه حصناً للمؤمن، وذلك لكونه: كاسراً للشهوة ومضعفاً لها، قال: «خصاء أمتي الصيام» [7]، وقال: «يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» [8].

ومُضيقاً على الشيطان مجاريه بتضييق مجاري الطعام والشراب قال: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» [9]، فتسكن بذلك وساوس الشيطان.

كما أن القلب في حال الصيام يتفرغ للتفكر في آيات الله - تعالى - وملكوته، لأن الإفراط في تناول الشهوات يستوجب الغفلة، وربما يقسي القلب ويعمي عن الحق، قال ابن رجب: "وخلو الباطن من الطعام والشراب ينور القلب ويوجب رقته ويُزيل قسوته ويخليه للذكر والفكر" [10].

* معرفة العباد لما هم فيه من نعم، وتذكرالأغنياء لحال إخوانهم الفقراء:

يحصل للأغنياء نتيجة امتناعهم عن الطعام والشراب في نهار الصيام مشقة، فيوجب ذلك لهم معرفة قدر نعمة الله - تعالى - عليهم بالغنى؛ حيث مكنهم من تلك النعم طوال العام مع ابتلاء عبادٍ له آخرين بالحرمان؛ مما يستوجب الشكر لله - تعالى - على ذلك.

كما أن الفقراء ينظرون في العطايا التي يُعطاها العباد خلال هذا الشهر من خلو الذهن للتفكر والعبادة والذكر نتيجة الجوع وخلو البطن، ويرون أن حالهم مقاربة لذلك في غالب العام، وأنهم مؤهلون لاستغلال تلك النعم طوال الوقت مما يستدعي شكرها. كما أن الصيام يجعل الأغنياء يتذكرون حال من حولهم من إخوانهم الفقراء، ويدعوهم إلى رحمة المحتاجين ومواساتهم بما يمكن من ذلك.

* قوة الأجساد وصحتها:

الأصل في مشروعية الصيام أنه يقوي الإيمان ويكسب العبد التقوى التي تحجزه عن المعاصي والآثام إلا أن له حكماً وفوائد أخر، من أبرزها: ما اتضح في عصرنا من تقويته للأجساد وأثره في صحتها بالوقاية من العلل والأمراض الجسمية والنفسية.

 

2- تعليق الصيام بالتروك فقط:

يعتقد كثير من الناس أن الصيام جملة من التروك فقط، متناسين أن الله - تعالى - شرع الصيام وشرع معه جملة من الأعمال التي تتظافر لتحقيق غايات الصوم وآثاره المرجوة منه، ولعل من أبرز تلك الأعمال التي دلت عليها النصوص:

* قيام الليل، قال صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه» [11].

* العمرة، قال صلى الله عليه وسلم: «عمرة في رمضان كحجة معي» [12].

* تفطير الصائمين، قال صلى الله عليه وسلم: «من فطر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لاينقص من أجر الصائم شيئاً» [13].

* قراءة القرآن وختمه: قال صلى الله عليه وسلم: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشراب فشفعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان» [14]، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلقاه جبريل في كل سنة في رمضان، فيعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن.

* الصدقة: عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود مايكون في شهر رمضان" [15].

قال الشافعي: "أُحِب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ لحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم".

* الاعتكاف: عن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان" [16]. قال الزهري: "عجباً للمسلمين تركوا الاعتكاف، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ماتركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل".

* الدعاء: حيث ذكر الله - تعالى - في ثنايا آيات الصيام قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة من الآية:186] ليرغب الصائم في كثرة الدعاء، وقال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر» [17].

* التوبة: رمضان موسم التوبة والعودة إلى الله - عز وجل - وذلك لعظيم جوده - تعالى - وفضله في كل وقت، وفي هذا الشهر خاصة، حيث تُصَفّد الشياطين [18]، وله سبحانه في كل ليلة من رمضان عتقاء من النار بالإضافة إلى تهيؤ الإنسان بالصوم وسائر العبادات لذلك، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: «رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له».

* الاجتهاد في العمل مطلقاً في العشر الأواخر: عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله وَجَدّ وشد المئزر" [19] وقالت (رضي الله عنها) أيضاً: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيره" [20].

والأفعال المشروعة في رمضان كثيرة، فالمفترض في حق المسلم أن يحرص على شغل وقته بما يعود عليه بالنفع أكثر عند لقاء الله - عز وجل -.

 

3- عدم استشعار أثر المعاصي على الصيام:

الذنوب سبب حرمان الله للعبد من الاستفادة من الصيام وتحقيقه التقوى فيه، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ[الشورى:30] ولذا فإن: "الصوم يَنقُص ثوابه بالمعاصي وإن لم يبطل بها، فقد لايحصل الصائم على ثواب مع تحمله التعب بالجوع والعطش لأنه لم يصم الصيام المطلوب".

وقد وردت عدة أحاديث تبين ذلك المعنى وتجليه منها قوله صلى الله عليه وسلم: «رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر» [21] وقال صلى الله عليه وسلم: «ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سَابَّكَ أحد، أو جهل عليك، فقل: إني صائم» [22]، وقال صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» [23].

 

4- أخطاء بعض الصائمين:

يقع بعض الصائمين في أخطاء منها:

* الإسراف في الإنفاق: الأصل في الصيام أنه مدرسة عملية للاقتصاد وتعويد النفس الجَلَد وقوة التحمل عند الأزمات، وضبط النوازع والرغبات، ولكن الذي يحصل في واقع الكثير من المسلمين في وقتنا الحاضر العكس، حيث تزداد النفقات وتتجاوز حد الاعتدال إلى التبذير والإسراف.

* التوسع في تناول الأطمعة والأشربة وسائر الملذات: صار موسم الصيام في حياة أناسٍ موسماً لتنويع المآكل والمشارب وتناول الملذات، ولايخفى مافي ذلك من منافاة لغرض الصيام ومراميه.

* السهر في الليل والنوم في النهار: ينقلب الحال في رمضان في حياة الكثيرين، فيصبح الليل نهاراً والنهار ليلاً؛ بحيث يصبح الليل وقتاً للاجتماع والسهر، والنهار وقتاً للنوم والكسل، هذا إذا لم يصاحب ذلك اجتماع على محرمات وتضييع للواجبات، وعدم القيام بالعبادات كما يجب.

* التعلق بالدنيا وعدم الاهتمام بشأن الآخرة: مع دخول رمضان يزداد انشغال كثيرين بتجاراتهم وبيعهم وشرائهم، ويأخذ ذلك منهم جل الليل والنهار، ومع أن البيع والشراء حلالان في الإسلام، إلا أن المذموم من ذلك، هو تعلق القلب بمتاع الدنيا، وإعطاء كل جهدِه ووقته لذلك مع إغفال المرء لحظ نفسه في الآخرة وحاجتها إلى أعمال صالحة تهذبها، وتزيل عنها دَرَنها وشوائبها.

* مخالطة البطالين: وهم مُضَيّعوا أوقات العباد فيما لايعود عليهم بنفع ديني أو دنيوي وليس من شرطهم الإفساد والانحراف عن جادة الحق الصواب ومخالطة العبد لهم وإكثاره من ذلك يعود عليه بالندم والحسرة في كل وقت فكيف في مواسم الخيرات؟!

* أخطاء في أداء بعض العبادات: يحرص بعض الموفقين للخيرات على القيام ببعض العبادات، ولكن يعتري تطبيقهم بعض الأخطاء، ومن ذلك:

أ- التأخر عن الصلاة: وذلك للتأخر في الخروج من المنزل لصلاة العشاء والتراويح والذهاب إلى مسجد بعيد ليصلي مع إمام يجيد القراءة، وقد يؤدي ذلك التأخر إلى فوات صلاة الجماعة أو بعضها، مع أن صلاة الجماعة واجبة على الأرجح، وصلاة التراويح نافلة.

ب- تشدد بعض الحريصين على الاتباع في تحديد عدد صلاة التراويح، مما يؤدي ببعضهم إلى أن لايصلي مع إمامه حتى ينصرف إذا كان يزيد على الحد المعروف عنده، وأحسب أن هذا اجتهاد مأجور إن شاء الله، لكن أخشى أن يفوته أجر قيام ليلة مع ما يصاحب ذلك عند بعضهم من البغضاء والشحناء بين المختلفين في العدد.

ج- حرص بعض المسلمين على ختم القرآن في رمضان مرة أو أكثر: ولاإشكال في ذلك لثبوت مشروعيته، ولكن الإشكال في كيفية تلاوتهم إذ يهذّ بعض القراء في التراويح وغيرها القرآن هذّاً كهذّ الشعر بدون تدبر لمعانيه وتفهم لأحكامه، وقد قال الله - تعالى -: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29]. صحيح أنه ثبت عن بعض السلف أنه كان يختم القرآن في رمضان كل ليلة، حتى قال الزهري: "إذا دخل رمضان فإنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام"، ولكن خير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: «لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث».

د- يحرص بعض المسلمين على الاعتكاف، ولكن قد يعتكفون جماعات، فيحلو بينهم الحديث وتتسع أبوابه، ويكون الاعتكاف موضع عشرة ومجلبة للزائرين، يقول ابن القيم بعد ذكره لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف: "كل هذا تحصيل لمقصود الاعتكاف وروحه، عكس مايفعله الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عشرة، ومجلبة للزائرين وأخذهم بأطراف الأحاديث بينهم، فهذا لون والاعتكاف النبوي لون".

هـ- تتفتح أبواب الخير وطرقه على الصالحين في رمضان بشكل لايمكن العبد الإحاطة بها جميعاً، مما يتطلب منه المفاضلة بين الأعمال واختيار ما يكون أصلح لقلبه وأكثر نفعاً لأهله ومجتمعه، والملاحظ في واقع كثير من الصالحين أنه يريد الإحاطة بكل خير يمكنه القيام به فلا يقوم بشيء منها، أويقوم بأعمال خيرة يمكنه أن يقوم بأفضل منها، أو يوكل القيام بها إلى شخص حوله لايمكن أن يقوم بشيء منها بدون ذلك ويقوم هو بغيرها.

 

5- الوسائل الإعلامية والعلاقات الاجتماعية:

لوسائل الإعلام سواء أكانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة دور كبير في تشتيت أذهان كثير من الصائمين وبالأخص الشباب والنساء، وبالتالي إشغالهم عن استيعاب غايات الصيام ومراميه، والاستفادة منها في إصلاح النفوس والمجتمعات بالشكل المطلوب وذلك من خلال المواد التي تقدمها تلك الوسائل والتي تصب غالباً في الجانب الترويحي، وما تبقى من مجالات تكون في الغالب سطحية مع اشتمال كثير منها على جوانب محرمة.

كما أن للتوسع في العلاقات الاجتماعية بين الأسر والأصدقاء دوراً ملحوظاً في إضاعة الأوقات، ولذا فإني أرى أن الخير للمسلم أن يقلل من علاقاته تلك في هذا الشهر ما أمكن، وأن يجعلها مقصورة على الصلة أو المواساة والدعوة إلى الله - تعالى -، وتدارس أحكام الإسلام وتعاليمه.

 

ثانياً: العلاج:

كانت تلك أبرز الأسباب لتلك الظاهرة، ولعل من أبرز وسائل علاجها بالإضافة إلى معالجة مسببات تلك الأسباب وآثارها، ما يلي:

1- أن يقوم العلماء والدعاة بدورهم في التربية والتوجيه للأمة، سواء عن طريق الاختلاط بالناس لتعليمهم، أو تقديم القدوات الحسنة لهم، عن طريق السلوك والممارسات المنضبطة بالشرع.

2- أن يستوعب المسلم حقيقة وظيفته في الحياة، وأهمية الوقت بالنسبة إليه؛ ليكون ذلك دافعاً له للجدية في حياته، والموازنة بين ما يمكن أن يقوم به من أفعال، ولكي يستفيد من نعمة الوقت بشكل أفضل، بعيداً عن الإغراق في المباحات والمستحبات على حساب الفرائض والواجبات، كما عليه أن يقوم بترويض نفسه على القيام بالأعمال الصالحة، كالتبكير للصلاة، والجلوس بعد الفجر في المسجد إلى طلوع الفجر.. ونحوها، ليتعود على ممارستها والاستمرار عليها بعد رمضان.

3- أن يعمل الجميع على تعميق روح الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به في سائر شؤون الحياة عموماً وفي شهر الصيام خصوصاً، وهذا يتطلب تعلم فقه الصيام وآدابه، واستيعاب حِكَم الصيام وغاياته، وتقريب الوسائل التي تتيح لسائر فئات الأمة الاستفادة من الصيام في تهذيب النفوس، ونشر الخير والفضيلة ومحاربة الشر والرذيلة، بشكل أفضل.

4- أن تقوم مؤسسات التوجيه سواء أكانت إعلامية أو تعليمية أو تربوية أو ترويحية بدورها التوجيهي المنطلق من ديننا والمدرك لطبيعة التحديات التي تمر بها أمتنا عن طريق نشر الجدية، والاستمساك بالدين بقوة في سائر حياة الأمة عموماً، والشباب منهم على وجه الخصوص.

5- أن يعيد الدعاة أفراداً ومؤسسات تقويم برامجهم الدعوية سواء من حيث الكم أو الكيف حتى تساعد بشكل أفضل على معالجة هذا التباين، وتعمل على إزالة وتصحيح آثاره حتى تتحقق تقوانا ويقوى إيماننا بإذن الله - تعالى -. والله نسأل أن يجعلنا من المقبولين.

 

(1) صفوة الآثار والمفاهيم 3/82.

(2) مفاتيح الغيب 5/70.

(3) تفسير المنار 2/45.

(4) مسلم 2/807، ح/1151.

(5) زاد المعاد 2/29.

(6) أحمد 2/402 وحسنه الألباني انظر صحيح الجامع، ح/3880.

(7) أحمد 2/173 وصححه الألباني في صحيح الجامع، ح/3228.

(8) مسلم 2/1018، ح/1400.

(9) مسلم 2/1712، ح/2175.

(10) لطائف المعارف ص 290.

(11) مسلم 1/523، ح/759.

(12) الحاكم 1/483 وصححه الألباني في الإرواء ح 1587.

(13) أحمد 2/174 وصححه الألباني في الإرواء ح/6415.

(14) أحمد وصححه الألباني في الإرواء ح/3882.

(15) مسلم 4/1803، ح/2308.

(16) مسلم 2/830، ح/ 1171.

(17) صحيح الجامع، ح/ 3030.

(18) انظر مسلم ك2/875، ح/1079.

(19) مسلم 2/832، ح/1174.

(20) مسلم 2/832، ح/1175.

(21) أحمد 2/373، وانظر صحيح الجامع، ح/3488.

(22) الحاكم 1/420، صحيح الجامع، ح/5376.

(23) البخاري مع الفتح 4/116، ح/1903.