حتى يميز الخبيث من الطيب

مدحت القصراوي

البعض يخدع الناس فيظهر الله حقيقته.. والبعض يخدع نفسه حتى أنه لا يعلم ما في قلبه، فتُظهر له الأحداث حقيقة قلبه وباطن حاله.

  • التصنيفات: تزكية النفس - الطريق إلى الله -

وقد قضى الله تعالى قضاء، هو مقتضى حكمته، وأخبر تعالى أن حكمته تأبى أن يكون غير ذلك.. 
{مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران من الآية:179].

فما كان في حكمة الله تعالى أن يترك المؤمنين على ما هم عليه دون أن تظهر مكنونات القلوب وخبايا النفوس، ما كان الله ليترك المؤمنين مختلطي الحال.. ولكنه تعالى قضى في حكمته أن يقدر من الأحداث والفتن والشدائد، وعرض الشهوات وعرض المخاوف وعرض الشبه على القلوب، ليختار الناس الاختيارات التابعة لما في قلوبهم.. فتفتضح النفوس الصدئة والهابطة والمتآمرة، ولتظهر آثار المعصية وما اكتسبت النفوس، أو يظهر بريق صدق نفوس وعمق إيمانها وارتفاع همتها..

ولم يكن في حكمة الله أن يخبر الناس بحقائق القلوب وما تُكنه الصدور دون أن يعملوا بمقتضاها. إن الله يعلم الغيب. لكن الله تعالى يظهر ما في الغيب بما يُجريه من أقدار..

إن الباطن يستلزم الظاهر، والظاهر لازم لما في الباطن، والجوارح أدوات للقلب يعمل بها ويُظهر ما فيه..
دع عنك الادعاء حينا؛ ففي الأحداث مِرآة وعنوان، والقلب بيت القصيد، ولا يُخطأ العمل في الدلالة فقد حكم الله بانتفاء الإيمان من قلوب أقوام بسبب عمل عملوه: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ} [المائدة من الآية:81]..

إننا نكره الفتن ونسأل الله تعالى وقاية شرها..
لكن لله تعالى حكمته أن يقدر منها ما يشاء ليُظهر ما يشاء، ولتسقط هامات، وترتفع أخرى، ويتوب تائب ويعود من يقف على مرضه إذا آلمه الخطأ وأوجعته المعصية..

البعض يخدع الناس فيظهر الله حقيقته.. والبعض يخدع نفسه حتى أنه لا يعلم ما في قلبه، فتُظهر له الأحداث حقيقة قلبه وباطن حاله، ليكف عن الادعاء وليقف على حقيقة مرضه فيتوب من معصيته ويعرف خطر خبيئته، ويُصلح ما في نفسه، وليستعد للقاء الله..

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام.