ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله

مدحت القصراوي

فهو البيع لله بإعطاء الحياة له سبحانه، وذلك بالخروج من حظوظ النفس ومنازعاتها وشهواتها وأهوائها للاستقامة على منهج رب العالمين تعالى.

  • التصنيفات: تزكية النفس - الطريق إلى الله -

إذا قرأت قول ربك تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة من الآية:207] فاعلم أن معنى {يَشْرِي} يبيع؛ فيشري عكس يشتري.. 
والمعنى أن من الناس من يبيع نفسه لله تعالى ابتغاء مرضاته.

هذا، وفي المقابل فقد اشترى الله تعالى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة..
في سورة التوبة: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة من الآية:111]، هذا في شأن الموت في سبيل الله بالشهادة، وأما في البقرة {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة من الآية:207] فهو البيع لله بإعطاء الحياة له سبحانه، وذلك بالخروج من حظوظ النفس ومنازعاتها وشهواتها وأهوائها للاستقامة على منهج رب العالمين تعالى.. وهذا هو المنشود للنفس المؤمنة.

واعلم أخي أنه كما أن هناك من يبيع نفسه لله ويشتري دينه، يشتري دينه بماله ونفسه ومخاوفه ومطامعه ورغائبه.
فهناك من يبيع دينه مقابل شهواته ورغائبه، ومخاوفه وهواجسه، وأهوائه الدفينة التي تظهر تباعا.. 
حتى وجدنا من يبيع دينه بدجاجة! ومن يبيع دينه بعود بخور! ومن يبيع دينه وعلمه ومواعظه على مسرح غنائي يقدم لمطرب ويعلن له أن الله يحبه لأن جمهوره الذي يرقص على أنغامه يحبه..! فأعلن في الجمهور الحاضر أن الله يحبه، وجبريل يحبه، والملائكة تحبه.. وهكذا في جرأة على الله وعلى غيبه تعالى.

لا حدود للتدني فقد يدلل بعضهم ببضاعته ليشتروا منه دينه ويأكل به شيئا..! فوصل الى المبادلة بدجاجة، وعود بخور، ومقدم أغاني.. فعندما تسمع الى قول ربك يقول: {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس:10] فإذا حقر الله عبدا لمعصيته فالحقارة تصل الى ما يذهلك وما لا تتوقع؛ وستراها بعينك وتلمسها بيدك .. وقد خاب صاحبها.

أما من باع لله نفسه واشترى دينه وفداه بما يملك من نفس ومال وجاه وعرض وسلامة، فهذا قد سلك الى العلا طريقا يخترق الحُجُب ويرتقي للمعالي، قد آتى الله نفسَه تقواها وزكاها وهو خير من زكاها..

فاشتر دينك، طول عمرك، لا تبعه.. واجعل ربك وكيلا، كن به واثقا والجأ اليه.. واصبر على حكمه، واصبر حتى يحكم؛ فنحن جميعا في انتظار حُكمه تعالى.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام.