ما أحسن الوسائل للاستفادة من رمضان؟
ناصر بن سليمان العمر
أن تلجأ إلى الله وتتضرع إليه أن ييسر لك العبودية المخلصة في رمضان، وهذا أساس لكل مؤمن يستعد لرمضان والاجتهاد فيه.
- التصنيفات: ملفات شهر رمضان - الطريق إلى الله -
السؤال:
ما هو توجيهكم لنا بشأن أحسن الوسائل للاستفادة القصوى من رمضان؟ أنا أُصاب بإحباط لما أقارن حالي في رمضان بحال السلف..
الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فإن أمامك أيها السائل الكريم فرصة عظيمة، وأياماً كريمة، قد خاب وخسر من غفل عنها أو تهاون فيها.
قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (صحيح البخاري [2009])، فتلك غنيمة، وقال: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (صحيح البخاري [2014])، وتلك غنيمة، وقال: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (صحيح البخاري [1901])، وتلك غنيمة! وكلها في الصحيحين.
ودعني ألخص لك الأمر في عدة أمور:
أولاً: الاستعداد النفسي لاستقبال رمضان، فقد كان السلف يجلسون ستة أشهر يسألون الله جل وعلا أن يبلغهم رمضان وأن يوفقهم إلى صيامه وقيامه وإدراك ليلة القدر، فإذا صاموا وقاموا، جلسوا خمسة أشهر أو ستة أشهر أيضاً يسألون الله أن يتقبل منهم رمضان.
فنفوسهم كانت تتوق إليه؛ لأنهم عرفوا فضله، وهذا هو الاستعداد النفسي له، أن تتوق إليه وترجو أن تبلغه، وتعرف فضله، وتدرك قدر منفعته لك في الدنيا والآخرة، وتعزم على الاجتهاد فيه، وتصلح قلبك استعداداً له.
كذا فمن الاستعداد ما يتعلق بالقلب واللسان، فيشمل المعالجة للنية والإصلاح، والتمرين على القول الطيب، وكظم الغيظ، والعفو عن الإساءة، ففي الصحيح: «مَن لَم يدَع قَولَ الزُّورِ والعمَلَ بِه والجَهلَ، فليسَ للَّهِ حاجَةٌ أن يدَعَ طعامَه وشرابَهُ» (صحيح البخاري [6057]).
ثانياً: قولك "إذا قارنت حالي بحال السلف أُصاب بإحباط"، أقول لك: الاقتداء بالسلف منهج صحيح، لكن بهذا القول فإن حالك قد انعكست، وبدلاً من أن يكون هذا مشجعاً وقدوة لك، أصبح بالنسبة لك مثبطاً، وهذا مدخل من مداخل الشيطان، أن تصاب بالإحباط واليأس لَمّا ترى ذنبك وحالك وتعرف أحوال الصالحين ممن سبق، لكن لتعلم أن الله سبحانه هو الغفور الرحيم، وأن رحمته تعم المؤمنين في أي زمان ومكان وحال وشأن، لكنهم يتفاوتون في درجاتهم بقدر صدقهم وإخلاصهم وجهدهم وبذلهم وغير ذلك، فلينتبه المؤمن لمداخل الشيطان.
ثالثا: بعض الناس يسعى أن يضع برنامجاً وقتياً دقيقاً في رمضان، فيصيبه الهم والحزن والإحباط عند الإخلال به، ولا شك أن الحرص على الأعمال شيء مهم، لكن رمضان لا يتحمل برنامجاً دقيقاً، ففيه الصيام والصلاة والقيام وغيرها، فقط تحتاج ترتيب أولوياتك وتنظيم أوقاتك واستدراك ما فاتك أولا بأول، مع مراعاة الوسطية والاعتدال وظروف رمضان.
رابعا: من أهم أولوياتك في رمضان بعد أداء الفرائض أن تركز على قراءة وتدبر القرآن، وأن يكون شغلك وصحبتك وأنسك، فـ{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة من الآية:185]..
وقد كان بعض السلف كالإمام مالك -وهو صاحب الموطأ-، يتفرغ للقرآن ويترك حتى التحديث بحديث النبي صلى الله عليه وسلم.
خامسا: يمكنك أن تختار صحبة صالحة تقية، تعينك وتساعدك على الصلاة وعلى الصيام وعلى الطاعات، لكن مع الحذر من أن تكون الصحبة سبباً في تضييع الأوقات عبر المساجلات والحوارات والمناقشات مما يورث الغفلة عن الأوقات في رمضان، كما يفعل البعض، فالصحبة الصالحة في رمضان هي الصحبة التي تدفعك للاستفادة بكل دقيقة فيه وتساعدك على ذلك وتعاونك فيه على البر والتقوى.
سادسا: مما أنصحك به الاجتهاد قبيل رمضان في معرفة أحكام الصوم، وفقه تلك الأيام الفاضلات، لتؤدي عبادتك على بصيرة وعلم.
سابعا: لتعلم أن هناك أساسا ينبني عليه حال الصائم الصالح وهو ترك الحرام بكل أشكاله، ومراجعة ما اعتاده مما فيه حرمة أو شبهة، فيتوب منه ويبتعد عنه، فليس الصيام هو الإمساك عن الطعام والشراب والشهوات المباحة فقط، ولكن الإمساك عما حرّم الله عموماً، قال صلى الله عليه وسلم: «مَن لَم يدَع قَولَ الزُّورِ والعمَلَ بِه والجَهلَ، فليسَ للَّهِ حاجَةٌ أن يدَعَ طعامَه وشرابَهُ» (صحيح البخاري [6057])، وهل فُرض رمضان إلاّ لأجل التقوى!
ثامنا: من المهم أن تدرك أن الشيطان (1) يريد أن يظفر منك بمعصية أو بالإخلال في صيامك أو قيامك أو غير ذلك، فإذا جاهدته وراغمته (ومراغمة الشيطان كما قال ابن القيم من أحب الأمور إلى الله جل وعلا، أن تَشعُر أنك أمام عدو يريد إفساد الصيام عليك) فلا يهزمك.
قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]، فلنكن من هؤلاء المحسنين.
تاسعا: أن تلجأ إلى الله وتتضرع إليه أن ييسر لك العبودية المخلصة في رمضان، وهذا أساس لكل مؤمن يستعد لرمضان والاجتهاد فيه، فالاستعانة بالله على مرضاته من أفضل الأعمال، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "تأملت أنفع الدعاء: فإذا هو سؤال العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في إياك نعبد وإياك نستعين".
وأخيرا: هناك رسالة للدكتور عمر المقبل بعنوان ثمان خطوات لاستقبال رمضان أنصح بمراجعتها ففيها فوائد كثيرة.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) قد يقول قائل: إن بعض الناس يزيد شرهم في رمضان رغم أنه ورد في الحديث أنها تُصَفّد؟
فهناك نقطتان -كما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله-:
أولاً: إن الحديث المطلق يحمل على المقيد وإن مردة الشياطين هم الذين يصفدون.
والثاني: أن هناك بعض الشياطين لا يصفدون، فليس كل شيطان يصفد إنما الحكم للأغلب، لكن عموما انظر إلى الواقع تجد أغلب الناس حتى العصاة تختلف حياتهم في رمضان ويُقبلون على الله، ووجود حالات شاذة من أشخاص معدودين لا يخالف الحديث.