كيف يكونُ نومُك عبادةً؟
أبو حاتم سعيد القاضي
هل رأيتَ موظفًا في هذه الدنيا يأخذُ أجرًا على ساعاتِ نومِه؟ والله لم يحدث هذا في تاريخِ البشرية فيما نعلم، لكنَّ الله عز وجل يعطي عبادَه أجرًا حتى وهم نائمون، وهم يأكلون، وهم يلعبون؟
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
قال الله تعالى: { {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} } [الأنعام : 162].
فكلُّ حياة المسلم عبادةٌ لله ربِّ العالمين، وما ذلك إلا بحُسْنِ نيَّتِه؛ ﻷنَّ وقتَه إمَّا عبادةٌ محضَةٌ؛ كصلاةٍ، وقراءةِ قرآن، أو وقتٍ يستعِينُ به على عبادةٍ؛ كأن ينامَ أو يأكلَ ليقوَى بذلك على عبادةِ ربِّه. كان بعضُ الأئمة يقول: إني أُحِبُّ أن يكونَ لي نيَّةُ في كلِّ شيءٍ، حتى في نومِي وأكلِي وشربِي.
هل خطرَ لك يومًا أنَّ ساعاتِ نومِك قد تكونُ عبادةً من أفضلِ العباداتِ؟
هل رأيتَ موظفًا في هذه الدنيا يأخذُ أجرًا على ساعاتِ نومِه؟ والله لم يحدث هذا في تاريخِ البشرية فيما نعلم، لكنَّ الله عز وجل يعطي عبادَه أجرًا حتى وهم نائمون، وهم يأكلون، وهم يلعبون؟
هل جاء بخاطرِك يومًا أنك تأخُذُ أجرًا على ساعاتِ الأكلِ؟
إنك نائمٌ ومع ذلك يكتُبُ الله لك أجرًا وثوابًا!
تلعَبُ وتمرَحُ وربُّك يمنحُك أجرًا لعلَّه لا يقل عن أجرِ صلاتِك وصيامِك!
كيف ذلك؟!
عن أبي بردة رحمه الله قال: بعثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذَ بن جبل إلى اليمن، قال: وبعثَ كلَّ واحدٍ منهما على مِخْلافٍ، قال: واليمنُ مِخْلافان، ثم قال: « «يسِّرا ولا تُعسِّرا، وبشِّرا ولا تُنَفِّرا» ».
فانطلقَ كلُّ واحدٍ منهما إلى عملِه، وكان كلُّ واحدٍ منهما إذا سارَ في أرضِه كان قريبًا من صاحبِه أحدَث به عهدًا، فسلَّم عليه، فسارَ معاذٌ في أرضِه قريبًا من صاحبِه أبي موسى، فجاءَ يسيرُ على بغلتِه حتى انتهَى إليه، وإذا هو جالسٌ، وقد اجتمعَ إليه الناسُ، وإذا رجلٌ عندَه قد جُمعَت يداه إلى عنُقِه.
فقال له معاذٌ: يا عبدَ الله بن قَيسٍ! أيُّمَ هذا؟ قال: هذا رجلٌ كفرَ بعد إسلامِه. قال: لا أنزِلُ حتى يُقتَلَ. قال: إنما جِيءَ به لذلك فانزلْ. قال: ما أنزِلُ حتى يُقتَلَ ، فأمرَ به فقُتِلَ.
ثم نزل فقالَ: يا عبد الله! كيف تقرأُ القرآنَ؟ قال: أتفوَّقُه تفوُّقًا. وفي رواية: قائمًا وقاعدًا، وعلى راحلتِي، وأتفوَّقُه تفوُّقًا. قال: فكيف تقرأُ أنت يا معاذُ؟ قال: أنامُ أوَّلَ الليلِ، فأقومُ وقد قضَيْتُ جُزئِي من النومِ، فأقرأُ ما كتبَ الله لي، فأحتسِبُ نومتِي كما أحتسِبُ قومتِي ([1]).
إنَّ معاذً رضي الله عنه كان يحتَسِبُ السَّاعاتِ التي ينامُها في حسناتِه كما يحتَسِبُ السَّاعاتِ التي يقومُ فيها بين يدي الله في ظُلمَةِ الليلِ.
إنَّ ساعاتِ النومِ قد تكونُ حسناتٍ، وقد تكون سيئاتٍ؛ فالذي ينام على طاعةٍ، قد نوى أنْ يقومَ لصلاةِ الفجر، هذا نومه عبادةٌ لله تعالى ولا ريب. وأما الذي نام على معصيَّة الله تعالى، ولم ينو القيام لصلاة الفجر، بل نوى أن يقوم بعد طلوعِ الشمس ليذهبَ للعمل، فهذا نومُه معصيَةٌ لله عزَّ وجلَّ.
([1]) أخرجه البخاري (4341، 4344)، ومسلم (1733) مختصرا. "مِخْلافٍ": إقليم. "أحدَث به عهدًا": جدَّد العهد بزيارته. "أيُّمَ هذا": أي شيء هذا. "أتفوَّقُه تفوُّقًا": ألازم قراءته ليلا ونهارا شيئا بعد شيء ولا أقرأ وردي دفعة واحدة، مأخوذ من فُوَاقِ الناقة وهو أن تُحلَب ثم تُترَك ساعة حتى يجتمع لبنها ثم تُحلَب وهكذا.