منظومة النجاح في الإسلام:المقال الثاني

ملفات متنوعة

روِّض نفسَك على الحِلْم والصبر والعفو، وطهِّر قلبك من أن يصرَّ على حِقد أو كراهيّة للمجتمع، فمن طهّر قلبُه وسلم من الغلّ والحِقد عاش بخيرٍ وفي سعادة وطمأنينة.

  • التصنيفات: دعوة المسلمين -


بسم الله الرحمن الرحيم


العبادات في الإسلام لها أهداف وحكم ،ومن أهدافها إصلاح الجانب الاجتماعي للفرد، وتصحيح علاقة الفرد مع الآخرين، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتوحد صف المجتمع، والصيام فيه قول النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم : « «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» » [رواه البخاري (4/16)]، والحج علاج كافٍ لإزالة الفوارق والعصبيات والعنصريات.
والعبادة ليس لها فائدة مع سوء الخلق، فقد قال رجل
« يا رسول الله إن فلانة تكثِر من صلاتها وصيامِها وصدقتها غيرَ أنها تؤذِي جيرانها بلِسانها، قال: «هي في النار» ، قال: يا رسول الله، إنّ فلانة تذكُر من قِلّةِ صلاتها وصِيامها وإنها تتصدّق ولا تؤذي جيرانها، قال: «هي في الجنة» » [مسند أحمد (2/440)، صحيح ابن حبان (5764)، والبخاري في الأدب المفرد (119)].
قال يحيي بن معاذ رحمه الله : «سوءُ الخلُق سيّئةٌ لا تنفَع معها كثرةُ الحسنات، وحُسن الخلق حَسنةٌ لا تضرّ معها كثرةُ السيّئات» [الإحياء (3/ 57)] .

المحور الثاني لمنظومة النجاح في الإسلام: النجاح مع الناس، والذي يتضمن النجاح مع أربع جهات :

أولاً :مع الوالدين: فرضا الله من رضا الوالدين، وسخط الله من سخط الوالدين.
وما نوصي به في هذا الجانب :
- لا تنس الدعاء لهما في حال الحياة وبعد الممات اعترافاً بالتقصير، وأملاً فيما عند الله وردد بين الفينة والأخرى : {
{رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا } } [الإسراء:24].
- تأدَّب في الخِطاب معهما ، ونفّذ ما يريدان بدون تأفف أو كسل.
- رعايتهما ولاسيما عند الكبر وملاطفتهما وإدخال السرور عليهما.
- الإنفاق عليهما عند الحاجة قال تعالى: {
{قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ} } [البقرة: 215].
- اختصاص الأم بمزيد البر لحاجتها وعظم شأنها وتعبها في الولادة والحمل والرضاعة.
- من بَر والديه بره أولاده، ومن عق والديه عقه أولاده، والجزاء من جنس العمل فكما تدين تدان.
- احذر تفضيل الزوجة عليهما و لو كنت مازحا.
ثانياً: مع الأهل : أهلك المقصود بهم زوجتك وأولادك أنت راعٍ لهم ومسؤول عنهم، وما نوصي به في هذا الأمر:
- تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : «
«كفى بالمرء إثما أن يُضيّع من يعول» » [ رواه أبو داود والنسائي بلفظ " من يقوت " وهو عند مسلم بلفظ آخر].
- الدنيا قصيرة فلا تنس أولادك وزوجتك من حنانك وابتسامتك ورعايتك .
- تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : «
«خير كم خيركم لأهله» » [أخرجه ابن ماجة (1977)، والترمذي (5/ 369)].
- إياك والنقد والعتاب المستمر على كل صغيرة وكبيرة .
- اعط القدوة من نفسك لأهلك ودع أفعالك تتحدث، وتنبئ عن شخصيتك.
- أولادك مرآةٌ يعكسون أخلاقك وأعمالك، إن رأوك معظِّمًا لأبيك وأمك؛ فإنهم سيعاملونك كذلك.
- لا تشغلك الحياة والانشغال بها عن الاستمتاع بحياتك مع أهلك وأولادك .
- تذكر أن التهديد بالطلاق نقصٌ في الرجولة، وضعفٌ في التدين.
- تهديد الزوجة بالزواج بالثانية سلاحٌ ضعيف، ومدمر للحياة الزوجية ولو كنت مازحا، فإذا عزمت فتوكل على الله.
ثالثاً: مع الجيران: الجار له في الإسلام منزلة عظيمة، فالإحسان إلى الجار من أفضل الأعمال والقربات، كيف لا وهو سبب من أسباب نيل محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. وفي حق الجار:
- عليك أن تبدأه بالسلام وتعوده في مرضه وتعزيه في مصيبته،وتهنئه في أفراحه وتصفح عن زلاته، وأن لا تتطلع من السطح على عوراته، وأن لا تصب الماء أو تضع القاذورات أمام داره، وأن تستر ما ينكشف له من عيوبه وأخطائه، وأن لا تغفل عن ملاحظة داره حال سفره وغيابه.
- عليك بغض البصر عن حريمه، والتلطف مع أولاده في الكلام، مع إرشادهم إلى أمور دينهم، وأمرهم بالمعروف بمعروف ونهيهم عن المنكر بمعروف.
رابعاً: عامة الناس: علاقتك بالناس وحُسن معاملتك لهم تحجز بها مقعد بجوار النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
«إن من أحبِّكم إليَّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا» » [أخرجه الترمذي في الأدب (2018)، وأخرجه أحمد (2/185)، والبخاري في الأدب المفرد (272)، والبيهقي في الشعب (7986)، وصححه ابن حبان (485ـ ـ)]
- روِّض نفسَك على الحِلْم والصبر والعفو، وطهِّر قلبك من أن يصرَّ على حِقد أو كراهيّة للمجتمع، فمن طهّر قلبُه وسلم من الغلّ والحِقد عاش بخيرٍ وفي سعادة وطمأنينة.
- جِماع حُسن الخلق مع الناس أن تصل من قطعك بالسلام والإكرام، والدعاء له والاستغفار، والثناء عليه والزيارة له، وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال، وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عرض .
- حُسن الخلق مع الناس يعني احتمال الأذى، وقلة الغضب، وبسط الوجه، وطيب الكلام.
- حُسن الخلق وحُسن المعاملة تساوي درجة الصائم القائم ،فقد خرّج الإمام أحمد وأبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي قال: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم» [ أخرجه أبو داود (4798) وابن حبّان (1927) والحاكم (1/ 60) -وصحّحه على شرطهما].
أخي القارئ: اذا أردت أن تقيس نسبة علاقتك مع الناس فضع لكل عنصر من العناصر الأربعة درجة عُليا ولتكن "100"، كم تُعطي نفسك درجة في كل عنصر، ولتكن الإجابة بصدق واخلاص وشفافية، ثم انظر إلى مواطن الضعف عندك، وحاول ترميم النقص، واعمل هذا التمرين بين كل فترة وأُخرى.
وبهذا يكون الفرد قد نجح في جانب مهم من جوانب النجاح في الإسلام وهو الجانب الاجتماعي، ويتضح جلياً أن الإسلام ليس دين عبادات وشعائر فقط بل هو دين معاملات ومشاعر، ويبقى الركن الثالث من منظومة النجاح في الإسلام وهو النجاح مع النفس وهذا ما سنذكره في المقال الثالث من هذه المنظومة ، وبالله التوفيق والعون.

محبكم : د.أمير بن محمد المدري
[email protected]
واتساب 00967711423239
12 /10/1439هـ