دراسة لطبيعة العلاقة بين الغرب والكيان الصهيوني
محمد نصر
آرييل شارون أحد أسوأ رجال الكيان الصهيوني سمعة يمتلك مزرعة للتوت
الشامي على مساحة ألفي فدان، تلك المزرعة مقامة على أنقاض قرية
فلسطينية في مشهد يجسد حجم الظلم الرهيب، حيث يشرد أهل فلسطين في
أنحاء العالم ...
- التصنيفات: اليهودية والنصرانية -
حقيقة كنت قد كتبت هذه الكلمات منذ مدة محاولا فهم أصول وطبيعة
العلاقة بين الغرب والكيان الصهيوني، ورأيت في مراجعتها وإعادة نشرها
بعض المنفعة خاصة وأننا مقبلون على انتفاضة ثالثة قد لا تغير وجه
المنطقة فقط، بل والعالم أجم ولست أدعي أنها كافية شافية ولكنها قد
تنير بعض الطريق، فما كان فيها من صواب فمن الله وحده وما كان فيها من
خطأ فمن النفس ومن الشيطان.
شارون ومزرعة التوت الشامي
آرييل شارون أحد أسوأ رجال الكيان الصهيوني سمعة يمتلك مزرعة للتوت
الشامي على مساحة ألفي فدان، تلك المزرعة مقامة على أنقاض قرية
فلسطينية في مشهد يجسد حجم الظلم الرهيب، حيث يشرد أهل فلسطين في
أنحاء العالم ويتعرضون لأبشع عمليات الاضطهاد والقمع والقتل من أجل أن
يمتلك شارون وأمثاله مزارع شاسعة يتنافسون بها في حياتهم الدنيا،
شارون ذلك الوحش الآدمي الذي أشرف على تنفيذ مذبحة صبرا و شاتلا حيث
تم قتل ما يزيد على ألف رجل وامرأة وطفل في اجتياح لبنان 1982، ما
الذي يجعل رجلا مثل هذا بطلا في نظر الأغلب الأعم من الغرب؟، و ما
السر في أن تحصل دولة الكيان الصهيوني على ذلك الدعم الرهيب من دول
الغرب؟؟
إن هذا أمر يحتاج لمزيد بيان، فلنبدأ أولا بدراسة أسباب الارتباط بين
العدو الصهيوني والغرب:
أولا أسباب عقائدية:
- قديما كانت الكنيسة الكاثوليكية تضطهد المسلمين واليهود على حد
سواء و كمثال على ذلك عانى اليهود من الاضطهاد الشديد بعد سقوط
الأندلس في أيدي الكاثوليك.
- هنا لا يفوتنا أن نذكر في هذا الجانب أنه بعد سقوط الأندلس حدثت
أبشع عملية اضطهاد ديني في التاريخ ضد مسلمي الأندلس، حيث كانت محاكم
التفتيش تقتل وتحرق من تشك حتى في إقامته بعض الشعائر الإسلامية
كالغسل يوم الجمعة، وعدم تناول الكحوليات أو لحم الخنزير أو غير
ذلك.
- ولا ننسى هنا أن نوضح أن اليهود لم ينعموا بحسن تعامل أبدًا مثلما
حصلوا عليه في ديار الإسلام، فهم كانوا يتنعمون برحمة الإسلام في
الأندلس ثم تعرضوا للاضطهاد الشديد بعد سقوطها في أيدي الكاثوليك، ثم
فرُّوا منها إلى بلاد المغرب العربي لينعموا مرة أخرى برحمة
الإسلام.
- تبنت الحركة الكنسية البروتسانتية (نشأت في القرن السادس عشر
الميلادي) أفكارا ثورية مناهضة للكنيسة الكاثوليكية، ومن ضمن تلك
الأفكار تعظيم اليهود على عكس الكنيسة الكاثوليكية القديمة التي كانت
تعاديهم بشدة.
- وهنا نتذكر مقولة لابن جوريون رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق
عندما ضغط كنيدي الرئيس الكاثوليكي الوحيد للولايات المتحدة عليه بعض
الشيء، قال بن جوريون حينها: «كاثوليكي في البيت الأبيض يعني خبرًا
سيئًًا لإسرائيل»، قال بن جوريون هذا رغم أن كنيدي كان يؤيد المشروع
الصهيوني ولكن حصل بعض اختلاف وجهات النظر حول أحد مشاريع الكيان
الصهيوني، إن اليهود ببساطة لا يقبلون من أحد إلا أن يكون عبدًا
مطيعًا لهم، هذه الصورة يجب أن تكون واضحة تمامًا، لا يوجد شيئًا اسمه
شرق أوسط كبير، يوجد مشروع إسرائيل الكبرى التي تجعل بقية الدول
عبيدًا لديها تنفذ أجندتها بدقة.
- ازداد هذا الولاء البروتسانتي جدا في العقود الأخيرة خاصة بعد نمو
التيار اليميني المتشدد في أوساط نصارى أمريكا (أغلبهم من
البروتستانت)، ينتمي إلى هذا التيار المتشدد الرئيس الأسبق جورج بوش،
ويريد هذا التيار أن يتعاون مع اليهود لإقامة دولة لهم في فلسطين
لأنها جزء من معتقداتهم.
- تغير موقف الكاثوليك تدريجيًّا من عداء اليهود بعد أن أصبح الغرب
أكثر علمانية في العصر الحديث، وإن بقيت في الأنفس أشياء ليس للبعد
الديني فيها أي دخل، بل لها خلفية اقتصادية و اجتماعية نتيجة لما
يتبين للشعوب بعد التعامل معهم فهم أساتذة المؤامرات والدسائس وامتصاص
الأموال وإشعال الحروب، قال الله تعالى مخبرًا عن اليهود: {
كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ
أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ
لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}
[المائدة:64].
- لذلك بقي ولاء البروتستانت لليهود أكبر و أشد لأنه على أسس دينية،
نعم، نحن ندرك أن الكاثوليك والبروتستانت سوف يظلون يدعمون اليهود على
حساب المسلمين لأن موقف الكنائس كلها تجاه المسلمين معروف ومتشابه،
لكن أردنا أن نوضح الخلفية العقائدية للأمر حتى ندرك أسس التحالفات
القائمة من أجل التعامل معها.
- إذا فهمت هذه النقطة ستدرك لِمَ لا يصدق الإسبان مثلا مزايدات
اليهود عن الهولوكوست ببساطة لأن إسبانيا من الكاثوليك، يمكننا
الاستفادة من هذه البلدان كمحطة بث لكشف تزوير اليهود لباقي الشعوب
الأوروبية.
ثانيا أسباب وجدانية:
- بث اليهود في أنفس العالم الغربي أجمع أنهم كانوا دومًا ضحايا
وتعرضوا لجميع وسائل الظلم و الاستبداد بدون أن يلتفت إليهم أحد، وقد
كان لذلك خلفية دينية كاثوليكية كما وَضَّحنا.
- و كعادة اليهود قاموا بالتضخيم الإعلامي الرهيب لكل حادثة وقعت
عليهم، بل وقاموا باختلاق بعض الحوادث، ثم ختموا ذلك بالنفخ في قصة
المحرقة "الهولوكوست" التي أقامها النازي ضدهم، وحقيقة الهولوكوست هذه
قد فندها أو قلل من حجمها كثيرًا جدًّا من الباحثين وبإثباتات قوية
كما سبق أن وضحنا ذلك في مقال "وجاءوا أباهم عشاءا يبكون" (مثلا إحدى
أشهر المذكرات التي نشروها عن الهولوكوست في العالم كله أصلها مكتوب
بالحبر الجاف و قلم الحبر الجاف تم اختراعه بعد الحادثة المدعاة بعشر
سنوات)، إلا أنها كانت الوتر الرئيسي الذي لعب عليه اليهود لكسب
التأييد الشعبي لدولتهم، بل وحتى إقناع اليهود أنفسهم بالحاجة لإقامة
دولة خاصة بهم.
- إنهم ببساطة جعلوا العالم الغربي كله يشعر بعقدة الذنب وأنه يجب أن
يكفر عنها بالدعم المطلق للكيان الصهيوني.
ثالثا مصالح مشتركة:
- يجب علينا أن نعلم أن إضعاف المسلمين وتمزيق وحدتهم هو أحد أهم
الأوراق على أجندة القوى الاستعمارية، حتى لا يعود المسلمون إلى دائرة
الأحداث من جديد، فإذا استيقظ المسلمون فمن الممكن أن تتغير الأوضاع
تمامًا في غضون أعوام قليلة.
- بدأ التفكير في توطين اليهود في فلسطين لتمزيق الأمة الإسلامية
قديمًا جدًّا، فعندما فشل نابليون بونابرت في غزو عكا، أطلق بونابرت
نداءه ليهود العالم أجمع للاستيطان في أرض فلسطين.
- و لكن بدأ التنفيذ الفعلي لهذه الفكرة وتحويلها لمخطط في بدايات
القرن العشرين، حيث شكلت لجنة كمبل 1905 لبحث توطيد المصالح
الاستعمارية البريطانية وأصدرت تقريرًا جاء فيه بخصوص منطقتنا العربية
التي هي قلب العالم الإسلامي: «ضرورة العمل على فصل الجزء الإفريقي في
هذه المنطقة عن الجزء الآسيوي، وتقترح اللجنة لذلك إقامة حاجز بشري
قوي وغريب يحتل الجسر البرِّي الذي يربط آسيا بإفريقيا بحيث يشكّل في
هذه المنطقة، وعلى مقربة من قناة السويس قوَّة صديقة للاستعمار،
وعدوَّة لسكَّان المنطقة».
- واستمر على هذا النهج كل رجال السياسة في الغرب فأنت دائمًا تسمع
كلمات واضحة أن أمن أمريكا مرتبط ارتباطًا وثيقًا بأمن الكيان
الصهيوني، وتصريحات أخرى أقرب إلى هذا.
- يقول د. عبد الوهاب المسيري ما معناه: «أن السبب الرئيسي لدعم
الكيان الصهيوني، هي ببساطة لأنه استثمار رخيص الثمن للحصول على
أهدافهم الاستعمارية، فلو قارنت ذلك بما خسرته أمريكا في العراق لفهمت
أهمية الكيان الصهيوني بالنسبة للغرب.
وهنا نتوقف قليلا لنجيب عن تساؤل للبعض: هل معنى كلامك هذا أن القوى
الاستعمارية ستظل تساند الكيان الصهيوني ليكون شوكة في حلق الأمة
الإسلامية؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن إضعاف تلك الرابطة وهي
بالمتانة التي ذكرت؟
أقول مستعينًا بالله إن معرفة الحقائق على مرارتها أفضل من الجري خلف
السراب، بمعنى أن علينا أن ندرك أن القوى الاستعمارية ستبذل أقصى ما
عندها لحماية الكيان الصهيوني، فيجب أن يكون واضحًا تمامًا أن القدس
لن تعود إلا على أسنة الرماح وأنها يجب أن يبذل فيها الغالي والنفيس
فالأمر يستحق، وعودة القدس وإن كانت مطلوبة في حد ذاتها، إلا أن لها
معنى أكبر وهو فك القيود التي وضعت على الأمة الإسلامية لتحلق بعدها
عاليا وتعود لدورها الطبيعي في ريادة العالم، فالموقف العام كدول
وكيانات سيظل داعمًا للكيان الصهيوني، وقد قال تعالى: {
وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى
يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا
} [البقرة:217].
ولكن يجب علينا أن ندرك أن الغرب ليس كيانًا واحدًا، فمكة في
جاهليتها وشدة حربها على الإسلام كان يوجد فيها أبو طالب عم النبي صلى
الله عليه وسلم الذي كان يحميه ويدافع عنه، وكان يوجد فيها المطعم بن
عدي الذي أجار الرسول صلى الله عليه وسلم عندما عاد من رحلة الطائف،
وأبو البختري بن هشام الذي كان له دور كبير في نقض صحيفة المقاطعة
الشهيرة، وقد كانوا كلهم مشركين، وقد شكر لهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم صنيعهم فهو من علم البشرية الوفاء، فقد جاء في الحديث عن جبير بن
مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أسرى بدر: «
لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بْنُ عُدَيْ حَيًّا
ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ
»، ومشهورة جدًّا قصة نهيه صلى
الله عليه وسلم لأصحابه يوم بدر قبل القتال عن قتل أبي البختري بن
هشام.
وفي زماننا الحديث وجدنا رجالا مثل جورج جالاوي، وبعض الذين قدموا
إلى مصر من بلاد الغرب لمحاولة فك الحصار عن غزة الحبيبة، كما أن
أسطول الحرية الشهير كان يضم أعضاء من أربعين دولة، وهو مجهود يجب أن
نشكره لكل من وقف معنا إقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا
يعني بصورة أو بأخرى أن هناك من يستمع إلينا في الجانب الآخر ولو
أمكننا أن نستعين بهم لمحاولة تخفيف الحصار على إخواننا أو الضغط على
حكوماتهم لتقليل الدعم للكيان الصهيوني فهذا شيء جيد.
إذن محصلة الإجابة أن الموقف العام للدول الاستعمارية سيظل داعمًا
للكيان الصهيوني، قد يزيد أو يقل الدعم بحثًا عن بعض المكاسب، ولكنه
بشكل عام مؤيد وبشدة لبقاء الكيان الصهيوني، ولكن قد يوجد بين
الجماهير من يضغط على الحكومات لتقليل الدعم للكيان الصهيوني، أو رفع
جزء من الظلم من باب التعاطف الإنساني، والحكومات في الغرب ترضخ أمام
ضغوط الرأي العام طالما أن هذا لم يصل لمرحلة تهديد أهدافها
الاستراتيجية، أي أنهم يمكن أن يقدموا عرضًا لرفع الحصار ودخول بعض
المساعدات الإنسانية، ولكنهم لن يرضوا أبدًا بدخول السلاح لأهلنا
ليدافعوا عن أنفسهم، وبالتأكيد نحن لا نرضى فقط بدخول المساعدات
الإنسانية وتركهم هكذا بدون قوة تدفع عنهم الظلم والاعتداء، ولكنَّنا
في هذا المقال ندرس طبيعة العلاقة بين الغرب والكيان الصهيوني، وحدود
ما يمكن أن نناله منهم حتى لا يغتر البعض ويندفع وراء أوهام، ونتعامل
مع بقية الملفات في مقالات أخرى.
أما عن بعض الأطروحات التي قد تفيد في ملف معركة الرأي العام في
أوروبا وأمريكا فهذا موضوع مقالنا القادم في هذه السلسلة بإذن الله
تعالى.
وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
محمد نصر
4 جمادى الثاني عام 1432 هـ
7 مايو 2011 م