قد تكون أنت أكبر مشكلة في حياتك!!!

هبة حلمي الجابري

قبل أن تحكم على نفسك وعلى من يحبك بالتعاسة لابد من وقفة مع النفس، راجع فيها أفعالك وأخلاقك وزنها بميزان الشرع، عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، وبما يرضي الله لا بما يرضي هواك، التمس الأعذار، ولا تحكم قبل أن تسمع من الطرفين.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية -

من أكثر العبارات سماعًا هذه الأيام: " ادعو لي فأنا في كربٍ شديد"، ولا يكاد يخلو فرد من مشكلةٍ أو شعورٍ بحزنٍ أو ظلمٍ أو قهرٍ.

إن بعض ما نواجهه من مشاكل هي بالفعل حقيقية، وقد لا يكون للإنسان دخل فيها، وإنما هي ابتلاء واختبار، أو عقوبةبسببالذنوب؛كظالم سُلِّط عليك، أو زوجٍفظٍ غليظ القلب، أو ابنٍ عاق، أو أخٍ متسلطٍ أو أبٍ قاسٍ أو زوجةٍ سيئة الخلق أو غيرها.

وإذا كنا لا نستطيع أن نغير الواقع، فإن بأيدينا أن نقرر كيف سنعيشه.

كثيرًا ما تكمن المشكلة الحقيقية في طريقة تفكيرنا، أونظرتنا للأمور بعدم إنصاف، أو اختيارنا أن نعيش دور الضحية.

نبكي ونحزن، ونعلن الصبر على البلاء،وأن نصر الله قريب ونعيش أملًا في حصول الفرج، ونظل في تعاسة، بل ونتعس كل من حولنا معنا، ولو نظرنا نظرة مُنصفٍ لوجدنا أن منبع الخطأ هو نحن، ومع ذلك نتهم كل من حاول تنبيهنا بأبشع الاتهامات.

نسمع ونرى من تبكي حرقة على حالها وابتلائها في زوجها، وكيف أنها تعيش في تعاسة وقهر، وأنها تنتظر الأجر والثواب من الله على صبرها - وهي تشعر بذلك فعلا ولا تتصنعه - فإذا نظرنا إلى طريقة تعاملها مع زوجها، وتسلطها عليه ورغبتها في إلغاء شخصيته لتكون هي الآمر الناهي، لتحسرنا على حال هذا الزوج المسكين.

والعكس أيضًا موجود.

أو نسمع عن تصرفات حماة أو زوجة ابن أو أخت زوج وتَدَخُلِهِنَّ في حياة من حولهن، وجَعْلِحياتهم جحيمًا، معتبرين أن تدخلهنهذا هو حقٌ مكتسب، وأحيانًا يَرَينَه ضرورةً لكسرِ جماحِ زوجةِ الابن أو زوجة الأخ أو زوج الابنة. ورفض الشخص المَعِّني لهذا التدخل ومطالبته بحقوقه وحريته - ولو بلطف -  يجعله في موضع الاتهام والشكوى الدائمة منه، والتفكير الدائم في كيفية التعامل معه، ووضعه عند حدوده، وإجباره على الانصياع لأوامرهن.

ونادرًا مانسمع الموقف من طرفين متنازعين فتتطابق الحكاية؛ لأن كل طرف يتحدث من وجهة نظره هو، أو يذكر من الأحداث ما يشهد لها، ويترك ما يسيء إليه.

وقد يكون كلاهما مصيبًا، ولكنه ينظر إلى الأمور من زاوية مختلفة، ولو جُمعت  الصورتين معًا وتفهمنا وجهة النظر الأخرى، وقربنا المسافات لانتهت المشكلة وعشنا في سعادة.

وكثيرًا ما يكون تركيزنا على رد الفعل وننسى أو نتناسى الفعل نفسه؛ تسمع من تشتكي وتقول: زوجي ضربني وأهانني ولابد من الطلاق ولن أتنازل عنه، فإذا سألتها: لماذا ضربك؟ لقالت: تكلمت بالسوء عن والدته، وكأن من المفترض أن يسمع إهانة والدته فيسكت!

كلاهما أخطأ التصرف فلماذا التركيز على رد الفعل فقط ؟!

نتعاطف ونبني الأحكام وردود الأفعال تبعًا للأذى الذي نراه قد انطبع داخلنا أو نراه قد أصاب من نحب، نسمع من طرف واحد ونتعاطف لأن له عينًا قد فُقِأت، ولو سمعنا من الطرف الآخر ورأينا ما أصابه لرأينا عينيه الاثنتين قد فُقئتا، قد تكون طُعنت منه مرة ولكنك طعنته مرات ومرات.

وكثير من المشكلات حلها سهل وبسيط،تحتاج فقط إلى مجرد فهم شخصية الزوج أو الزوجة أو الأخ أو المدير أو من أتعامل معه، والتعرف على مفتاحها، والبعد عن الخطوط الحمراء التي تثيرها، وبذلك تنتهي المشكلة.

ولكن يوسوس الشيطان: لماذا أتنازل أنا ؟! لماذا لا يكون الطرف الآخر هو من يفهم شخصيتي ويغير من نفسه ؟!!!!ونعيش في جحيمٍ لِكِبْرٍ داخل نفوسنا.

ومشاكل أخرى بسبب سوء الظن أو فلسفة الأمور البسيطة؛ فأقول في نفسي لابد أن ما يقصده كذا وكذا، ومادام فعل ذلك فالخطوة التي تليها أن يفعل كذا، وتكبر الفكرة وأصدقها وتتحول إلى يقين، وأبني حكمي وتعاملاتي وردود أفعالي على أوهام - لم تخطر على بال أحد غيري -، فلماذ أُلقي نفسي في هذا الجحيم، وأحرق نفسي بنار سوء الظن، وأظلم من حولي؟!

لا تخلط بين الفطنةِ وسُوءِ الظن!

اجترار الذكريات المؤلمة، والعيش في مرارة الماضي والحاضر، تمنعك من رؤية تعويض الله لك، والإحساس بما أنعم به عليك، وما هيأه لك من أسباب السعادة.

يحصل ابتلاء معين من تأخر زواج أو تأخر إنجاب أو طلاق أو وفاة عزيز أو غيرها من الابتلاءات؛ فتتوقف الحياة ويعيش أسيرًا للحزن، وينسى نعم الله، ولا يرى ما في المِحَنِ من مِنَح، ولا يحاول أن يجد بديلًا أو يشغل وقته بما يفيد.

قد يشعر بالوحدة والوحشة ويشكو من ابتعاد الناس وتخليهم عنه، وفي الواقع فإن تصرفاته وأسلوبه وطريقة معاملته وكلامه هو السبب في بعد الناس عنه.

وبعد كل هذا يشعر أنه هو وحده على صواب، وكل من حوله من الناصحين له أو المنتقدين لحاله لايشعرون بألمه ومعاناته ولا يتعاطفون معه، ويضيف على حزنه وألمه آلامًا وأحزانًا.

في أي مشكلة تواجهك اترك الباب مفتوحًا للتفكير، ومحاسبة النفس؛ لعلك أخطأت أو أن غضبك أصاب عينيك بغشاوة جعلتك لا تستطيع وزن الأمور بشكل صحيح وإنصاف، واقبل النصيحة؛فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم كان يستشير زوجاته وأصحابه ويأخذ برأيهم.

قبل أن تحكم على نفسك وعلى من يحبك بالتعاسة لابد من وقفة مع النفس،راجع فيها أفعالك وأخلاقك وزنها بميزان الشرع، عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، وبما يرضي الله لا بما يرضي هواك، التمس الأعذار، ولا تحكم قبل أن تسمع من الطرفين.

لا تكن أكبر عدو لنفسك، ولا أكثر من يصيبها بالأذىوالتعاسة، ابحث عن السعادة فهي حولك في كل مكان، وستجدها بسهولة إذا التزمت بمنهج الله.

قد يكون كل ما تحتاجه بعض التغيير بداخلك؛ فالجميع يفكر في تغيير العالم ،ولكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه.

هبة حلمي الجابري