ذنوب الخلوات : المقال السابع

محمد علي يوسف

بعد فترة من الإصرار وعدم المقاومة والتمادي في معصية السر وتطوراتها قد يحدث التصالح معها بل والتطبيع الشامل تجاهها

  • التصنيفات: دعوة المسلمين -

 

المشكلة أن معصية السر والمشاعر المصاحبة لها لا تثبت أو تستقر ولا يكون منتهاها ومآلها كما كان مبتداها وأول أمرها في غالب الأحوال
نعم قد لا يبدأ الأمر باجتراء واستهانة وقد لا يكون استخفافا بحرمات الله ولا عدم اهتمام بحقيقة رقابته وسمعه وبصره بل قد يبدأ بحزن وندم وحرقة تدمي القلب أثناء المعصية وبعدها كما أسلفت
لكن هل سيظل هكذا؟ 
هل بعد كل زلة وعلى إثر كل سقطة ستكون نفس الحرقة وسيبقى وهج الندم متقدا كما كان؟ 
ربما.. 
لكن الغالب للأسف ليس كذلك
بعد فترة من الإصرار وعدم المقاومة والتمادي في معصية السر وتطوراتها قد يحدث التصالح معها بل والتطبيع الشامل تجاهها
قد يفيق ليراجع نفسه فيذهله وقوعه فيها أصلا وقد كان بينه وبينها آماد بعيدة ومراحل عديدة وكانت تفصله عنها أسوار عالية من الخشية والورع وجدر محصنة بالتقوى والزهد والإخبات
فيتعجب فعلا ويتساءل مستنكرا غير مصدق: كيف وقعت ابتداءً؟!
أنَّى لي تجاوز كل الحوائل وطي كل تلك المسافات؟!
أين ذهبت كل أسوار الخشية وحواجز الورع التي كانت تحول بيني وبين ما هو أدنى بكثير من تلك المعصية؟!

والحقيقة أن دهشته سببها تغافله عن هذه المشكلة
مشكلة التدرج في المعاصي
خطوة أولى خطاها متبعا شيطانه ومصدقا وعده ومغترا بتزيينه

خطوة خطاها ذاهلا عما يحدث وأنه بتلك الخطوة قد وقع في الفخ وأن الخطوة سيتلوها خطوات إن لم ينتبه ويتدارك نفسه

خطوات سماها مولاه: خطوات الشيطان
خطوة ثم أخرى ثم ثالثة ورابعة ظل يتقدم تدريجيا دون أن يلحظ إلا البريق ولا يلتفت إلا للتزيين ورويدا رويدا بدأت قدماه تغوصان في الوحل وهو لا يشعر بملمسه القذر على رجليه
وفجأة ينتبه ليجد نفسه هنالك وقد تلطخ جسده الطاهر وتدنست روحه الورعة وغاص جسمه في وحل الخطيئة حتى كاد أن يغرق في تلك البقعة التي تؤدي إليها تلك الخطوات
خطوات الشيطان..
فالآن يندهش وبعد كل ذلك يتعجب؟!
لكن الأمر كما قلت لا يحدث بغتة ولا تنقلب تلك المشاعر بين عشية وضحاها 
قد يستغرق ذلك وقتا كبيرا والانهيار يسبقه تصدعات وتشققات في جدر تلك المشاعر الإيجابية ثم تتسع تلك الشقوق تدريجيا حتى تصير النفوس القابعة خلفها عرضة لكل عوامل الإضرار بها والتأثير عليها ثم ينكس الجدار وبعد حين ينقلب بناء القيم رأسا على عقب

إن الطريق من كون الخطأ خطئا إلى كونه أمرا طبيعيا أو عاديا بل ومستحسنا مستحبا ليس طريقا قصيرا أو سريعا لكنه يمر بدروب طويلة ومسالك التطبيع التدريجي مع ذلك الخطأ حتى يتحول إلى تلك الصفة القميئة
عادي
المعصية صارت شيئا عاديا
الخطيئة صارت أمرا طبيعيا
الكبيرة صارت هفوة والصغيرة صارت أصلا مطردا مجرد إنكارها = تزمت وتشدد
لم يعد كما وُصف حال المؤمن يرى ذنوبه كأنما هي بأصل جبل يوشك أن يسقط عليه بل صار يراها كبعوض حط على أنفه فأشاح بيده ليزيحه بكل سهولة ويسر
صار يقترف أشياء كان يعدها يوما من الموبقات فصارت في عينه أدق من الشعر
أصبح يقوم عن معصية سره ببساطة ويعود لروتين حياته دون أن تهتز شعرة في جسده ودون حتى أن يختلج قلبه
لم يعد مكان لتلك الغصة التي كانت تملأ حلقه بعد الذنب وتدفعه للتوبة والإنابة ولم يعد الحزن يعتصر قلبه لما فرط في جنب الله
كل ذلك صار تاريخا بسبب تلك الآفة الحقيرة
آفة الاعتياد
التطبيع
التصالح 
وكل ذلك كان التدرج طريقه وكانت خطوات الشيطان هي السبيل الموصل إليه
والحل بسيط 
إنه التعجيل بالتوبة والحذر كل الحذر من تسويفها
ولهذا حديث آخر إن شاء الله