وجزاء سيئة سيئة مثلها

أبو الهيثم محمد درويش

وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ

  • التصنيفات: التفسير -

{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } :
أول مراتب العقوبات : مجازاة الجاني بمثل جنايته وعلى قدرها بلا زيادة

المرتبة الأعلى : مرتبة العفو والصفح عن المسيئ وهذه المرتبة أجرها عند الله وحده و الله يضاعف لمن يشاء ويرزق من يشاء بغير حساب.

اما المرتبة الأدنى و المنهي عنها فهي مرتبة الظلم : و التي تبدأ بمعاقبة المسيء بما يفوق إساءته و تتدرج في الظلم و الطغيان وتعدي الحدود إلى أن تصل إلى  البغي بغير حق و الطغيان والإفساد في الأرض , فأولئك أهل العذاب الأليم.

وفي نهاية المطاف فمن صبر وغفر وتمالك نفسه واشتد عزمه, فأجره محفوظ موفور يوم القيامة.

قال تعالى :

  {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} . [الشورى 40-43]

قال السعدي في تفسيره:

ذكر الله في هذه الآية، مراتب العقوبات، وأنها على ثلاث مراتب: عدل وفضل وظلم.

فمرتبة العدل، جزاء السيئة بسيئة مثلها، لا زيادة ولا نقص، فالنفس بالنفس، وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها، والمال يضمن بمثله.

ومرتبة الفضل: العفو والإصلاح عن المسيء، ولهذا قال: { {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} } يجزيه أجرا عظيما، وثوابا كثيرا، وشرط الله في العفو الإصلاح فيه، ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته، فإنه في هذه الحال لا يكون مأمورا به.

وفي جعل أجر العافي على الله ما يهيج على العفو، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فَلْيَعْفُ عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم، فإن الجزاء من جنس العمل.

وأما مرتبة الظلم فقد ذكرها بقوله: { { إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } } الذين يجنون على غيرهم ابتداء، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته، فالزيادة ظلم.

{ {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} } أي: انتصر ممن ظلمه بعد وقوع الظلم عليه { {فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} } أي: لا حرج عليهم في ذلك.

ودل قوله: { {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ } } وقوله: { {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} } أنه لا بد من إصابة البغي والظلم ووقوعه.

وأما إرادة البغي على الغير، وإرادة ظلمه من غير أن يقع منه شيء، فهذا لا يجازى بمثله، وإنما يؤدب تأديبا يردعه عن قول أو فعل صدر منه.

{ {إِنَّمَا السَّبِيلُ} } أي: إنما تتوجه الحجة بالعقوبة الشرعية { {عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} } وهذا شامل للظلم والبغي على الناس، في دمائهم وأموالهم وأعراضهم. { {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } } أي: موجع للقلوب والأبدان، بحسب ظلمهم وبغيهم.

{ {وَلَمَنْ صَبَرَ} } على ما يناله من أذى الخلق { {وَغَفَرَ } } لهم، بأن سمح لهم عما يصدر منهم، { {إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} } أي: لمن الأمور التي حث الله عليها وأكدها، وأخبر أنه لا يلقاها إلا أهل الصبر والحظوظ العظيمة، ومن الأمور التي لا يوفق لها إلا أولو العزائم والهمم، وذوو الألباب والبصائر.

فإن ترك الانتصار للنفس بالقول أو الفعل، من أشق شيء عليها، والصبر على الأذى، والصفح عنه، ومغفرته، ومقابلته بالإحسان، أشق وأشق، ولكنه يسير على من يسره الله عليه، وجاهد نفسه على الاتصاف به، واستعان الله على ذلك، ثم إذا ذاق العبد حلاوته، ووجد آثاره، تلقاه برحب الصدر، وسعة الخلق، والتلذذ فيه.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن