وقالوا لو شاء الله ما عبدناهم

أبو الهيثم محمد درويش

أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ

  • التصنيفات: التفسير -

{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} :

من الحجج الواهية لكل معاند مستكبر عن أمر الله : الاحتجاج بالقدر " لو شاء الله لاهتديت" "لو شاء الله ما عصيت" , بينما هو في أمور دنياه يسارع بالقفز والتنافس و يبادر باختيار الأفضل, الإنسان قابع تحت اختبار الكفر والإيمان بإرادته التي خلقها الله بداخله حرة ليختبر اختياراته و يحاسبه عليها , فإن اختار الإيمان سهل الله له سبل الهداية وإن اختار الكفر و العصيان أمهله الله فإن أصر وبالغ في إصراره أخذه فلم يفلته.

وإن كان الاحتجاج بالقدر واه مردود فإن الاحتجاج بتقليد الآباء أشد ضعفاً ووهناً , فكل إنسان ألزمه الله طائره في عنقه, وسيحاسبه ربه عن نفسه وعن أفعاله يوم القيامة وليس عن أفعال الآباء أو تاريخهم, فكيف بمن تبين له الحق فتركه واتبع ضلال آبائه لمجرد أنهم ولدوه؟؟؟!!!!

قال تعالى:

{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } .   [الزخرف 19-25]

قال السعدي في تفسيره:

وقوله تعالى: { {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} } فاحتجوا على عبادتهم الملائكة بالمشيئة، وهي حجة لم يزل المشركون يطرقونها، وهي حجة باطلة في نفسها، عقلا وشرعا. فكل عاقل لا يقبل الاحتجاج بالقدر، ولو سلكه في حالة من أحواله لم يثبت عليها قدمه.

وأما شرعا، فإن اللّه تعالى أبطل الاحتجاج به، ولم يذكره عن غير المشركين به المكذبين لرسله، فإن اللّه تعالى قد أقام الحجة على العباد، فلم يبق لأحد عليه حجة أصلا، ولهذا قال هنا: { {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ } } أي: يتخرصون تخرصا لا دليل عليه، ويتخبطون خبط عشواء.

ثم قال: { { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} } يخبرهم بصحة أفعالهم، وصدق أقوالهم؟ ليس الأمر كذلك، فإن اللّه أرسل محمدا نذيرا إليهم، وهم لم يأتهم نذير غيره، أي: فلا عقل ولا نقل، وإذا انتفى الأمران، فلا ثَمَّ إلا الباطل.

نعم، لهم شبهة من أوهى الشُّبَه، وهي تقليد آبائهم الضالين، الذين ما زال الكفرة يردون بتقليدهم دعوة الرسل، ولهذا قال هنا: { {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ } } أي: على دين وملة { {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ } } أي: فلا نتبع ما جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم.

{ {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا} } أي: منعموها، وملأها الذين أطغتهم الدنيا، وغرتهم الأموال، واستكبروا على الحق. { {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} } أي: فهؤلاء ليسوا ببدع منهم، وليسوا بأول من قال هذه المقالة.

وهذا الاحتجاج من هؤلاء المشركين الضالين، بتقليدهم لآبائهم الضالين، ليس المقصود به اتباع الحق والهدى، وإنما هو تعصب محض، يراد به نصرة ما معهم من الباطل.

ولهذا كل رسول يقول لمن عارضه بهذه الشبهة الباطلة: { { أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ } } أي: فهل تتبعوني لأجل الهدى؟ { { قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } } فعلم بهذا، أنهم ما أرادوا اتباع الحق والهدى، وإنما قصدهم اتباع الباطل والهوى.

{ {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } } بتكذيبهم الحق، وردهم إياه بهذه الشبهة الباطلة. { {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } } فليحذر هؤلاء أن يستمروا على تكذيبهم، فيصيبهم ما أصابهم.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن