ما وراء المطالبة بالحرية الدينية

عصام بن هاشم الجفري

الله أكبر ما أعظم الله يوم أن حذرنا من مثل تلك الوعود الشيطانية
بقوله: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ
إِلاَّ غُرُورًا} [النساء: 120]..

  • التصنيفات: مذاهب باطلة -

الحمد لله الملك الديان، الرحيم الرحمان، أعزنا بالإيمان، وأكرمنا بالقرآن، أحمده سبحانه وأشكره على عظيم ما تفضل به علينا من النعم والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المنزه عن الشركاء والأعوان، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله فصيح اللسان واضح البيان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على النهج إلى يوم القيامة بإحسان.

أما بعد:
فأوصيكم أحبتي بسبب دفع الكيد عنكم وعن أمة الإسلام ألا وهو تقوى الله قال ربكم في محكم التنزيل: { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } [آل عمران: 120].
الصراع بين الحق والباطل والكفر والإيمان صراع دائم منذ بدء البشرية، والكيد للإيمان وأهله والمكر بهم عظيم ومستمر دائم حذرنا الله منه بقوله: {وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } [إبراهيم: 46].


وأريد اليوم الوقوف مع بعض صور المكر المعاصرة؛ فمنذ فترة قامت حملة شرسة على بلادنا بلاد الحرمين مهوى أفئدة المسلمين، البلد الذي اكتسب احترام وتعاطف العالم الإسلامي معه؛ لأنه يرفع شعار التوحيد ويحافظ على هويته الإسلامية ويمد يد العون لإخوانه المسلمين، واشترك مع الأسف في تلك الحملة بعض أبناء هذا الوطن المعطاء العاقّون له، وكان هدف تلك الحملة سلخ هذه الدولة من هويتها لإضعاف التعاطف والتأييد الإسلامي لها تمهيداً لتنفيذ أطماع قذرة فيها؛ فوصفوا المنهج السلفي الذي تسير عليه البلاد بأنه منهج متشدد إرهابي يسعى للفساد في الأرض والقتل والتدمير وأن الجمعيات الخيرية السعودية تدعم الإرهاب، ثم ظهرت اتهامات التشكيك في علمائها وأنهم علماء سوء وعلماء سلطة، ووجهت التهم للشريعة الإسلامية فوصفوا الحدود الشرعية بأنها بشعة ولا إنسانية، ولما وجدوا بفضل الله أن هذه البلاد متماسكة صلبة في وجه تلك الهجمات، وأن تلك الاتهامات تزيد من تعاطف المسلمين معها، بدأو اللعب على العواطف والوعود الشيطانية الكاذبة واتخذوا من مجموعة من الغافلين عن دينهم وممن ضعف حظهم من العلم الشرعي مطية، فتباكوا على المرأة السعودية وأنها مظلومة مهضومة، وبدأوا يتلمسون القصص النادرة والتي تقع في معظم المجتمعات وينشورنها على العامة ليقنعوهم بأن المرأة مظلومة مهضومة، وأخذوا يعدونهم بأن طريق التنمية والرخاء للمجتمع يمر بتحرير المرأة من قيود الدين، وخروجها من بيتها لتزاحم الرجال في أماكن عملهم، وتركها لبيتها واعتمادها على الخادمة في تربية أبنائها، وفي قيادتها للسيارة وغير ذلك من الوعود الكاذبة والأماني الخادعة المستمدة من الشيطان الأكبر إبليس.
فالله أكبر ما أعظم الله يوم أن حذرنا من مثل تلك الوعود الشيطانية بقوله: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا} [النساء: 120].


كم من دولة حولنا وعدتهم نفس الطائفة بالسعادة والأمن والرفاه، وانساق فئام من تلك الدولة خلف تلك الوعود. فماذا كانت النتيجة؟
خوف وجوع ودمار وخطف وقتلى ليسوا بالآحاد لكنهم يصلون في فترات إلى المئات يومياً، وفي دولة إسلامية خرجت النساء وزاحمت الرجال وترتب على ذلك ما ترتب من زنا وفساد، فأرادات استدراك الوضع بسن قانون خفيف يعاقب على الخيانة الزوجية من أحد الطرفين بالسجن لمدة ثلاث سنوات مع أن الحد الشرعي للزاني المحصن والزانية المحصنة هو الرجم بالحجارة حتى الموت،كما حاول القانون منع العلاقات الجنسية من زنا أو لواط والتي امتد سعارها للأطفال القاصرين، أتعلمون ماذا كانت النتيجة؟
سيَّر عُبَّاد الشهوات الآف النساء من مختلف الأعمار يطالبن بعدم سن ذلك القانون وأن يظل حبل الشهوات على الغارب كما هو الحال، وتراجعت الدولة أمام ذلك الضغط عن القانون المخفف للعفة (1)؛ وهكذا أيها الأحبة في الله إذا أخرجت المرأة من حجابها وعفتها انتشر سعار الشهوة وأصبحت كجمرة ألقيت على كومة من القش سريع الاشتعال لا يمكن السيطرة على نيرانه.


والسؤال: هل اكتفى أعداء الإسلام بموضوع المرأة؟ لا والله وكيف يكتفون وقد أخبرنا الله عنهم بقوله: { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء } [النساء: 89].
فكانت الحملة الأخيرة وهي تصنيف بلادنا المسلمة المتسامحة بأنها ضمن البلدان التي تنتهك الحرية الدينية! تأملوا أحبتي في الله حرية المرأة، ثم حرية الدين، ثم الحرية الجنسية وهكذا تتابع حبات عقد ذلك المكر القذر، أتدرون ماذا يهدفون من وراء الحريات الدينية؟
يريدون أن ترتفع صلبان الكنائس في جزيرة التوحيد والإيمان لتتسامى على المآذن، يهدفون لإخراج ضعاف الدين والنظر من دينهم لتلك الديانات، وقد جائني يوماً شاب وعيناه قد ملأتها الدموع تنم عن قلب يتفطر ألماً، فقال: "كنت إلى جوار أخي على الحاسب وقد دخل على أحد غرف المحادثة (البالتوك) ووالله لقد سمعت عجباً، سمعت قوماً من نصارى العرب يشنون هجمة على شباب التوحيد ليشككوهم في دينهم ونبيهم؛ فيقولون لهم على سبيل المثال: افتح المصحف وانظر للآية الفلانية هذه الآية تبيح الزنا، وهكذا يلبسون على الجهَّال دينهم، بل وصل بهم الحال إلى أن افتروا على نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم فاتهموه حاشاه فداه أبي وأمي أنه فعل الفاحشة مع امرأة عجوز ميتة! ولكم أن تتخيلوا بقية تلك الحملة القذرة، والمرعب في الأمر كما يقول الشاب أن تلك السهام المسمومة توجه لصدور عارية، فمعظم الشباب مع الأسف يقفون مكتوفي الأيدي أمام تلك الشبهات التي تكاد أن تتفطر منها الجبال، لماذا؟
لأنهم فقدوا هويتهم الإسلامية تركوا العلم الشرعي واشتغلوا بالشهوات والملهيات وبما يغضب رب الأرض والسموات، والأدهى من ذلك والأمر أنه نقل لي أن بعض الشباب لضعف دينه وفرط جهله بدأ يتشكك في أمره ويقتنع بتلك الترهات والشبهات، وكما يعلم الجميع أن هناك مصحف وضع للمسلمين بديلاً عن مصحفهم وقد يحملون عليه قسراً وبقوة السلاح، فهو مخطط متكامل الحلقات المسلمون في غفلة عنه! فيا أمة الإسلام هل من غيرة على الدين؟
يا أمة الإسلام هل من غيرة على كتابكم ونبيكم؟ يا أمة الإسلام ألا يكفي نوماً وسباتاً؟ هل من يقظة تعيد للدين مجده وهيبته؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } [البقرة: 120].


الخطبة الثانية
الحمد لله ولي المتقين وناصر عباده الموحدين، وحامي حوزة هذا الدين، أحمده سبحانه القائل في محكم التنزيل { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ما من جبار إلا قصمه وما من عدو للدين إلا هزمه وخذله، وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على النهج إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وقوموا قومة رجل واحد للدفاع عن دينكم وعن كتابكم وعن نبيكم صلى الله عليه وسلم وعن وحدة بلادكم، فإن الهدف من الحرية الدينية المزعومة هو تقسيم المجتمع لطوائف وملل ونحل ثم إثارة الفتن بينهم، كما أريد بدعوى حرية المرأة تفتيت الأسرة وإشعال المشكلات بين طرفي الأساس للمجتمع المرأة والرجل واستبدال علاقة الحب والمودة لعلاقة الحرب والشهوة؛ فتنبهوا رحمني الله وإياكم لما يراد بكم وفوتوا الفرصة على أعدائكم، واعلموا أن الدفاع عن حياض الدين وعن البلاد هو مسؤولية الجميع؛ وأول خطوة فيه هو الحرص على العلم الشرعي وأخذه من العلماء الموثوقين الذين لم يتلوثوا بالشبهات، ثم على من يعرف في مجال الحاسب والشبكة العنكبوتية أن ينزل الميدان وهو متسلح بسلاح العلم ليرد على تلك الشبهات ويضحضها، وكذا الكاتب والمؤلف والخطيب والأستاذ بل وحتى الأب والأم في بيوتهم، فالحرب الفكرية أيها المؤمنون أخطر من الحرب العسكرية وتجد لها صدى وقبول حينما ينتشر الجهل بالدين، واعلموا أنهم والله لو انتصروا في الحرب الفكرية فسيتبعها ما يتبعها وندفع الثمن غالياً من أمننا وحريتنا وكرامتنا وأعراضنا وثرواتنا وأكثر من ذلك من ديننا وعقيدتنا وصدق الله يوم أن قال: {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ } [التوبة: 8].

------------
(1) يوسف الشريف، نساء تركيا يجبرن حكومتها على إباحة الزنا!، جريدة الحياة، 15/9/2004م.