أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي

أبو الهيثم محمد درويش

فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ

  • التصنيفات: التفسير -

{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ} :

الهداية على الله وحده , وما على الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من العلماء والدعاة إلا البلاغ المبين , وأجرهم عند الله محفوظ , وثمرة دعوتهم على الله وحده ,فلا يملك القلوب و تقلبها إلا مالكها سبحانه.

فلا تلتفت لإعراض المعرضين وعمى البصائر والقلوب ,فالله عز وجل سيحاسب الجميع سواء شاهدت بعينك هدايتهم أو جزاء عنادهم , أم توفاك الله قبلها فالآكد في شأنك و المطلوب منك أن تستمسك بصراط الله المستقيم المتمثل في الوحيين , الكتاب و السنة , وفي هذا بيان وتوضيح للنبي صلى الله عليه وسلام وأمته ليثبتوا على الهدى ولا يلتفتوا للمعاندين, وليعلم الجميع أن في اتباع منهج الله إعلاء للذكر في الدنيا قبل الآخرة , و التمسك بالتوحيد هو منهج سائر الأنبياء والأولياء عبر تاريخ الإنسان على الأرض.
قال تعالى : {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ * فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ * وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} . [الزخرف  40-45]

قال السعدي في تفسيره:

يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، مسليا له عن امتناع المكذبين عن الاستجابة له، وأنهم لا خير فيهم، ولا فيهم زكاء يدعوهم إلى الهدى: { {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ } } أي: الذين لا يسمعون { {أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ } } الذين لا يبصرون،

أو تهدي { {مَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} } أي: بَيِّنٌ واضح، لعلمه بضلاله، ورضاه به.

فكما أن الأصم لا يسمع الأصوات، والأعمى لا يبصر، والضال ضلالا مبينا لا يهتدي، فهؤلاء قد فسدت فطرهم وعقولهم، بإعراضهم عن الذكر، واستحدثوا عقائد فاسدة، وصفات خبيثة، تمنعهم وتحول بينهم وبين الهدى، وتوجب لهم الازدياد من الردى، فهؤلاء لم يبق إلا عذابهم ونكالهم، إما في الدنيا، أو في الآخرة، ولهذا قال تعالى:

{ {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} } أي: فإن ذهبنا بك قبل أن نريك ما نعدهم من العذاب، فاعلم بخبرنا الصادق أنا منهم منتقمون.

{ {أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ } } من العذاب { {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ } } ولكن ذلك متوقف على اقتضاء الحكمة لتعجيله أو تأخيره، فهذه حالك وحال هؤلاء المكذبين.

وأما أنت { {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} } فعلا واتصافا، بما يأمر بالاتصاف به ودعوة إليه، وحرصا على تنفيذه في نفسك وفي غيرك. { { إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } } موصل إلى الله وإلى دار كرامته، وهذا مما يوجب عليك زيادة التمسك به والاهتداء إذا علمت أنه حق وعدل وصدق، تكون بانيا على أصل أصيل، إذا بنى غيرك على الشكوك والأوهام، والظلم والجور.

{ {وَإِنَّهُ} } أي: هذا القرآن الكريم { {لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} } أي: فخر لكم، ومنقبة جليلة، ونعمة لا يقادر قدرها، ولا يعرف وصفها، ويذكركم أيضا ما فيه الخير الدنيوي والأخروي، ويحثكم عليه، ويذكركم الشر ويرهبكم عنه، { {وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } } عنه، هل قمتم به فارتفعتم وانتفعتم، أم لم تقوموا به فيكون حجة عليكم، وكفرا منكم بهذه النعمة؟

{ {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} } حتى يكون للمشركين نوع حجة، يتبعون فيها أحدا من الرسل، فإنك لو سألتهم واستخبرتهم عن أحوالهم، لم تجد أحدا منهم يدعو إلى اتخاذ إله آخر مع الله مع أن كل الرسل، من أولهم إلى آخرهم، يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له. قال تعالى: { {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } } وكل رسول بعثه الله، يقول لقومه: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، فدل هذا أن المشركين ليس لهم مستند في شركهم، لا من عقل صحيح، ولا نقل عن الرسل.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن