ولما جاءهم عيسى بالبينات
أبو الهيثم محمد درويش
وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ
- التصنيفات: التفسير -
{وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ} :
أرسل الله تعالى عبده ورسوله عيسى بن مريم بآيات باهرات ومعجزات بينات كإحياء الموتى وشفاء الأبرص والأكمه بإذن الله , وأسند كل أفعاله إلى الله وأخبرهم أنه يفعل كل هذا بإذن الله وحده سبحانه , وأن توحيد الله هو السبيل الأوحد لدخول الجنة , كما جاءهم بإكمال أحكام التوراه وتوضيح كل ما اختلفوا فيه والفصل بينهم في تلك المختلفات , فما كان منهم إلا أن ازدادوا اختلافاً , حتى أنهم اختلفوا في ماهية المسيح ذاته , فمنهم من كذبه وادعى أنه ابن زنا , ومنهم من ادعى بعد موته أنه ابن الله , ومنهم من ذهب بعد ذلك أنه الله ذاته , سبحان الله وتعالى عما يقول المشركون.
قال تعالى:
{وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} . [الزخرف 62-65]
قال السعدي في تفسيره:
{ {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ } } الدالة على صدق نبوته وصحة ما جاءهم به، من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، ونحو ذلك من الآيات. { {قَالَ} } لبني إسرائيل: { {قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ} } النبوة والعلم، بما ينبغي على الوجه الذي ينبغي. { {وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } } أي: أبين لكم صوابه وجوابه، فيزول عنكم بذلك اللبس، فجاء عليه السلام مكملا ومتمما لشريعة موسى عليه السلام، ولأحكام التوراة. وأتى ببعض التسهيلات الموجبة للانقياد له، وقبول ما جاءهم به. { {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } } أي: اعبدوا الله وحده لا شريك له، وامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه، وآمنوا بي وصدقوني وأطيعون.
{ {إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } } ففيه الإقرار بتوحيد الربوبية، بأن الله هو المربي جميع خلقه بأنواع النعم الظاهرة والباطنة، والإقرار بتوحيد العبودية، بالأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وإخبار عيسى عليه السلام أنه عبد من عباد الله، ليس كما قال فيه النصارى: "إنه ابن الله أو ثالث ثلاثة" والإخبار بأن هذا المذكور صراط مستقيم، موصل إلى الله وإلى جنته.
فلما جاءهم عيسى عليه السلام بهذا { {اخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ} } المتحزبون على التكذيب { {مِنْ بَيْنِهِمْ } } كل قال بعيسى عليه السلام مقالة باطلة، ورد ما جاء به، إلا من هدى الله من المؤمنين، الذين شهدوا له بالرسالة، وصدقوا بكل ما جاء به، وقالوا: إنه عبد الله ورسوله.
{ {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا من عذاب يوم أليم} } أي: ما أشد حزن الظالمين وما أعظم خسارهم في ذلك اليوم".
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن