هون على نفسك
محمد علي يوسف
فقط أتمنى أن أسأله سؤالين إن سمح لي ولا أظنه يفعل
ما الذي غرس في ذهنك أن كل أمر أو شأن ينبغي أن يكون لك فيه رأي؟!
والأهم
من أقنعك أن جميع الخلق يمزقهم الشوق لسماع هذا الرأي؟!
- التصنيفات: الآداب والأخلاق -
أعرف عنه جيدا أنه لم يتابع مباراة كاملة في حياته
لكن متى يأتي الحديث عن كرة القدم فهو محلل رياضي من الطراز الأول
هو يؤكد أن المدرب فلان أحمق بدرجة لا توصف واللاعب علان لا يعرف عن الكرة إلا كونها مستديرة والفرقة الفلانية لا تحصل على كل تلك البطولات إلا لأنهم يشترون ذمم الحكام
هكذا ينطلق صاحبنا محللا وناقدا للأوضاع الرياضية والمباريات المحلية والعالمية وربما مباريات الكواكب الأخرى لو أن ثمة مباريات هناك!
وليس التحليل الكروي مجاله الوحيد
صاحبنا جهبذ في كل شيء
بمجرد أن يُفتح موضوع في أي باب من الأبواب سنجد صاحبنا قد اشرأب وانتفخت أوداجه وهمَّ أن يُدلي بدلوه ويتحفنا برأيه الماتع
نعم هو يملك رأيا حاضرا بشأن أي شيء وكل شيء
وهو يوقن طبعا أننا نتحرق شوقا لسماعه والاستفادة منه
إذا تسرع أحدنا وأوقعه حظه العاثر في تعليق على شيء من أمور السياسة أو أفعال الساسة فيبدو أنه لم يكن بارا بأمه بما يكفي لأنها غالبا دعت عليه وإجابة دعوتها تتمثل في رد فعل صاحبنا إياه
إنه لن يتركه يكمل تعليقه أو رأيه ولن يسمح لأحد من الحاضرين بمجرد فتح فمه للمشاركة في الحوار
وما أدراكم أنتم بالسياسة وبواطنها أيها السذج؟!
تعالوا لأخبركم بالحقائق الكاملة والأسرار الكامنة التي لا تحلم بمعرفتها السي أي إيه ولا المكتب الخامس البريطاني ولا أعتى أجهزة الاستخبارات أو مراكز التحليل والمعلومات
الحقيقة عندي وحدي أيها المساكين فهلموا إليَّ لأخصكم بها
طبعا لن يجرؤ أحد على سؤاله عن مصادره السرية التي سمحت له بهذا القدر المذهل من الاطلاع فهذا طبعا... لا يليق!
في الاقتصاد والماليات وجدوى الأعمال فهو لا يشق له غبار وفي العلوم والأبحاث والنظريات الأكاديمية فلا يستطع أعتى العلماء والباحثون مجاراته والجديد المبهر دائما عنده وطبعا عن رأيه النقدي في الأدب والثقافة وسعة اطلاعه على كل قديم وجديد في عالم الكتب؛ فحدث ولا حرج
في الفن هو ضليع أيضا ولن يفوت الفرصة في إبداء تحسره على الزمن الجميل حين كان الفن فنا حقا
لحظة صاحبنا لم يجاوز عقده الثالث بعد فعن أي زمن يتحدث؟!
ليس هذا شأنك أيها المجتريء على مقاطعته
صاحبنا قطع أن ثمة زمنا جميلا وأننا لم نعشه بينما تمتع به هو إذا فهو صادق ولابد أن تسمع وتستفيد دون تعليق
وهل ستبلغ مبلغه من الفهم يا مسكين؟
أما إذا ذكر الدين فحينئذ يكاد صاحبنا يقفز من مقعده لفرط الحماسة
قد وصلنا إلى ملعبه الذي لا يبارى فيه
فلنستعد لفاصل من الفتاوى الحاسمة والاجتهادات الجازمة والتجديدات العصرية الحازمة مع فاصل من التحسر مرة أخرى على ضياع الأخلاق واندثار مفاهيم الدين وأهمها في رأيه اجتراء كل من هب ودب على الفتيا بغير علم والاجتهاد بدون أدوات!!
صاحبنا يتعب معنا كثيرا في الحقيقة
ليس فقط معنا أظن أنه متعب دائما لا يرتاح أبدا
فقط أتمنى أن أسأله سؤالين إن سمح لي ولا أظنه يفعل
ما الذي غرس في ذهنك أن كل أمر أو شأن ينبغي أن يكون لك فيه رأي؟!
والأهم
من أقنعك أن جميع الخلق يمزقهم الشوق لسماع هذا الرأي؟!
يا عزيزي... هون على نفسك فصحتك لا تحتمل كل هذا
ولا صحتنا...