مآلات

محمد علي يوسف

لذلك يعد سد ذرائع المعصيةإنه مبدأ المسؤولية عن المآلات من خلال البدايات والاختيارات

  • التصنيفات: دعوة المسلمين -

يعلم جيدا ضعفه أمام شهوته ويدرك عدم تحكمه في بصره وقلة سيطرته على أهوائه خصوصا ما كان له علاقة بالمرأة لكنه مع ذلك يصر على التواجد في بيئات التبرج والاختلاط المفتوح ويترك لنفسه العنان

ثم يندهش..
يندهش مما آل إليه حاله و يتقمص دور من فوجيء بنهاية طريق معلوم إلى أين يؤدي وذلك حين يجد نفسه وقد انغمس في العلاقات المحرمة وخاض في وحل الخطيئة ولم يفق إلا وقد وقع المحظور وكانت الفاحشة

محبة للغيبة ومتلذذ بالنميمة يدمنان لحوم البشر التي ينهشانها بنهش أعراضهم وأعراضهن والخوض في ذلك مع الخائضين ورغم علمهما ذلك عن نفسيهما إلا إنهما يصران على التماس مجالس الخوض وحفلات الاستطالة في الأعراض ولا يهدأ لأحدهما بال حتى يجدا مكانا بينهم 
ثم يندهشان.. 
يندهشان من شدة ضعفهما أمام تلك المعصية وعدم قدرتهما على التوبة منها

صالح في العلن عليه سمت التدين وعلامات التقوى وأمارات الوقار؛ ما أن يخلو بهاتفه أو شاشة حاسوبه حتى تكاد ترى بعين الخيال بروز مخالبه واستطالة أنيابه واشتعال عينيه والشعر الكثيف يكاد يخفي ملامح وجهه وكأنه مذؤوب في فيلم رعب رخيص يتحرش بهذه ويراسل تلك ويجوب المواقع نهما ينشد فضائح وعورات
ثم يندهش.. 
بعدما يقضي وطره يتساءل مندهشا كيف انقلب حاله لهذه الدرجة وكيف وصل لتلك الحالة من الفصام والازدواجية والتباين بين السر والعلانية

إن المثير للدهشة في الحقيقة هي تلك الدهشة..

تلك الدهشة التي تنتاب أولئك وأمثالهم

مما يندهشون وقد فتحوا كل باب وولجوا كل طريق يؤدي إلى هذا المصير

"إنك إن تفتحه تلجه" 
"من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه" 
"من وقع في الشبهات وقع في الحرام"
"من تشرف لها استشرفته"

إن قرار الإنسان الإقلاع عن الذنب لتتم أوبته وتصح توبته وتحويل هذا القرار لفعل بتوقفه عن المعاصي التي ابتلي بها واجتثاث وجودها من جذوره  يأتي دور تجفيف المنابع أو الوقاية التي قد تكون خيرا من العلاج

نعم هي القاعدة التي صار البعض مؤخرا في إصرار عجيب على تسفيهها والحط من شأنها
قاعدة سد الذرائع

صحيح أن التوسع في تطبيق هذه القاعدة قد أدى إلى بعض العنت والتضييق وصحيح أن مقام الفتيا والأحكام الشرعية يختلف عن مقام الورع واتقاء الشبهات للاستبراء للدين وصحيح أن الخلط بين هذه المقامات قد يؤدي إلى تنفير وتشديد لكن كل ذلك لا يعني نسف تلك القاعدة من أصولها وإنكار وجود تلك القيمة التربوية التي تلعب دورا رئيسا في الوقاية من الذنب ابتداءً
قيمة الورع
وقيمة سد الذرائع
لهذا رسخ النبي صلى الله عليه وسلم لكون من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه وأن من وقع في الشبهات وقع في الحرام
بل إن من المحرمات ما يرى الفقهاء أن تحريمها لغيرها وليس لذاتها ولعل أشهر أمثلة المحرم لغيره  النظر للنساء الذي هو طريق للمحرم الأكبر منه وهو فاحشة الزنا
ولذلك نهى الله عن مجرد الاقتراب وليس فقط الوقوع
" {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} " [اﻹسراء 32]

" {ولَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} " [اﻷنعام 151]

تأمل.. مجرد الاقتراب

لذلك يعد سد ذرائع المعصيةإنه مبدأ المسؤولية عن المآلات من خلال البدايات والاختيارات

يُضرب هذا المثَلُ لِمَن كان سبب هلاكه مِنْه وأصل مآله  اختياره
ثم يندهش 
من أهم وسائل علاجها
ما المشكلة في أن تقلل خلوتك إلى الحد الأدنى لحين برئك من هذه الآفة
أن تصبر نفسك مع صحبة صالحة كما أحب لك ربك
أن تشغل نفسك قدر وسعك وأن تجهدها في رياضة أو عمل أو أي نشاط مشروع يقضي على فراغك
أن ترجع إلى بيتك وقد نضبت طاقتك
أن تترك بيئة المعصية وأن تستبدلها 
أن تجعل بينك وبين المعصية أسوارا وحواجز وحجرا محجورا
أن تتوقف عن الحوم حول الحمى والتهاون في انتهاك الحدود الفاصلة التي تعرفها جيدا
أن تشد وكاءك وألا تحمل قربة مثقوبة
فإن يا صديقي أصررت أن تفعل فلا تندهش

لا تندهش فهما يا عزيزي يداك 
يداك أوكتا وفوك نفخ 
هذا المثَلُ يضرب لِمَن كان سبب هلاكه مِنْه وأصل مآله  اختياره
ثم يندهش

يُروى أنَّ قومًا كانوا في جزيرة من جزر البحر قديما وكان دُونَها خليج من البحر فأتى قومٌ يريدون أن يَعبروا إليهم فلم يَجدوا معْبرًا فجعلوا ينفخون أسقيتهم التي يستعملونها لحمل الماء وتكون من الجلد المحكم
وبعد ملئها بالهواء يربطونها بوكاء والإِيكاء هو شَدُّ رأس السقاء بحبل ونحوه ثم يَعْبرون عليها كما يعرف اليوم بالعوامة أو قوارب النجاة

وكان معهم رجلٌ عَمدَ إلى سِقائه فأقَلَّ النفخ فيه وأضْعَفَ الإيكاء والربْطَ له فلما توسَّط الماء خرج الهواء من الرباط الضعيف الذي لم يحكمه حتى لم يَبق في السِّقاء شيء وأوشك الرجل على الغرق فنادَى رجلاً مِن أصحابه: أن يا فلان، إني قد هلكت

فقال صاحبه من بعيد: ما ذنبي؟
"يداك أَوْكَتا وفوك نفَخ"
فذهب قولُه مثلاً.

حين يندهش الإنسان مما وصل إليه حاله ويفاجأ بتردي مآلاته فلابد هنا من استحضار هذا المشهد أو ما يبسطه المصريون بمثلهم الشعبي اللطيف
"اللي بيشيل قربة مخرومة بتخر على دماغه"

لماذا يندهش إذاً وهو الذي أصر على حمل القربة غاضا الطرف عن الثقب الكبير الذي يتوسطها كما تغافل صاحبنا الأول عن وهن الوكاء وقلة الهواء

إنه مبدأ المسؤولية عن المآلات من خلال البدايات والاختيارات
بدايات الطريق والاختيارات التي تؤدي إلى نهاية معلومة
إلى الغرق