النَّهي عن تمنِّي الموت جزعًا  ​​​​​​​

ملفات متنوعة

وهذه التَّربية الإسلاميَّة مِن شأنها أن ترفع معنويَّات المسلمين في الحياة، وتشدُّ عزائمهم، وتنفي السَّأم والضَّجر عن نفوسهم

  • التصنيفات: الموت وما بعده -


حين يعلم المؤمن أنَّ صبره على المصائب والآلام مكفِّرٌ لسيِّئاته، ورافعٌ لدرجاته، ويُسجَّل له مع كلِّ شعورٍ بألم أجرٌ عند الله تعالى، يناله ثواب عظيم وكرامة عنده في دار الجزاء، يرى أنَّه في خيرٍ عظيمٍ، وفضلٍ جسيمٍ مِن الله تعالى، ويرى أنَّ تمنِّيه الموت تخلُّصًا مِن المصائب هروبٌ مِن الحياة، وفرارٌ مِن مسؤوليَّة الابتلاء، وخروجٌ مِن سوق تجارة رابحة أضعافًا مضاعفة، لذلك فهو لا يتمنَّى الموت ليتخلَّص مِن مصائبه وآلامه، ويلاحظ المؤمن أنَّ طول أجله فرصةٌ له؛ ليزيد مِن حسناته إن كان مِن المحسنين، وليتوب ويصلح مِن حاله إن كان مِن المسيئين، لكلِّ ذلك نهى الرَّسول صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا عن تمنِّي الموت... روى البخاريُّ ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «لا يتمنَّى أحدكم الموت لضرٍّ أصابه، فإن كان لا بدَّ فاعلًا فليقل: اللَّهمَّ أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي» ))   [متفق عليه]  .
وهذا الحديث يدلُّ على أنَّ الأفضل للمؤمن أن لا يتدخَّل في طلب الموت مِن ربِّه مطلقًا، وأن يترك أمر الأجل لمقادير الله في خلقه، ولحكمته في عباده.
ولذلك لم يَدْعُ خبَّاب بن الأرَتِّ على نفسه بالموت، مع أنَّه وصل إلى حالة رأى فيها أنَّ الموت أحبُّ له مِن الحياة.
روى [البخاريُّ] عن قيس بن أبي حازم قال: دخلنا على خباب بن الأرت رضي الله عنه نعوده، وقد اكتوى سبع كيَّات، فقال: (( «إنَّ أصحابنا الذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدُّنيا، وإنَّا أصبنا ما لا نجد له موضعًا إلَّا التُّراب. ثمَّ قال: ولولا أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به» ))   .
وإنَّا أصبنا ما لا نجد له موضعًا إلَّا التُّراب: أي أصبنا مِن المال ما لا نجد له موضعًا نضعه فيه، أن نبني به ونعمِّر بيوتًا وبساتين.
وقد حدَّث خباب نفسه بالموت ولم يطلبه، مخافة أن تنقص الدُّنيا والأموال التي زادت عنده مِن منزلته عن أصحابه الذين سبقوا إلى ربِّهم، قبل أن تُفْتَح الدُّنيا على المسلمين.
وهذه التَّربية الإسلاميَّة مِن شأنها أن ترفع معنويَّات المسلمين في الحياة، وتشدُّ عزائمهم، وتنفي السَّأم والضَّجر عن نفوسهم وقلوبهم، وتضع بينهم وبين الطَّريق التي تنحدر بكثير مِن النَّاس إلى الانتحار سدًّا منيعًا.
أمَّا من ترك الإيمان بالله واليوم الآخر، وكفر بالمفاهيم الإسلاميَّة العظيمة، تولَّد في نفسه السَّأم والضَّجر مِن الحياة عند أوَّل ضرٍّ يمسُّه، ومع تتابع أحداث الضَّجر مرةً بعد مرةٍ، تتكثَّف في نفسه ضغوطٌ قاتلةٌ، لا تجد لها منفذًا تتنفَّس منه؛ لأنَّ المتَنَفَّس الوحيد لا يأتي إلَّا عن طريق الإيمان بالله، واليوم الآخر، والرِّضى عن الله فيما تجري به مقاديره، مراقبة الأجر العظيم الذي أعدَّه الله للصَّابرين. وبعد تكثُّف ضغوط الضَّجر والسَّأم مِن الحياة دون أن تجد متنفَّسًا سليمًا، تحَدْثُ حالة الانفجار النَّفسي، وهذا الانفجار ينتهي به إلى الانتحار أو إلى الجنون، أو إلى الجريمة البشعة، أو إلى إدمان المسكرات والمخدِّرات، وفي كلِّ ذلك شرٌّ مستطيرٌ، وبلاءٌ كبيرٌ.
أمَّا المؤمنون فهم مِن هذا البلاء بعافية والحمد لله، وبلاد المسلمين هي أسلم البلاد وأنقاها مِن جرثومة هذا الوباء، وذلك بسرِّ الوقاية العجيبة التي يصنعها الإيمان، وتغذيها عناصر التَّربية الإسلاميَّة.
وقد أصيب بعض أبناء المسلمين في هذا العصر بأمراض أهل الكفر، لـمَّا تسرَّب إليهم داء الكفر بالله وبمقاديره وحكمته، والكفر باليوم الآخر وما فيه مِن جزاء بالثَّواب أو بالعقاب.