إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً
أبو الهيثم محمد درويش
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا
- التصنيفات: التفسير -
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} :
سمى ربنا سبحانه صلح الحديبية فتحاً رغم صد المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه عن العمرة ورغم تلك الشروط المجحفة التي أثبتت مدى حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمته وعزمه , فإن المولى الحكيم سبحانه أشار على الصلح بلفظ الفتح لأنه فتح باب الدعوة بعد أن أمن الناس و توقفت الحرب لعشر سنوات مقبلة وأصبحت الفرصة مواتية أمام الجميع للاستماع لدعوة الحق وأصبح الباب مفتوحاً لمن شاء أن يدخل الإسلام دون أذى , فدخل الناس في دين الله أفواجاً وأتم الله نعمته على رسوله وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهداه والمؤمنين من أمته إلى صراطه المستقيم , ثم نصره بعد ذلك نصراً عزيزاً يوم دخل مكة بعدها فاتحاً متواضعاً.
قال تعالى:
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا } [الفتح 1-3]
قال السعدي في تفسيره:
هذا الفتح المذكور هو صلح الحديبية، حين صد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء معتمرا في قصة طويلة، صار آخر أمرها أن صالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على وضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين، وعلى أن يعتمر من العام المقبل، وعلى أن من أراد أن يدخل في عهد قريش وحلفهم دخل، ومن أحب أن يدخل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقده فعل.
وبسبب ذلك لما أمن الناس بعضهم بعضا، اتسعت دائرة الدعوة لدين الله عز وجل، وصار كل مؤمن بأي محل كان من تلك الأقطار، يتمكن من ذلك، وأمكن الحريص على الوقوف على حقيقة الإسلام، فدخل الناس في تلك المدة في دين الله أفواجا، فلذلك سماه الله فتحا، ووصفه بأنه فتح مبين أي: ظاهر جلي، وذلك لأن المقصود في فتح بلدان المشركين إعزاز دين الله، وانتصار المسلمين، وهذا حصل بذلك الفتح، ورتب الله على هذا الفتح عدة أمور، فقال: { {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } }
وذلك -والله أعلم- بسبب ما حصل بسببه من الطاعات الكثيرة، والدخول في الدين بكثرة، وبما تحمل صلى الله عليه وسلم من تلك الشروط التي لا يصبر عليها إلا أولو العزم من المرسلين، وهذا من أعظم مناقبه وكراماته صلى الله عليه وسلم، أن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
{ {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } } بإعزاز دينك، ونصرك على أعدائك، واتساع كلمتك، { { وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } } تنال به السعادة الأبدية، والفلاح السرمدي.
{ {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا } } أي: قويا لا يتضعضع فيه الإسلام، بل يحصل الانتصار التام، وقمع الكافرين، وذلهم ونقصهم، مع توفر قوى المسلمين ونموهم، ونمو أموالهم.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن