لبس النظارة لا يعني جودة القراءة!!
حمزة بن فايع الفتحي
فليس له كتْبٌ هنالك أو فكرُ
وما غره إلا الممادحُ والغمرُ
- التصنيفات: طلب العلم -
ليس أشق على المرء العاقل، من أن يضع نفسه في غير موضعها، ويُنزل عقلَه منزلا صعبا. الحقائق تكون دعاوى كثيرا، عند الثقلاء والمجادلين والهارفين بما لا يعرفون! كيف يفقه المرء اذا أصر على الكلام بلا علم، أو طاش صوابُه، ونقل الجهالة موضع الوعي والفهامة.
كدعواك كلٌ يدعي صحة العقلِ
ومن ذا الذي يدري بما فيه من جهلِ.
كم مدعٍ للدعوة بلا تأهل، ولاعق للثقافة بلا طعومة، ومنتحلٍ للفكر بلا زي صحيح!
فليس له كتْبٌ هنالك أو فكرُ
وما غره إلا الممادحُ والغمرُ
تصدر الجهال فانكشفوا في لحظات، وعديمو الفكر، بلعتهم الأيام، والسبب التصدر بلا تأهل، والظهور دون سطور.
ليس كل من اشترى الكتب بات عليما، أو شمّها صار فَهيما ، وكذلك لابسو النظارات! ليس من ديمة النظر، أو سهر الليالي والساعات.
القميص الجميل كثيرا ما يبعث على الاحترام، فإذا ما تكلم صاحبه وانكشف عقله، ترك الناس قميصه وجماله، وكذلك الأفكار.
في مثل عالمي: لبس النظارة لا يعني القراءة ولا جودة القراءة!
بقدر ما أفادتنا ثورة المعلومات، إلا أنها كشفت المدعين والثقلاء وأرباب الضوضاء والفلاشات الخاوية، والحسابات المتكررة والدخيلة.
ثمة ثقافة وثمة تهريج ثقافي، ومن يعتقد النقد الفكري كملهاته بمباراة كرة قدم، فالرياضة أنفع لعقله.
قادة الفكر هم من تمكنوا علميا، وفقهوا واقعيا، وأعلنوا روح المبادرات. الفكر التشغيبي التشاكسي مدعاة للتهمة والتخلف والفرقة، وسخرية الآخرين.
لكل فن دخلاء ومجاهيل، يحسبون أنهم يحسنون صنعا، أو أنهم على شيء. والتلاقح الفكري التطبيقي يكشفهم للخلائق .
قديما في الوسط العلمي قالوا: من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب! من الحنَق والحمق أن تصارع بلا مبادرات مطروحة، او رؤى تنويرية متقدمة.
فهم الأدلة وحضورها في الصراعات الفكرية، مقدمة للرضا العلمي والوجاهي ، وإلا كان صاحبها في مغبة السذاجة والغباء الشبه العمد.( قل هاتوا برهانكم) سورة البقرة.
ولوج بوابة النقد من نافذة الجهل وسوء الفهم والإثارة الفارغة، أو الاتهام المبطن، والضجيج الإعلامي، مما يربأ المفكر عنه، وحتى الصحفي البسيط إذا احترم نفسه وعقله.
الهوس الإعلامي والبحث عن الحضور أضر بكثيرين، وجرعهم مرارات الاستعجال.
الساحات الثقافية تتسع لكثير من المبادرات، إذا حمل أصحابها هم الإصلاح المجتمعي والبناء الفكري.
يتنازع البشر على جدول صغير، وفِي الأرض ينابيع متدفقة، ولكن الجبن وضيق الأفق يحول عنها.
المثقف فكر وإنتاج، وحضور ومبادرة، وتفاعل وآراء مبتكرة.
النقدات الخاوية تكشفها ضعف الأدلة، وغِل التحامل، ودوافع الاجتثات، والتقاعس الاجتماعي. ثمة تهييج تويتري، وإذا خلت أدلته ومعطياته المقنعة، تبخر سريعا، وذاب كما يذوب الملح في الماء.
بطالة الداعية والمثقف تحملهما على النقد اللاذع، والتهجم العاتي، والافتراء الضاحك، والذي يذكرك بشر البلية ما يضحك.
ليست الثقافة جعجعة بلا أدلة، أو تهم بلا شواهد، أو ضوضاء بلا فائدة، فإنما ينبعث الصراخ من الأوعية الفارغة.
مشكلتك الذاتية والعقلية لا تحملها مجتمعا سعيدا عرف دربه، ومهر مسيرته.
لبسَ نظارةً وحمل الكتاب، وسافر وحضر! ولكن الفكر كما هو، والرصيد لم يتجدد.
المظاهر باتت فتنة لكثيرين، ومن المؤسف التعلق بها واعمتادها أبلغ من الجوهر والمضمون (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم).
في المجتمعات المتخلفة يسهل الهدم والتعكير ويستصعبون البناء والتغيير ، ويحملهم الهوى على انتهاش بعض. ( ولكن في التحريش بينهم).
محاربة مبادرات الآخرين ودرجات نجاحهم، وأنساق إصلاحاتهم أولى مقدمات التخلف العربي، ويشمّعها المستبد الحانق بشماعة الإرهاب والتطرف.
لو دعمت الإيجابية في حياتنا دعويا وثقافيا واجتماعيا وخيريا وإداريا، لتجاوزنا بنيات الطريق وارتقت معالمنا ومقاصدنا. ( ما ضربوه لك إلا جدلا) سورة الزخرف.
أزمة سوء الفهم الدعوي والثقافي والاجتماعي متجذّرة، بسبب عدم التأهيل العلمي والعقلي، وخلائق تضحك ولا تبالي:
وفِي كل يومٍ يولد المرء ذو الحِجى
وفِي كل يوم ذو الجهالة ُلحدُ.
الحياة مزرعة للغراس، وميدان للتنافس، وحدائق لشم الهواء، فكن معروفا بالبناء والإحسان، وليس بالهدم والسلبية، فلأن توقد شمعة، خير من أن تلعن الظلام مائة مرة.