فلسفة الصيام!!

حمزة بن فايع الفتحي

فالصائم يرى الشهوات فيعصمه إيمانه، وكلما حاول هواه، رده بالمجاهدة والصبر

  • التصنيفات: فقه الصيام -

 

شهر سنوي متكرر، وموسم له غايات وحِكم، وفلسفة لا تُدرك الا بحسن التأمل والادكار،. ومن صام مرة ومرتين بإعمال عقل، أدرك الحكمة، وفاز بالثمرة وحسن العاقبة، وأن هذا الدين عميق وآثاره عجيبة،.

فليس الجوع مقصداً لذاته هنا فحسب، وإنما وراءه مقاصد رفيعة سامية،.

( {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } ) [سورة البقرة] .

إنه تأكيد لفضل الروح على الجسد، وحاجة العبد لاستصلاحها من حين لآخر، والا يفرط في التنعم الجسدي، إن الصيام لمعجزة إسلامية تقضي أن يُحذف من الإنسانية كلها تاريخ البطن ثلاثين يوما في كل سنة،ليحل محله (تاريخ النفس)!.كما يقول الاستاذ الرافعي رحمه الله.

وهو يفسر التقوى هنا من (الاتقاء)، اي التباعد عن المسلك الحيواني في الحياة، وإعلاء جانب الروح، والا يكون المرء مقاتلا لبطنه وشهواته، ويستشهد لذلك بحديث الصحيحين ( الصوم جُنة ) اي وقاية، كمِجَن الحرب، تقيه شرور حيوانيته.

ولا اعتقد ان ثمة خلافا بين المفسرين والرافعي في حقيقة (لعلكم تتقون)، فهي تعني ذلك كله،

١/ التقوى: التي تباعد المسلم عن عذاب الله، بحسن عمله وامتثاله للشرائع، وخوفه من طرائق المعصية والاهمال، فالكف عن المفطرات بات شريعة، مآلها ان تثبت الإيمان، وتورث الخشية، وتطيب القلب.

٢/ الاتقاء: والذي يزكي النفس، ويؤطر الجسد، ويحميه من براثن الحيوانية، والا يعتاد ديمة الأكل والشرب، ويتربى على قلة الزاد والإرفاه، والجوع، وينتج عنه خصوبة القلب، قال سفيان الثوري رحمه الله ( إياكم والبطنة فإنها تقسي القلب ) وينتج كذلك ،

٣/ الصبر: الموروث من عملية الإمساك وإيثار ما عند الله، والكف عن تلكم المباحات، ولذلك سُمي رمضان شهر الصبر، قال تعالى ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) سورة الزمر . والصبر لا يتم ما لم يكن هناك مثابرة وتحمل، وقهر للشيطان وحبائله، لأنك تخوض معركة مع الشيطان، وتزييناته لبني آدم، وكذلك ما يعرف با،

٤/ المجاهدة: التي قال الله فيها( {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } ) [سورة العنكبوت] .

فالصائم يرى الشهوات فيعصمه إيمانه، وكلما حاول هواه، رده بالمجاهدة والصبر، وكذلك يجوع فيحتمل، ويعطش فيصبر، ويعتقد انه في عبودية لله، وربما اشتغل وكان ذا مهنة، ولا تحدثه نفسه بالتمرد الشيطاني، وإن حدثته قاوم ذلك وجاهد في الله حق جهاده، تدينا وأدبا وامتثالا،.

٥/ العفة: كما يعف الجسد عن الطعام، وتعف الروح وتزكو، كذلك يعف اللسان عن قول الباطل، وآفات الكلام، واتعاب النفس، فيعيش حلاوة السكون والسكوت، ويتعلم منهج( إني صائم )، فيسمع ولا يتكلم، ويشاهد ولا يجادل ، ويخرج بفضيلة الحلم والاناة والهدوء،. وهذا كله بفضل الصيام( «فإن سابه احد او قاتله فليقل إني صائم » ).

ويعف أيضاً الفرج أيضاً عن المحرمات ( «فإن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء» ) اي خصاء!. فلا يفكر فيما نهى الله عنه.

٦/ الصحة: التباعد الموقوت بساعات النهار عن كل مفطر، يصنع جسدا سليما، وروحا معتدلة، فترتاح المعدة، وتفرز فضلاتها، وتحرق دهونها، وتجني حلاوة الراحة والاستشفاء من كثير من الأمراض، ولذلك روي( صوموا تصحوا) رواه الطبراني وابن السني ولكنه لا يصح سندا وصح معنى وواقعا . وعلى المجال النفسي ذكر د. (يوري نيكولايف،) مدير معهد موسكو النفسي ،انه عالج اكثر من ٧٠٠٠ آلاف حالة نفسية بالصيام.

وهذه الصحة تحمل المسلم على السفر وتحمل اللأواء، وخوض المعارك كما حصل في بدر وفتح مكة.

٧/ القوة: وهي ثمرة الصحة والصبر، ان يصبح الجسد قويا بفضل الاستشفاء، والتمرن على قلة الزاد والجوع، ثم حضور الطعام في وقته، فإن المرء بعد الساعات الضامئة، يستعيد نشاطه بأكل الحلو، وما يسر الله تعالى له،.

٨/ اللين: الذي يجمعه حسن الخلق، حيث يضعف الجفاء، ويتلاشى الكبر، ويتسع التواضع، وتشع الرحمة، وتصقل شخصية المسلم بشكل كبير، فهو مدرسة تغني عن المعاهد التدريبية للتنمية الذاتية، لأنه تطبيق عملي على مكارم الأخلاق، ونافذة لمعالجة رذائل النفوس،.

( {قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها} ) [سورة الشمس] .

٩/ الإخلاص : جوع وظمأ، ينتهي بصاحبه الى حدائق الإخلاص، حيث يمسك ولا يدري به احد، فهو من اعجب العبادات الخفية، التي تربي غراس الإخلاص في الفواد( يدع طعامه وشرابه وشهوته من اجلي ، الصيام لي وأنا أجزي به ) كل العبادات لله، ولكن قالوا خص الصوم لانه سر بين العبد وربه، ومعاني السرية هنا أظهر من غيره.

١٠/ التغيير: تغيير العادات والسلوكيات السيئة الى عادات وسلوكيات حسنة، فهو شهر التغيير والعمل والتجاوز والارتقاء والصفاء والوعي، فإذا انضاف على ذلك ذكر وقرآن وتبتل، أورث الذهنية الصافية، والفكر المستنير، قال محمد بن واسع رحمه الله( من قل طعامه فهم وأفهم، وصفا ورقّ ).

وفقنا الله واياكم للفقه في دينه وتعلم شرائعه، والسلام.