مكونات الهم المنبري!!
حمزة بن فايع الفتحي
ولا زالت بعض المنابر تتعاطى الخطبة ككلمة عابرة، او نصح مجرد، او موعظة متلوة بلا مضمون وأهداف،. وبالتالي تقاصر الاهتمام، وضعفت الأمانة، واستهين بالعتاد والعدة،. وأضحى أكثرنا يغدو الى الهيجاء بغير سلاح،.الا من رحم الله
- التصنيفات: خطب الجمعة -
منبر الجمعة إشعاعة أسبوعية متوهجة، ومظلة إيمانية راسخة، ورسالة دعوية متجددة، ذات أبعاد تأثيرية عظيمة، تحط بظلالها على العقل الاجتماعي، والنفسية الاسلامية، فتنشر عبق الإيمان، ومزاهر الإحسان، وأفانين الرقائق ،. ولكن متى يحس بعضنا بذلك، فيقدرها حق قدرها، ويسعى لها سعيها، ويأتي البيوت من أبوابها،. فلا يحضر إلا وعقله حاضر، وقلبه نابض، ولسانه ذاكر، وقلمه دافق،.
يجتمع فيها صلاة وذكر وتلاوة وتطهر وابتهال وصفاء، مما يعني تعطش النفوس للقاء الأسبوعي، والطُعمة الإيمانية المنتظرة!. وما عساه الخطيب ان يقول، وينصح به ويرشد.
سل نفسك وقد بوأك الله هذه المنزلة، وأعلاك تلك المكانة:
هل أعددت للأمر عدته.
وجمعت للمنبر ذخيرته.
وهيأت له روحه.
وصقلت له رماحه.
فالمنبر أمانة، والخطابة مسؤولية، والكلمة طوق، والتأثير دقيق مكلف!!
ولا زالت بعض المنابر تتعاطى الخطبة ككلمة عابرة، او نصح مجرد، او موعظة متلوة بلا مضمون وأهداف،. وبالتالي تقاصر الاهتمام، وضعفت الأمانة، واستهين بالعتاد والعدة،. وأضحى أكثرنا يغدو الى الهيجاء بغير سلاح،.الا من رحم الله،.
قد تقول سلاح ماذا!؟
أقول لك:
أسلحة العلم ودقة الوعي، والتحضير المتقن، والأداء المنضبط، واللمسة الاجتماعية، والهم العريض.
لو اننا أعطينا الخطبة اهتماما عاليا، لعلت منابرنا، وارتجت أحياؤنا، وصدقت مواعظنا، وتصاعد رصيدنا.
وأيّ فلاحٍ الخطيبِ وقد نأت
مواعظُ لا تسلو له ورصيدُ
ولذا لا بد من تكوين الهم المنبري الجاد، المبلغ لغاياته، والمزحزح لسلبياته، والمعالج لترهلنا احيانا، وتساهلنا،. وأدواته كالتالي :
التحضير المتقَن: قراءة وجمعا، وأدلة وشواهد وقصصا، وتأملات ورصدا وإحصائيات ،.( {خذوا ما آتيناكم بقوة } ) [سورة البقرة والأعراف] . ومن الموسوعات المفيدة هنا بعد التفاسير وكتب الصحاح، كتاب نظرة النعيم وصلاح الأمة للدكتور سيد العفاني، وأشباهها من المراجع المتينة كخطب الشيوخ الجيدة.
الاهتمام المبكر: من اختيار العنوان، وتقريب لمادته، وتقييد الأفكار وما شاكله، وتحديده من أوائل الأسبوع، ما لم تطرأ موضوعات وقضايا مفاجئة،.
النظرة العلية: للمنبر ورسالته وتصوراته، ولماذا أتيت إليه،؟.( { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله} ) [سورة فصلت] . وتطلب الإخلاص فيه، وأمانة الكلمة، ومسؤولية النصيحة، والإلحاح على الباري بالمدد والتوفيق.
فإن علت النظرة، صاحبتها الثمرة، فبرزت من القشرة، وسارت بلا غمرة، وكانت في حنايا الآفاق، وطارت به الأقوام والرفاق،.
استشعار مسؤوليته ورسالته: وأنه من أسمى الرسائل، وأعظم العوائد، فمثله يصدق عليه لقب الداعية الناصح، والواعظ المشفق، الذي يحترق للهداية، ويحن للتاثير، مستحضرا حال رسول الله من الشدة والغضب واحمرار الوجه، وتغير الملامح، ليبلغ الحق مداه، وتصل الرسالة لغايتها،.
احترام عقول الناس : ورصد أعينهم وطموحهم وتطلعاتهم، مما يحمل الخطيب على إشعال الهمة والاستعداد الجاد.
لا سيما وهو يترقب كيف يفيدهم، ويتلمس أحوالهم ، فيحرص على المفيد الجاذب، والعزيز النادر، مما لم يكرر فيهجر، او يعاب فينكر،.
وقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله في الهدي النبوي:
وكان مدار خطبه على حمد الله والثناء عليه بآلائه وأوصاف كماله ومحامده، وتعليم قواعد الإسلام، وذكر الجنة والنار، والمعاد، والأمر بتقوى الله، وتبيين موارد غضبه، ومواقع رضاه، وكان يقول في خطبه: (أيها الناس إنكم لن تطيقوا، أو لن تفعلوا كل ما أُمِرْتُم به؛ ولكن سدِّدُوا وأبْشِروا)، وكان يخطب في كلِّ وقْتٍ بِما تقتضيه حاجة المُخاطبين ومصلحتهم.
وعي جوهر الخطبة: من روعة موضوع، وجودة اداء، وتهمم نفسي، ولغة فصيحة واضحة، غير معقدة ولا متكلفة، وحسن استهلال، ورفع وانخفاض، ودقة وإيجاز وفي الحديث ( ان طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه ) اي علامة على فقهه ووعيه،.
وما استطالت الموضوعات الحسان الا هانت واستهان بها الجمع، وقلت فائدتها.
وكما أن تطويل الصلاة فتنة وبلاء، فكذلك الخطبة فتنة وإملال وتنفير.
دفع الكسل الالكتروني: الذي يحول دون البحث الجاد ، وانتهاج التصوير المطلق، وأسلوب القص واللصق، وتحويل النعمة الالكترونية من مواد مؤثرة نافعة الى شكل من الترهل الفكري والتنظيمي لمنبر الجمعة،.
ولا بأس أن يستفيد الخطيب من النت وعجائبها ومقترحاتها، ولكن لا تلغي عقله وجده وحزمه،
ومن المستظرف ان بعض الخطباء لا يسحب خطبة النت الا صبيحة الجمعة، فيأتي بلا مراجعة وتحرير، فيحار في جملة، أو يتلكأ في لفظه،
كما قيل:
وربما صوّر يوم الجمعة
مخلطا أوراقه في سرعةِ.
بخلاف من يقرا ويدقق ويزيد ويحذف.
ولو كتب لامتزج ذاك بعصبه ودمه، وتفاعل معه حسه ووجدانه ، وبنى أرشيفا منبريا يطالعه يوما من الأيام.
التربية الذاتية: بالتأهيل والتدريب، والقراءة المتعمقة في فقه المنبر ورسالته، والاندماج في الدورات التنموية والإعدادية، التي تصلح الهيئة والأداء والخطاب، وتقوم السلوك الخطابي،.وتجعل شخصيتك المنبرية مباينة للكلمات التقليدية والوعظ المكرر،.
لابد للخطبة من اذن واعية تفقه دوره ورسالته، وأنه مما يعز به دين الله، ويغتاظ منه الأعداء.. والله الموفق!.