وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر!!

حمزة بن فايع الفتحي

وثمة (بدور) في المدارس والمعاهد والجامعات وجل الدوائر، همشهم صحابهم، وعكفوا على تهريج اجتماعي لم يزدنا إلا ضعفا وهوانا.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

لم يكن الشاعر أبو فراس الحمداني نرجسيا للغاية ، حينما كشف عن دوره، ودور العنصر المؤثر في الحياة ، إذا تنكر له أحبابه، أو خذله صحابه، وتركوه في مَعمعة المواجهة مع المخاطر.

وإنما نبه في سياق فخري عن فئة مهملة أو تضيع أحيانا.

ولن يعرف قدر تلكم الشخصية الذهبية إلا إذا اشتدت الأمور، وضاقت الأحوال، وقلّ الناصر والمعين،

وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر.

ثمة بدر علمي، خذله طلابه، ولم يقفوا له في محنته وشغله.

وبدر فكري، لم يُعرف فضله وقد تسلطت التيارات الهدامة والسخيفة، ولم يوصل بعدُ لحسن الرد وأفخمه، إلا جهودا متفرقة،.

وبدر دعوي، يخطف بكلامه الألباب، شعّ وبرق، قصرت دون علائه الآمال، وبدر اجتماعي يهب ويعطي ويخدم المحتاجين بلا تقصير أو تقاعس!! يدور في كوكب المروءة ومكارم الأخلاق!.

وبدر مسجدي قد أحيا الله به المسجد، وأشرق بدوره الحي فأنتج في حوالك الظروف، ومدلهمات الأمور .

وأذكر مقولة رائعة للإمام الشافعي في الإمام الليث بن سعد رحمهما الله( الليث أفقه من مالك ولكنَّ أصحابه لم يقوموا به ).

وبدر مالي سخائي، بزغت غراسه في كل مكان، وذكرك بأجواد الرجال كأبي بكر وعثمان وابن المبارك رضي الله عنهم!. (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) سورة الحشر.

وبدر إداري، تبكي على أيامه وقد لاقيت بعده الملاقي والرزايا التخلفية!.

وثمة (بدور) في المدارس والمعاهد والجامعات وجل الدوائر، همشهم صحابهم، وعكفوا على تهريج اجتماعي لم يزدنا إلا ضعفا وهوانا.

كم من ضحيج إعلامي صداح، وكم من صحافة سيارة، ولكنها سُخرت لغير أهلها، او اكتنفت المضرة والأذية!! ويا ترى كم ضيعت فيهم أموال، واستنفدوا من أعمار وأوقات.

من المؤسف القاتل، أن تهتم وسائل الإعلام ببدور تعيسة وتترك البدور المضيئة، وتطبل للضلالة وتهجر رموز الهداية، وتفخر بالمهرجين وتتجاهل الجادين المنتجين!!

أين هم من رجالات المهام الصعبة، ومشاعل الأزمات، وبدور الليالي المظلمة، ووجهاء الناس المتواضعين، والباذلين في شتى الظروف!؟. وإنما اختفوا بسبب :

عدم تقدير دورهم ومواهبهم، ( ستعرفني إذا جربت غيري ).

وكما قيل:

سدّد خلالك من مال تجمّعه

حتى تلاقي الذي كلُّ امرئٍ لاقي

لتَقرعنّ علي السنَّ من ندم

إذا تذكرتَ يوماً بعضَ أخلاقي

 

غياب الحس الدعوي والتنموي والإصلاحي والحضاري الحقيقي، والتركيز على الهم الدنيوي البراق الهش .

الحفاوة بالمهرجين والحمقى والمطبلين إعلاميا ودراميا وترفيهيا ورياضيا، ونسيان ذوي الأثر من علماء وأطباء ومهندسين ومبتكرين!.

تشوش الرؤية والمنهج وسوء فهم الحياة ومتطلباتها!.

الخلط بين الهزل والجد والعبث والإتقان ، وعدم التمييز في الاحتياج الاجتماعي والثقافي والحضاري!.

اختلاط مفاهيم النجاح والتفوق والبطولة والإبداع والإنجاز، وحسن العمل، بمفاهيم أخرى ليست منها!.

خذلانهم في مشكلاتهم وأزماتهم من ضيقة أو فقر ومساعدة!.

وقديما قال الشيخ العلامة عبد الوهاب المالكي رحمه الله، وقد خرج من بغداد بسبب الحاجة:

بغدادُ دارٌ لأهل المال طيبةٌ

وللمفاليس دارُ الضنك والضيقِ

ظلِلتُ حيرانَ أمشي في أزقتها

كأنني مصحف في بيت زنديقِ

جرَيان الناس وراء الدنيا ومصالحهم الشخصية،. أو سيطرة مبدأ النفعية على أذهانهم وتصوراتهم!. وفِي الدعاء النبوي المشهور( اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ).

وإن التماسنا لأدوار أولئك المثمرين مما توجبه إخوة الإسلام، ومقتضيات المروءة، ووثبات العقل، ومعالم النهضة الحقيقية، لأننا إنما ننهض بهؤلاء وجدهم وطيب طروحاتهم، وحسن مقترحاتهم،. فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم!. كما قال الإمام أحمد

رحمه الله في الأعلام النجوم!.

والوعاة من المجتمع من يحسنون هذا الأثر، ويغيرون المفاهيم المغلوطة، ويعرفون للأفاضل مقدارهم، والله الموفق!.