فتول عنهم فما أنت بملوم
أبو الهيثم محمد درويش
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ * وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ
- التصنيفات: التفسير -
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} :
أمران من الله لكل مؤمن مبلغ لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم:
أما الأمر الأول : فهو الإعراض عمن أعرض وكذب واستكبر وبالغ في الاستكبار , وعدم الاكتراث بأمرهم فذنبهم مسحوب عليهم إذا ما بلغ الداعية وفعل ما عليه.
وأما الأمر الثاني : فهو التذكير المستمر لأهل الإيمان المقبلين على الله بقلوبهم والفرحين بأمره مبادرين لفعله والوجلين من عذابه مجتنبين لنهيه.
قال تعالى :
{ {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ * وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} } [الذاريات 54-55]
قال السعدي في تفسيره:
يقول تعالى آمرًا رسوله بالإعراض عن المعرضين المكذبين: { {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} } أي: لا تبال بهم ولا تؤاخذهم، وأقبل على شأنك.
فليس عليك لوم في ذنبهم، وإنما عليك البلاغ، وقد أديت ما حملت، وبلغت ما أرسلت به.
{ {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } } والتذكير نوعان: تذكير بما لم يعرف تفصيله، مما عرف مجمله بالفطر والعقول فإن الله فطر العقول على محبة الخير وإيثاره، وكراهة الشر والزهد فيه، وشرعه موافق لذلك، فكل أمر ونهي من الشرع، فإنه من التذكير، وتمام التذكير، أن يذكر ما في المأمور به ، من الخير والحسن والمصالح، وما في المنهي عنه، من المضار.
والنوع الثاني من التذكير: تذكير بما هو معلوم للمؤمنين، ولكن انسحبت عليه الغفلة والذهول، فيذكرون بذلك، ويكرر عليهم ليرسخ في أذهانهم، وينتبهوا ويعملوا بما تذكروه، من ذلك، وليحدث لهم نشاطًا وهمة، توجب لهم الانتفاع والارتفاع.
وأخبر الله أن الذكرى تنفع المؤمنين، لأن ما معهم من الإيمان والخشية والإنابة، واتباع رضوان الله، يوجب لهم أن تنفع فيهم الذكرى، وتقع الموعظة منهم موقعها كما قال تعالى: { { فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى} }
وأما من ليس له معه إيمان ولا استعداد لقبول التذكير، فهذا لا ينفع تذكيره، بمنزلة الأرض السبخة، التي لا يفيدها المطر شيئًا، وهؤلاء الصنف، لو جاءتهم كل آية، لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن