والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان
أبو الهيثم محمد درويش
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ * وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ
- التصنيفات: التفسير -
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} :
من أشد لحظات أهل الإيمان فرحاً وسروراً أن يلحق الله بهم ذريتهم المؤمنة ويجمعهم في النعيم المقيم بلا خوف فقر ولا مرض ولا فراق بل سعادة أبدية لا كدر فيها ولا تنغيص.
وهذا يجعل المؤمن أكثر حرصاً في الدنيا على صلاح ذريته , فشرط التلاقي الأبدي والنعيم المقيم الذي لا ينفد هو أن تتبع الذرية الآباء على الإيمان.
وأمدهم سبحانه بفاكهة مختلفة الطعوم والألوان ولحم طير مما تشتهيه الأنفس ولا تتخيل العقول مدى حسنه وجودته فالعلاقة بينه وبين طعام الدنيا مجرد اشتراك في المسميات, أما طعام الجنة فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
تدور على مجالسهم كؤوس خمور لا إثم فيها ولا تغير ولا ذهاب عقول , في مجالس يعمها السرور لا لغو فيها ولا نميمة ولا فجور.
قال تعالى:
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ * وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} [ الطور. 21-23]
قال السعدي في تفسيره:
وهذا من تمام نعيم أهل الجنة، أن ألحق الله بهم ذريتهم الذين اتبعوهم بإيمان أي: الذين لحقوهم بالإيمان الصادر من آبائهم، فصارت الذرية تبعا لهم بالإيمان، ومن باب أولى إذا تبعتهم ذريتهم بإيمانهم الصادر منهم أنفسهم، فهؤلاء المذكورون، يلحقهم الله بمنازل آبائهم في الجنة وإن لم يبلغوها، جزاء لآبائهم، وزيادة في ثوابهم، ومع ذلك، لا ينقص الله الآباء من أعمالهم شيئا، ولما كان ربما توهم متوهم أن أهل النار كذلك، يلحق الله بهم أبناءهم وذريتهم، أخبر أنه ليس حكم الدارين حكما واحدا، فإن النار دار العدل، ومن عدله تعالى أن لا يعذب أحدا إلا بذنب، ولهذا قال: { {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } } أي: مرتهن بعمله، فلا تزر وازرة وزر أخرى، ولا يحمل على أحد ذنب أحد. هذا اعتراض من فوائده إزالة الوهم المذكور.
وقوله: { {وَأَمْدَدْنَاهُمْ} } أي: أمددنا أهل الجنة من فضلنا الواسع ورزقنا العميم، { {بِفَاكِهَةٍ} } من العنب والرمان والتفاح، وأصناف الفواكه اللذيذة الزائدة على ما به يتقوتون، { وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ } من كل ما طلبوه واشتهته أنفسهم، من لحم الطير وغيرها.
{ {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا } } أي: تدور كاسات الرحيق والخمر عليهم، ويتعاطونها فيما بينهم، وتطوف عليهم الولدان المخلدون بأكواب وأباريق وكأس { { لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} } أي: ليس في الجنة كلام لغو، وهو الذي لا فائدة فيه ولا تأثيم، وهو الذي فيه إثم ومعصية، وإذا انتفى الأمران، ثبت الأمر الثالث، وهو أن كلامهم فيها سلام طيب طاهر، مسر للنفوس، مفرح للقلوب، يتعاشرون أحسن عشرة، ويتنادمون أطيب المنادمة، ولا يسمعون من ربهم، إلا ما يقر أعينهم، ويدل على رضاه عنهم ومحبته لهم.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن