مظاهر العلمانية قي بلاد المسلمين:المقال السابع
ملفات متنوعة
فقد حمل العبء الأكبر منه الحركة التي أسميت "حركة النهضة النسائية " وأشهر رائداتها :هدى شعراوي وسيزا نبراوي سكرتيرتها، وباحثة البادية ومنيرة ثابت، وقد التف حولهن عصبة ممن خلعن رداء الحياء وسخرن أنفسهن لخدمة الدوائر الصليبية
- التصنيفات: مذاهب فكرية معاصرة -
وكانت الصحافة أعظم المؤيدين للفكرة التي انتشرت في بلاد الشام والمغرب على أثر نجاحها في مصر.
أما بلاد الشام فمن الواضح أن الدعوة فيها تعرقلت بالنسبة لمصر حتى إن أول كتاب يتحدث عنها لم يصدر إلا سنة 1928م أي بعد وفاة قاسم بعشرين سنة، وهو الكتاب الذي ألفته - أو ألف باسم - نظيرة زين الدين بعنوان "السفور والحجاب " ولعل مما يثير الانتباه أن الذي قرظه هو علي عبد الرازق صاحب (الإسلام وأصول الحكم ) وكان مما قال :
"إني لأحسب مصر قد اجتازت بحمد الله طور البحث النظري في مسألة السفور والحجاب إلى طور العمل والتنفيذ، فلست تجد بين المصريين إلا المخلفين منهم من يتساءل اليوم عن السفور هو من الدين أم لا ومن العقل أم لا ومن ضروريات الحياة الحديثة أم لا بل نجدهم حتى الكثير من الرجعيين المحجبين منهم يؤمنون بأن السفور دين وعقل وضرورة لا مناص لحياة المدينة عنها".
هذا من الوجهة النظرية أما التطبيق الواقعي للفكرة فقد حمل العبء الأكبر منه الحركة التي أسميت "حركة النهضة النسائية " وأشهر رائداتها :هدى شعراوي وسيزا نبراوي سكرتيرتها، وباحثة البادية ومنيرة ثابت، وقد التف حولهن عصبة ممن خلعن رداء الحياء وسخرن أنفسهن لخدمة الدوائر الصليبية.
في ذلك الجو العاصف انبرت هدى ورفيقاتها للدفاع عن حقوق الوطن وطرد المحتلين ولكن بماذا؟ لقد خرجن في مظاهرة ومزقن الحجاب وأحرقنه في ميدان عام، وكان هذا أعظم إسهام منهن في الثورة،وإذ حدث أن الجنود البريطانيين - لحاجة في نفس يعقوب - طوقوا الشوارع ساعة المظاهرة واعتدوا على بعض المتظاهرات – فقد بدا ذلك في أعين الشعب محاولة من بريطانيا لمنع المرأة المصرية من التحرر، وبذلك اكتسبت الحركة صفة البطولة الوطنية!!.
وتظهر الحقيقة أجلى وأوضح إذ علمنا أنه في تلك الفترة نفسها كان أتاتورك يهدم الإسلام تحت زيف البطولة الوطنية أيضاً.
لقد اعتبرت هذه البطولة مبرراً كافياً للانقضاض على الأخلاق بل لمهاجمة أحكام الإسلام علانية، إذ ردد دعاة الإباحية قولهم :أليس الجنس اللطيف الذي أدى دوره في الثورة الوطنية بإخلاص جديراً بأن يتساوى في كل شيء مع الجنس الخشن ؟ أتريدون أن تقدم المرأة للوطن كل شيء ولا يقدم الوطن لها شيئاً ؟.
ولكن الحق لم يلبث أن انكشف وإذا بالحركة النسائية في حقيقتها حركة عملية مريبة ترتبط خارجياً بالدوائر الاستعمارية وداخلياً بالزعماء المصطنعين.
.......وكان من ثمرة الحركة النسائية ولادة الصحافة النسائية، فقد صدرت مجلة "فتاة الشرق " قبل الحرب العظمى الأولى، ومما تجدر الإشارة إليه أن كل عدد من أعدادها يحوي نماذج وصوراً لأزياء الشهر . التي ظهرت في أوروبا، الأمر الذي مهد لوقوع المرأة المسلمة في شباك مصيدة الأزياء اليهودية كما وقعت المرأة النصرانية في الغرب.
وأسهمت المجلات غير النسائية بنصيبها في الحركة فكانت "الهلال " ومثلها المقتطف والعصور تنشر إلى جانب المناقشات الفكرية للموضوع صور المتبرجات من شرقيات وغربيات وتحيطها بهالة من التعظيم تغري القارئات بمحاكاتهن.
وفي المجال التعليمي حرص لطفي السيد وطه حسين وأتباعهما على أن يكون التعليم مختلطاً فيه الذكور والإناث واشتد الصراع في الجامعة من أجل ذلك، وكتب الرافعي "شيطان وشيطانه" رداً على طه حسين وسهير القلماوي، كما كتب مقالاً يحيي فيه طلبة الجامعة الذين رفضوا الاختلاط ولكن الانتصار كتب لدعاة الاختلاط، فقد كان في صفهم الزعماء السياسيون – ومعظم الصحف، وكل القوى الدخيلة من مبشرين ومستشرقين في الجامعة وغيرها، إذ أن هذه القوى مجتمعة فزعت لظهور الحركة الإسلامية الطلابية وحاربتها أشد الحرب.
ولم يقنع الكتاب النسائيون بما حققته الدعوة من مكاسب ونجاح ولعل مرد ذلك إلى أن الأسياد ينتظرون المزيد، بل ظلت الحرب النفسية مستمرة فبعضهم يغرق في المبالغة والوهم حتى يجعل وضع المرأة هو المسئول عن مشكلات مصر من أولها إلى آخرها، كما قال سلامة موسى :
"تعدد مشكلاتنا يوهم اختلافها في الأصل وإنها لا يتصل بعضها ببعض، ولكن المتأمل المفكر يستطيع أن يجد النقطة البؤرية لجميع هذه المشكلات والنقطة البؤرية الوحيدة هنا هي أن نظامنا الإقطاعي في نظرته للعائلة ومركز المرأة والأخلاق الأبوية والنظرة الاجتماعية، كل هذا يعود إلى مشكلة واحدة هي أن آراءنا الإقطاعية القديمة التي ورثنا معظمها عن الدولة الرومانية الملعونة (لا يريد أن يعترف بالإسلام ) لم تعد تصلح للحياة العصرية وأن متاعبنا وأرزاءنا واصطداماتنا تنبع من هذا الكفاح الذي نكافحه نحو ديمقراطية جديدة نتخلص بها من الحياة الإقطاعية ".
أما إسماعيل مظهر فقد جمع شبهاته القديمة وآراء غيره ونسقها في كتاب أسماه (المرأة في عصر الديمقراطية) جاء فيه :
.........."لقد اتخذ الرجعيون الذين يرهبون التطور فرقا من أوهام سلطت عليهم أو رغبة في بسط سلطانهم على النساء …من بضعة نصوص أشير بها إلى حالات قامت في عصور غابرة سبيلاً إلى استعباد النساء استعباداً أبدياً، لقد حضت المرأة في ذلك العصر أن تقر في بيتها وان لا تتبرج تبرج الجاهلية الأولى " ثم أخذ يناقش كلا الدليلين :
"إن المعنى الذي يستخلصه أصحاب الرجعية من حض المرأة على أن تقر في البيت معنى غامض كل الغموض الذي يكتنفه فإنهم لا يريدون أن يفسروه حتى تتحدد المعاني القائمة في نفوسهم منه.
أما إذا أرادوا أن تكون المرأة سجينة البيت فكيف يوفقون بين هذا المعنى وبين حاجات الحياة الضرورية ؟ وإذا أرادوا أن يكون تفسيره أن تقر المرأة في البيت إذا لم يكن لها ما يشغلها خارجه، فلذلك هو الواقع في حياتنا الحديثة " .
"... ولكن المصيبة التي أصابنا بها أولئك المستغرقين (كذا) في النظر في الحياة بمنظار القبلية البدائية، أنهم يعتقدون أن كل تجمل تبدو به المرأة هو تبرج وأنه تبرج الجاهلية الأولى، ذلك في حين أن كلمة "التبرج"ليس لها حدود التمرينات الرياضية، وفي حين أنه لم يصلنا عنهم وصف شامل لتبرج الجاهلية الأولى !!!".
"... فغالب الظن بل الأرجح تغليباً أن المقصود به (أي التبرج عادة ألفت في الأزمان الأولى كانت في نشأتها شعيرة من شعائر الوثنية، أي شعيرة دينية، فإن البغاء على ما يعرف الآن من تاريخه وتطوره قد نشأ في أوله نشأة دينية، فكان شعيرة من شعائر التقرب من الآلهة …".
ثم يقول :
"فلما جاء الإسلام..عطف إلى ناحية المرأة فاعتبرها نصف إنسان وأضفى عليها من الكرامة والاحترام ذلك القدر الذي لا يزال حتى الآن موضع انبهار كل المشترعين " …غير أن خمسة عشر قرناً من الزمان كافية في الواقع لأن تهيئ العقلية الإنسانية إلى خطوات أخرى في التشريع للمرأة...".
"ومن هذه الناحية لا أرى ما يمنع مطلقاً من أن ترفع المرأة إلى منزلة المساواة بالرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية : في الميراث وفي قبول الشهادة وفي العمل وفي الاستقلال الفكري والاقتصادي،وبالجملة في جميع الأشياء التي تكمل بها إنسانيتها، ذلك بأنها إنسان"
ثم تلاه خالد محمد وكتابه (الديمقراطية أبداً) وكان نصيب المرأة من الديمقراطية شيئين :
1- حق المرأة في وقف تعدد الزوجات، وعلى ذمته ينسب إلى محمد عبده أنه قال "يجب تحريم التعدد الآن عملاً بحيث لا ضرر ولا ضرار".
2- تأميم الطلاق-على حد تعبيره - .
........وهكذا ظل الناعقون يصيحون من كل مكان ويسلكون كل اتجاه –فكرياً أم عملياً – حتى آل الأمر إلى الواقع المؤلم الذي عبر عنه أوفى تعبير "جان بول رو "بقوله :
"إن التأثير الغربي الذي يظهر في كل المجالات ويقلب رأساً على عقب المجتمع الإسلامي لا يبدو في جلاء أفضل مما يبدو في تحرير المرأة "
لقد عمت الفوضى الأخلاقية العالم الإسلامي من أقصاه إلى أدناه على تفاوت في ذلك، وتولى الجيل الذي رباه المستعمرون تربية جيل جديد أكثر مسخاً وانحلالاً، وحوربت أحكام الله على يد أبطال الاستقلال أكثر مما حوربت بأيدي المستعمرين، ولنستمع إلى "رو"وهو يقرر ذلك قائلاً :
"في تركية سنة 1929م صدر قانون مدني على غرار قانون "نوشاتيل" المدني السويسري فحرم تعدد الزوجات وقضى على الحجاب والحريم ونظرة الطلاق، وفي برهة وجيزة جعل من المرأة التركية شقيقة المرأة السويسرية وصنوها ".
"وفي الجزائر أوحت الثورة للنساء بالكفاح فخرجت العذارى المحاربات من بيوتهن ونزعن الحجاب لأول مرة منذ أن اعتنقت بلادهن الإسلام، وهنا تكون المعركة النضالية قد فعلت ما عجز السلام عن فعله " أي كما فعلت الثورة الشعبية المصرية ".
وفي تونس "أعلن السيد بورقيبة عدة قرارات هي بمثابة ثورة تعدد الزوجات وجعل السن الدنيا لزواج الفتاة الخامسة عشرة ثم تحرير المواطنين والمواطنات الذين تخطوا العشرينات من عمرهم من موافقة الوالدين إذا ما أرادوا عقد الزواج، وفي نفس الوقت أعلن السيد بورقيبة... بأن الطلاق لا بد من أن يخضع للمحاكم .."
هذا وقد نشرت مجلة العربي في استطلاع لها عن تونس صورة للوحات الدعاية المنصورية في الشوارع ففي كل ميدان لوحتان إحداهما تمثل أسرة ترتدي الزي المحتشم مشطوبة بإشارة (×) والأخرى تمثل أسرة متفرنجة ومكتوب تحتها "كوني مثل هؤلاء " !
إلى جانب ذلك يأتي التعليم المختلط والنوادي المختلطة والشواطئ (البلاجات) المختلطة، وتأتي الأزياء الخليعة المستوردة من بيوت اليهود في الغرب، وتأتي موانع الحمل ووسائل الإجهاض.
إلى جانب ذلك يكون الاختلاط الفاضح في دوائر الحكومة والمؤسسات وفي وسائل المواصلات وفي الشقق والمساكن وفي كل مكان في معظم أقطار العالم الإسلامي.
إن التربية غير السليمة لا يمكن أن تنتج إلا جيلاً غير سليم، وها هو ذا الجيل المعاصر المنكود تتجاذبه الشهوات والشبهات وتمزقه التناقضات والغوايات، وتغتاله النزوات المتهورة القاتلة، فلا يستطيع إلا أن يسلم نفسه ذليلاً لشياطين الجن والإنس ينهشون فكره وجسمه ويلهبون ظهره بسياطهم حتى يسقط شلوا ممزقاً على مذبح الفسق والإباحية.
والعجيب حقاً أنه مع هذه النذر كلها لا تزال الدعوات المحمومة على أشدها ولا تزال الموجه في عنفوانها ولا تزال الصيحات تتعالى من كل مطالبة بنبذ التقاليد وفصل الأخلاق عن الدين.