وأن سعيه سوف يرى
أبو الهيثم محمد درويش
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا *وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى
- التصنيفات: التفسير -
{وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} :
سعي الإنسان في الدنيا معروض على ربه يوم القيامة , ليجازي كل محسن بإحسانه وكل مسيء بما قدمت يداه , إليه وحده ترجع الخلائق بأعمالهم , وتنتهي إليه كل الأحداث.
وحده من يملك أسباب السعادة والفرح ووحده من يملك أسباب الحزن والطرح , وحده يملك الحياة والموت ووحده خلق الخلائق أزواجاً من ذكر وأنثى , خلق الجميع من نطفة من ماء مهين , وأحياهم ورزقهم فكان منهم أعبد العابدين وكان منهم إبليس اللعين, ثم توفى كل نفس بما كسبت ويقبض الله الخلائق كلهم ويجمعهم في دار أخرى , دار حساب لا دار عمل , دار نعيم مقيم أو عذاب وجحيم.
قال تعالى :
{وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا *وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى } . [ النجم 40-47]
قال السعدي في تفسيره:
{ {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} } في الآخرة فيميز حسنه من سيئه، { {ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} } أي: المستكمل لجميع العمل الحسن الخالص بالحسنى، والسيئ الخالص بالسوأى، والمشوب بحسبه، جزاء تقر بعدله وإحسانه الخليقة كلها، وتحمد الله عليه، حتى إن أهل النار ليدخلون النار، وإن قلوبهم مملوءة من حمد ربهم، والإقرار له بكمال الحكمة ومقت أنفسهم، وأنهم الذين أوصلوا أنفسهم وأوردوها شر الموارد، وقد استدل بقوله تعالى: { {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} } من يرى أن القرب لا يفيد إهداؤها للأحياء ولا للأموات قالوا لأن الله قال: { {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ مَا سَعَى} } فوصول سعي غيره إليه مناف لذلك، وفي هذا الاستدلال نظر، فإن الآية إنما تدل على أنه ليس للإنسان إلا ما سعى بنفسه، وهذا حق لا خلاف فيه، وليس فيها ما يدل على أنه لا ينتفع بسعي غيره، إذا أهداه ذلك الغير له، كما أنه ليس للإنسان من المال إلا ما هو في ملكه وتحت يده، ولا يلزم من ذلك، أن لا يملك ما وهبه له الغير من ماله الذي يملكه.
وقوله: { {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} } أي: إليه تنتهي الأمور، وإليه تصير الأشياء والخلائق بالبعث والنشور، وإلى الله المنتهى في كل حال، فإليه ينتهي العلم والحكم، والرحمة وسائر الكمالات.
{ { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} } أي: هو الذي أوجد أسباب الضحك والبكاء، وهو الخير والشر، والفرح والسرور والهم والحزن، وهو سبحانه له الحكمة البالغة في ذلك،
{ {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} } أي: هو المنفرد بالإيجاد والإعدام، والذي أوجد الخلق وأمرهم ونهاهم، سيعيدهم بعد موتهم، ويجازيهم بتلك الأعمال التي عملوها في دار الدنيا.
{ {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ } } فسر الزوجين بقوله: { { الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} } وهذا اسم جنس شامل لجميع الحيوانات، ناطقها وبهيمها، فهو المنفرد بخلقها، { {مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى } } وهذا من أعظم الأدلة على كمال قدرته وانفراده بالعزة العظيمة، حيث أوجد تلك الحيوانات، صغيرها وكبيرها من نطفة ضعيفة من ماء مهين، ثم نماها وكملها، حتى بلغت ما بلغت، ثم صار الآدمي منها إما إلى أرفع المقامات في أعلى عليين، وإما إلى أدنى الحالات في أسفل سافلين.
ولهذا استدل بالبداءة على الإعادة، فقال: { {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} } فيعيد العباد من الأجداث، ويجمعهم ليوم الميقات، ويجازيهم على الحسنات والسيئات.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن