دعوى الإسلام الليبرالي: المقال الثاني

ملفات متنوعة

ومدرسة الإسلام الليبرالي ذات تنوع عجيب في أشخاصها وأفكارها وأهدافهم ومقاصدهم وارتباطاتهم ومستوى آرائهم من حيث الغلو، فهي مكونة من نسيج متعدد يشكل تأويل الإسلام لموافقة العصر (العصرانية) قاعدته المشتركة.

  • التصنيفات: مذاهب فكرية معاصرة -

يقول حسن حنفي: " نشأت العلمانية استردادا للإنسان، ولحريته في السلوك والتعبير، وحريته في الفهم والإدراك، ورفض لكل أشكال الوصاية عليه، ولأي سلطة فوقية إلا سلطة العقل والضمير!  العلمانية إذن هي أساس الوحي، فالوحي علماني في جوهره، والدينية طارئة عليه من صنع التاريخ "   . والفصل بين الدين والدولة، واعتبار الدين شأنا شخصيا بينما الدولة أمرا مدنيا يبني على العقل والمصلحة من النقاط التي اتفق عليها كتاب المدرسة العصرانية الحديثة منذ أيام علي عبد الرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم وإلى زماننا المعاصر   .
ولاشك أن العصرانية وسيلة موصلة إلى العلمانية فيما مضى، أما الآن فقد اتفق العصرانيون والعلمانيون في تأويل عقائد الإسلام وأحكامه وأخلاقه ليتوافق مع التحديث الغربي، وهذا ما أصبح يعرف بالإسلام الليبرالي. 
وقضية الموقف من الآخر والاعتراف به من أهم القضايا التي يناقض فيها دعاة الإسلام الليبرالي أصول الدين وحقيقة الإسلام والولاء والبراء. 
فالأديان السماوية متساوية في الصحة والقبول – عندهم -، وهذا يقتضي عدم تكفير الآخر المنافي في أساس الدين، يقول عبد العزيز كامل: "ونحن في منطقة الشرق الأوسط نؤمن بالتوحيد بطريقة أو بأخرى. وأقولها واضحة يستوي في هذا الإسلام والمسيحية واليهودية، حتى الإيمان بالأقانيم الثلاثة في الفكر المسيحي يختم بإله واحد، هذه منطقة توحيد والصور تختلف، حتى في مصر القديمة مع التعدد الظاهري كان للآلهة كبير هو أوزير   . وتقف فكرة الاعتراف بالآخر واعتقاد صحة إيمانه، و في أقل تقدير عدم الجزم ببطلان عقيدة الآخر على أساس التعددية والتنوع والاختلاف.
ويتسع تعدد الحق عندهم إلى أن يصل إلى تصحيح الأديان الأخرى غير دين الإسلام، أو على الأقل عدم الجزم والتأكيد على أن عقائدهم باطلة، لأن هذا الجزم فكرة وثوقية مستعلية غير معترفة بالآخر. 
ومدرسة الإسلام الليبرالي ذات تنوع عجيب في أشخاصها وأفكارها وأهدافهم ومقاصدهم وارتباطاتهم ومستوى آرائهم من حيث الغلو، فهي مكونة من نسيج متعدد يشكل تأويل الإسلام لموافقة العصر (العصرانية) قاعدته المشتركة. 
فقمة هذه المدرسة مجموعة من الزنادقة والملاحدة يناقضون جذور الإسلام وأصوله الأساسية  (11) ومنهم بعض المخلطين في الفكر والعقيدة، ومنهم منهزمون من الكتاب الإسلاميين وبعض الفقهاء والدعاة.
وتتنوع أفكارهم: فمنهم من يوافق الفلاسفة والحلولية والباطنية والملاحدة في نفي حقيقة الألوهية، والنبوة، والوحي، والغيبيات، ويرفض تحكيم الشريعة، ومنهم من يفصل بين الدين والدولة، ويرى ضرورة القانون الوضعي المدني، وضرورة الربا للاقتصاد المعاصر، وينفي الحجاب عن المرأة ويراه احتقارا لها، ويرى البعض عدم الاستدلال إلا بالقرآن، وينفي السنة والإجماع، ويطالب بتجديد أصول الفقه وغيرها من العلوم المعيارية، ولهم آراء ترفض الولاء والبراء، وتكفير المشركين، وتنكر الجهاد، وتؤمن بالديمقراطية، والتعددية، والحريات بما في ذلك التصريح بنشر الإلحاد وغيرها من الأفكار الشاذة. 
وتختلف ارتباطاتهم: فمنهم عملاء للصليبية العالمية يتلقون الدعم المادي من العدو، ويتعاونون معه، ويشاطرونه الأفكار وأسلوب العمل، ويدافعون عن سياسيته، ومنهم مستلب حضاريا، منهزم فكريا غير قادر على الرفض مع ظهور علامات العدوان ودلائله ولكنه لا يتقاضى شيئا ماديا لآرائه، فهي ناشئة من الهزيمة الفكرية والنفسية مع قصور في العلم الشرعي، وتخليط في تكوينه الثقافي، ومنهم من يقف ضد المشروع الأمريكي ويناهضه، وهذا مع وجود آراء تقربه من مشروعه إلا أنه في تحسن مستمر، ووعي دائم، وتتكشف له الحقيقة، وهو مظنة العودة للحق إذا نوقش وتمت معه عملية حوار علمي مفيد. 
وتختلف مستوى آرائهم: فمنهم من يناقض أصل الدين في العقائد والأحكام والأخلاق والأمور الاجتماعية، وهو الذي تمت الإشارة إليه في تقرير مؤسسة راند الأمريكية مثل من ينكر الألوهية والنبوة والغيبيات ويرى " تاريخية النص "، ويرفض تحكيم الشريعة، والحجاب، ويبيح الربا وغيره. ومنهم من يناقض أصول الدين بدرجة أقل غلوا مثل من لا يكفر المشركين، ويرفض الولاء والبراء، ويرى ضرورة القوانين الوضعية والربا وغيرها، ومنهم روافد لا يصلون لهذه الدرجة ولكن آراءهم ترفدهم عن غير قصد مثل من ينفي وجوب كراهة الكفار، ويجوز الحكم بالديمقراطية وغيرها.