هذا نذير من النذر الأولى
أبو الهيثم محمد درويش
هذا نذير من النذر الأولى ( 56 ) أزفت الآزفة ( 57 ) ليس لها من دون الله كاشفة ( 58 ) أفمن هذا الحديث تعجبون ( 59 ) وتضحكون ولا تبكون ( 60 ) وأنتم سامدون ( 61 ) فاسجدوا لله واعبدوا
- التصنيفات: التفسير -
{هذا نذير من النذر الأولى} :
ليس محمد صلى الله عليه وسلم ببدع من الرسل فأخلاقه أخلاقهم ورسالته تدل على كل خير وتنهى عن كل شر وتحض على الفضائل وتنهى عن الرذائل وتدل على الله الواحد الأحد وتحذر من الشرك و تنهى عن الابتعاد عن سبيل الله , مثله في ذلك مثل الأوائل من المرسلين لا اختلاف بينهم فكلهم رسل كالإخوة من أب واحد أصل عقيدتهم واحدة وأصل الإيمان واحد مع اختلاف العبادات والأحكام بما يناسب زمان كل منهم.
فليستعد كل من سمع عن محمد صلى الله عليه وسلم للسؤال بين يدي الله يوم القيامة الذي أزف وظهرت علاماته وكان منها مبعث محمد صلى الله عليه وسلم والباقي من عمر الدنيا قليل إذا ما قيس بما سبق من عمرها.
يوم لا يملك النفع فيه والضر إلا الله ولا يكشف الكرب إلا هو .
فهل هذه الرسالة وهذا الرسول وهذه العقائد المنذرة من عذاب الله وحسابه هو ما منه تكثرون الضحك والاستهزاء وتتعجبون وتسمونه بأوصاف التكذيب والتشويه؟؟
أخذتكم سكرة الحياة وغروروها فضحكتم وملأتم الأشداق ضحكا والدنيا صخباً وغناءاً ولعياً واستهزاءاً وكان الأولى بكم أن تسجدوا للواحد القهار وتستجيبوا لأمره قبل أن يحل عقابه وموعد أخذه فإنه يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
قال تعالى:
{هذا نذير من النذر الأولى ( 56 ) أزفت الآزفة ( 57 ) ليس لها من دون الله كاشفة ( 58 ) أفمن هذا الحديث تعجبون ( 59 ) وتضحكون ولا تبكون ( 60 ) وأنتم سامدون ( 61 ) فاسجدوا لله واعبدوا } [النجم 56-62]
قال السعدي في تفسيره:
{ {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} } أي: هذا الرسول القرشي الهاشمي محمد بن عبد الله، ليس ببدع من الرسل، بل قد تقدمه من الرسل السابقين، ودعوا إلى ما دعا إليه، فلأي شيء تنكر رسالته؟ وبأي حجة تبطل دعوته؟
أليست أخلاقه أخلاق الرسل الكرام، أليست دعوته إلى كل خير والنهي عن كل شر؟ ألم يأت بالقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد؟ ألم يهلك الله من كذب من قبله من الرسل الكرام؟ فما الذي يمنع العذاب عن المكذبين لمحمد سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين؟
{ { أَزِفَتِ الْآزِفَةُ } } أي: قربت القيامة، ودنا وقتها، وبانت علاماتها. { {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} } أي: إذا أتت القيامة وجاءهم العذاب الموعود به.
ثم توعد المنكرين لرسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، المكذبين لما جاء به من القرآن الكريم، فقال: { {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} } ؟ أي: أفمن هذا الحديث الذي هو خير الكلام وأفضله وأشرفه تتعجبون منه، وتجعلونه من الأمور المخالفة للعادة الخارقة للأمور والحقائق المعروفة؟ هذا من جهلهم وضلالهم وعنادهم، وإلا فهو الحديث الذي إذا حدث صدق، وإذا قال قولاً فهو القول الفصل الذي ليس بالهزل، وهو القرآن العظيم، الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله، الذي يزيد ذوي الأحلام رأيا وعقلا، وتسديدا وثباتا، وإيمانا ويقينا والذي ينبغي العجب من عقل من تعجب منه، وسفهه وضلاله.
{ {وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ } } أي: تستعملون الضحك والاستهزاء به، مع أن الذي ينبغي أن تتأثر منه النفوس، وتلين له القلوب، وتبكي له العيون،
سماعا لأمره ونهيه، وإصغاء لوعده ووعيده، والتفاتا لأخباره الحسنة الصادقة
{ {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} } أي: غافلون عنه، لاهون عن تدبره، وهذا من قلة عقولكم وأديانكم فلو عبدتم الله وطلبتم رضاه في جميع الأحوال لما كنتم بهذه المثابة التي يأنف منها أولو الألباب، ولهذا قال تعالى: { {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} } الأمر بالسجود لله خصوصا، ليدل ذلك على فضله وأنه سر العبادة ولبها، فإن لبها الخشوع لله والخضوع له، والسجود هو أعظم حالة يخضع بها العبد فإنه يخضع قلبه وبدنه، ويجعل أشرف أعضائه على الأرض المهينة موضع وطء الأقدام. ثم أمر بالعبادة عموما، الشاملة لجميع ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن