هل المسلمون في حاجة إلى الديمقراطية الغربية؟
ملفات متنوعة
قال ابن القيم رحمه الله : فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم، أتم دلاله وأصدقها، وهي نوره الذي أبصر به المبصرون
- التصنيفات: مذاهب فكرية معاصرة -
هل المسلمون في حاجة إلى الديمقراطية الغربية؟
إن الجواب عن هذا السؤال لا يحتاج إلى تفكير من قبل أي مسلم لم تدنس فطرته الشبهات. لقد قامت الحياة في الدول الغربية على المناداة بالديمقراطية سلوكا ومنهجا في كل شؤون حياتهم وصار كل سياسي يتباهى بتطبيقها والرغبة في تصديرها والواقع أنه قد يكون للغرب ما يبرر كل هذا السلوك لأنهم ليسوا على شيء فلم يعرفوا من النظم إلا هذا النظام الذي اكتشفوه وفرحوا به لعدم معرفتهم بما هو أفضل منه وهو الشرع الحنيف الذي أكمله الله ورضيه لنفسه ولعباده دينا وسلوكا، وإذا كان للغرب والنظم الجاهلية ما يبرر هذا السلوك فإنه لا مبرر لانسياق الكثير من النظم الإسلامية ومن بعض المفكرين من المسلمين إلى اتباع أولئك بعد أن من الله عليهم بأفضل دين وأكمله وأفضل نظام اجتماعي وأعد له { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [ المائدة:50]، وإحكامه غاية العدل {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء:65].
يتركون هذا المعنى الفياض ثم ينساقون إلى نظام ثبت فشله ويتركون نظاما صالحا إلى يوم القيامة مضى عليه سلفهم فكانوا مصابيح الدجى ومشارق الأنوار.
إن الشرع الإسلامي يستهوي بعدله ورحمته وشموله حتى أعداء الإسلام فإذا بهم ينساقون إليه مذعنين بل ويصبحون من جنوده البواسل حينما قارنوا بين ما جاء في الإسلام وبين النظم الجاهلية التي تقود البشر من شقاء إلى شقاء لأنها من صنع البشر الذين قصرت أفهامهم والتبست عليهم الأمور وهؤلاء حجة على أولئك الهاربين إلى الديمقراطية دون أن يعلموا شيئا عن الإسلام وعن تعاليمه الشاملة لقد انبهر الكثير من المسلمين ببريق الحضارة الغربية وصناعاتها المادية فظنوا أن ذلك إنما هو بسبب ما عندهم من الأنظمة ولم يفطنوا إلى أن سبب ذلك إنما يعود إلى نشاط الغرب وشحذ هممهم وإصرارهم على اكتشاف خيرات الأرض والاستفادة منها وطرقهم لآلاف التجارب دون كلل أو ملل مهما واجهتهم من المصاعب كلما فشلوا في تجربة صناعية زادهم ذلك إصرارا على إعادة الكرة والله عز وجل لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى فأعطاهم الله من الدنيا على قدر عزمهم بينما المنتظرون من المسلمين للحضارة الغربية يغطون في سباتهم، فلما أفاقوا على هدير مصانع الغرب وإنتاجهم ألقوا باللائمة على الإسلام ظلما وزورا وظنوا أن هذا التبرير يبقى على ماء وجوههم فإذا بهم لا ظهرا أبقوا ولا أرضا قطعوا فلا هم بقوا على إسلامهم وتلافوا أخطاءهم، ولا هم لحقوا بالدول الغربية في إنتاجها المادي. وكان يجب عليهم أن يعرفوا أن الإسلام الذي عاش عليه ملايين البشر في القرون الغابرة على أحسن حال وأعدل نظام لا يزال كذلك على مر الدهور عاش عليه البشر قبل أن يظهر قرن الديمقراطية التي يريدون إحلالها محله والتي قامت من أول أمرها على محاربة الدين وخداع الجماهير للوصول إلى الحكم بأي ثمن يكون واعتبار ذلك فوزا أو مغنما بينما الإسلام لا يجيز الخداع ولا النفاق ولا يجيز الاحتيال على الناس وابتزازهم لا في دينهم ولا في دنياهم بل يعتبر الوصول إلى سدة الحكم أمانة عظيمة حملها ثقيل ومزالقها خطيرة ولا يعتبر الوصول إليه فوزا كما نسمعه في تطالب الديمقراطيين للوصول إلى الحكم فتذكر أخي القارئ ما قاله أبو بكر رضي الله عنه حينما ولي الخلافة: " لقد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن اعوججت فقوموني"، وكان عمر دائم التأوه من حمل ثقل الخلافة وكان أسلافنا من أعلام الإسلام يفر أحدهم من أخذ الحكم كما يفر أحدنا من الأسد أو أشد لا جهلا به ولا خوفا من مشقته إنما هو الخوف من الله عز وجل أن يقع فيما لا يوافق الحق فإذا تم انتخاب الخليفة أسدوا إليه النصيحة وآزروه راضين مطمئنين بحكمه لا يجوزون عصيانه ولا الخروج عليه ولا تشكيل حزب معارض له ما دام يشهد الشهادتين ويطبق أحكام الإسلام حتى وإن كانت له معاصي وكبائر فهو محل طاعتهم وأمره إلى الله مع محاولتهم بيان الحق وإسداء النصيحة له.
حتى إذا جاءت الديمقراطية فإذا بأقطابها يتهارشون عليها ويخادعون الناس وينافقون ويعدون بما لا يفعلون – وإذا بالناس غير الناس والقلوب غير القلوب – وكأن حال الإسلام والمسلمين يقول:
ذهب الذين إذا رأوني مقبلاً
هشوا إليَّ ورحبوا بالمقبل
وبقيت في خلف كأن حديثهم
ولغ الكلاب تهارشت في المنزل
إن الحاكم في الإسلام مؤتمن على مصالح المسلمين وليس له أكثر من كونه منفذا لا مشرعا لأن التشريع إنما هو لله عز وجل وبذا يضمن الحاكم والمحكوم على حد سواء الخوف من الوقوف في الجور أو انتشار الفساد وتفكك المجتمع والفرقة التي تنشأ في الغالب من البعد عن هدي الله عز وجل وهدي نبيه الكريم صلوات الله وسلامه عليه وهذا بخلال الديمقراطية التي يكون الحاكم فيها مشرعا من دون الله تعالى {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [ يوسف:40].
{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [ النساء:65].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59].
فإذا طبق الشعب والحاكم هذه المفاهيم كانوا صخرة قوية تتحطم عليها كل آمال الحاقدين وأعداء الملة وعاشوا في سعادة ووئام كأنهم أسرة واحدة.
قال ابن القيم رحمه الله : (فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم، أتم دلاله وأصدقها، وهي نوره الذي أبصر به المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل، فهي قرة العيون، وحياة القلوب، ولذة الأرواح، فهي بها الحياة، والغذاء، والدواء، والنور، و الشفاء، والعصمة، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها، وحاصل بها، وكل نقص في الوجود، فسببه من إضاعتها، ولولا رسوم قد بقيت لخربت الدنيا وطوي العالم، وهي العصمة للناس وقوام العالم، وبها يمسك الله السموات والأرض أن تزولا، فإذا أراد الله سبحانه وتعالى خراب الدنيا وطي العالم، رفع إليه ما بقي من رسومها، فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالم، وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة). إذا تبيـّن هذا، فليُعلم أنّ ما يُسمى ( الديمقراطية ) بمعناها الذي أراده مخترعوها، والدعاة إليها ـ فقد يُراد بإطلاقهـا جهلا أنهـا ما يُضاد الإستبداد فحسب ـ هي أعظم مناقضٍ للشريعة، والداعون إليها، هم الدعاة إلى أبواب جهنم، لأنهـم هم الداعون إلى رفض الحكم بما أنزل الله تعالى، المبتغون حكم الجاهلية، ذلك أن الديمقراطية تعني اتخاذ أحكام البشر بإعتبار أصوات غالب ممثليهم،شريعة بديلة عن شريعة الله تعالى، مهيمنة بأحكامها على الأقوال، والأفعال،والأفكار، وجميع السلوك الإنساني، والعلاقات الدولية الداخلية، والخارجية، لها أنْ تحلّ ما حرّم الله، وتحرّم ما أحلّ الله تعالى.
فهي أمّ القوانين التي تخلقها إفكا، وهي منبـع الطواغيت التي تحدثها باطلا، وهي مصنع الجاهلية المعاصرة التي تصدّ عن سبيل الله تعالى، وتحارب شريعته.
ومعلوم أن سدنة هذا الدين الجديد، يقولون إنّه لا يُحكـم على السلوك الإنساني منفردا أومجتمعا في صورة دولة، بأنه صواب أو خطأ، فيكون جريمة، أم سلوكا مباحا، إلاّ بقانون، ولابد للقانون من مشرِّع يشرّعه، ومصدر يُحدثه،ويُنشئـه :
فإمّا إن يكون مصدره من غير البشر، وهو الله تعالى، عند أتباع الرسل.
وإما أن يكون من البشر، وهذا الأخير لا يخلو :
إمّا أن يكون من حاكم مستبد، يفصل في الأمور برأيه، ويقضي فيها بحكمه وهذه هي الدكتاتورية التي ثارت عليها الشعوب في القرن الماضي، حتى ساد المذهب الثالث.
وهو أن يكون مصدر التشريع هو حكم الأغلبيّة بحسب العـدّ المحض، الذي يعدّ الرؤوس ولا يزنها، فيجعل العاقل الحكيم المصلح، مساويا للجاهل الأحمق المفسد، والمؤمن الصالح الأمين، مكافئا للكافر الفاسق الخائن، وسيد القوم الشريف سديد الرأي، معادلا للمرأة التي ربما تكون عاهرة..
فكلهم سواء في ميزان هذا الدين الجديد، فتُعدّ أصواتهم عدّا فحسـب، ثم يُعرف بأكثر العدّ، الشــرعُ الذي يجب أن يسيروا عليه، والنهج الذي يهديهم سواء السبيل !
ولئن قال قائل إن هذا الحمق،والجهل، والضلال المبين، لا يمكن أن يتواطأ عليه العقلاء، لأنه يعرف بالبداهة فساده، ويتبين بمنطق الأمور مناقضته للعقل الصريح.
فالجواب أنهم علموا أنـّه لا فرق ـ في الحقيقة ـ بين هذا الدين الجديد، وما قبله، لأنّ فئة قليلة قادرة على التأثير على الغالب بالترغيب والترهيب، ستسيطر على عدد الأصوات، فيصير التشريع بأيديهم،علموا ذلك، غير أنهم وجدوا أنّ إبقاء اللعبة التي تُسمّى الديمقراطية، في ظاهرها تخدع الشعوب، وتخدّرهم يوم التصويـت، أنفع لهم من المجاهرة بأنهم مستبدون، يبتغون الاستيلاء والهيمنة بشعارات خداعة.
وهذا يُشبه ـ من وجه ـ ما يسمى الشركات المساهمة، حيث يظنّ المساهمون أنهم تّجار بما يملكون من أسهم في الشركات، بينما يتحكم في الشركات الكبار الذين يخدرونهم بتلك الخدعة، حتى يملكوا أموالهم، كما ملكت تلك الخدعة المسماة الديمقراطية عقولهم وإرادتهم، ولهذا قال أحد المفكّرين الغربيين : إنّ أكبر كذبتين في التاريخ هما الديمقراطية، والشركات المساهمة !
ولهذا كان ما فيهما من الفساد العام، ومحق البركة من المجتمعات ما فيهما.
والمقصود أنّ سدنة هذا الصنم قالوا : إنّ التشريعات التي تنتج عن حكم الأغلبيّة، مقدمة على كلّ حكم آخر حتى شريعة الله تعالى، وأنهــا ملزمة للشعوب، فهي شريعة كاملة، وأحكام نافذة، والخارج عليها مجرم، والمتمرد عليها خائن، والساعي في تعطيلها مرتد يحكم عليه أحيانا بالإعدام، أو الحبس المؤبد، أوالنكال الشديد، ثم جعلوا لهذا الدين خبـــراء يطوّرونـه، أطلقوا عليهم اسم ( فقهاء القانون ) كما أطلقوا على آراءهم ( الفتوى )، إمعانا في المضادة لشريعة الله تعالى واستبدالها بغيرها.
وبهذا يتبين أن هذه القوانين الوضعية، ترجع إلى أصل عقدي، هو دين الديمقراطية، تنبثق منها على أساس إعتقاد أنّ الحكم بين الناس، والتشريع لهــم، لا يرجع فيه إلى الله تعالى خالق البشر بل إلى البشر أنفسهم.