السياسة والإدارة في جمل مختصرة

عبد المنعم منيب

وحاله مثل ما قال الشاعر:
ومن رعى غنما في أرض مسبعة ***** ونام عنها تولى رعيها الأسد

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

نواصل فى هذا المقال توضيح عدد من الدروس السياسية والإدارية المهمة بأسلوب سهل ومبسط عبر فقرات قصيرة وسهلة، وفى هذه الحلقة الثانية من هذه السلسلة سيلاحظ القارئ اعتمادنا المتزايد على الأمثلة والقصص لتحقيق مزيد من التوضيح كما سيلاحظ ارتكازنا أيضا على أحاديث نبوية و شروح كبار العلماء لها.

*** 
عندما تعلم بالنظر والتفكر أن أمامك حفرة نار ستتردى فيها إن مشيت في هذا الاتجاه خير أم أن تمشى دون علم ولا نظر ولا تفكير علمى ثم يتردى أمامك ابنك وشقيقك فيها أمام عينك وحينها فقط تعلم أنها مهلكة؟؟ .. أيهما أفضل وأعقل وأوفق للشرع؟؟
دراسة التاريخ تعرفك أن هذه الحفرة مهلكة.
 وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم الإعلام يعرفك كيف تحرك ابنك وشقيقك بعيدا عن الحفرة.
 وعلم الجغرافيا يحدد لك مكانها جيدا.
 وعلم السياسة والاستراتيجية والإعلام والعلوم العسكرية تعلمك كيف تدير الصراع مع اعدائك الذين يدفعونك للوقوع فى الحفرة.
 وعلم الاقتصاد يعلمك كيف تدير مواردك لتغطي عملية الإنفاق على كل هذه الأمور من أولها لآخرها.
ثم ان الله تعالى قال: ( {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} ) [سورة النساء آية 83]  فهل ترد الأمور العسكرية للعالم بالعلوم العسكرية والسياسية للعالم السياسى ام تردها لمن؟؟
إن التعلم بالخطأ والصواب أمر بدائى وإنما الأرقى هو التعلم قبل العمل وربما لذلك علم الله آدم الأسماء كلها فى بداية حياته ولم يتركه يقتحم الحياة وهو لا يعرفها ليتعرف عليها بنفسه بالتجربة والخطأ، كما أمر الله بالعلم قبل العمل فقال تعالى ( {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} ) [سورة محمد آية 19].

***

"يُروى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: " «لا حليم إلا ذو عثرة ولا حكيم إلا ذو تجربة» " أخرجه أحمد وَصَححهُ بن حبَان قَالَ بن الْأَثِيرِ مَعْنَاهُ لَا يَحْصُلُ الْحِلْمُ حَتَّى يَرْتَكِبَ الْأُمُورَ وَيَعْثُرَ فِيهَا فَيَعْتَبِرُ بِهَا وَيَسْتَبِينُ مَوَاضِعَ الْخَطَأِ وَيَجْتَنِبُهَا .. وَكَذَلِكَ مَنْ جَرَّبَ الْأُمُورَ عَلِمَ نَفْعَهَا وَضَرَرَهَا فَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا إِلَّا عَنْ حِكْمَةٍ قَالَ الطِّيبِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصُ الْحَلِيمِ بِذِي التَّجْرِبَةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ غَيْرَ الْحَكِيمِ بِخِلَافِهِ وَأَنَّ الْحَلِيمَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ تَجْرِبَةٌ قَدْ يَعْثُرُ فِي مَوَاضِعَ لَا يَنْبَغِي لَهُ فِيهَا"أ.هـ بتصرف من فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ10 ص 529-530
و هذا الحديث ضعفه الألباني في ضعيف الأدب المفرد و الأرناؤوط في تحقيقه لمسند أحمد بينما صححه الحاكم و وافقه الذهبي و حسنه الترمذي ، و صحح بعض العلماء وقفه على معاوية.

وإنما اهتممنا بنقله ونقل شرح العلماء له بطول كلامهم لنشير ونشدد على أهمية دراسة تجارب الآخرين قبل خوض تجاربنا والتعثر فيها وهذه الدراسة للتجارب تتمثل علميا وموضوعيا بدراسة التاريخ كل فى موضوعه ومجاله لأن به تحصل الخبرة والتجربة وتؤمن العثرة. 
 
***
الاعتذارات لا تقبل في الصراع فلابد أن تكون يقظا و لا تغفل ثم تتذرع بغدر الخصم أو خداعه أو قوته أو تصميمه فكل هذا من مستلزمات و أدوات الخصم فلا غرابة فى ذلك.
 أما من يغفل عن خصمه منتظرا كرمه بأن يبادله الغفلة بغفلة أو يبادله الضعف بضعف أو يقابله عدم الإدراك لكثير من جوانب الواقع بعدم ادرك مماثل فهو مغفل أحمق.

وحاله مثل ما قال الشاعر:
ومن رعى غنما في أرض مسبعة ***** ونام عنها تولى رعيها الأسد

و الاعتذار عن الفشل بقوة الخصم أو مكره أو خيانته أو خداعه هي شيمة الفاشلين كما برر ناصر وكسته في 1967 بأن العدو جاء من الغرب و كما برر السادات خيبته في الثغرة 1973 بأنه يواجه أميركا و ليس اسرائيل.

و دائما يبرر كل فاشل فشله بـ"شئ ما في خصمه" و لا يعترف أبدا بـ"شئ ما في نفسه" و هذا مخالف لسنة الله الكونية التي حددها بقوله تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} " [سورة الأنفال آية 53] ، و قوله تعالى " {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} " [سورة الرعد آية 11].

و يقفز الى ذهني الآن قصة النبي صلى الله عليه و آله و سلم مع أبي عزة الجمحي رغم أن ابن اسحاق رواها بغير سند و لكن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال "ل «اَ يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ» " رواه البخاري و قال ابن حجر في شرحه لهذا الحديث: "و قال سعيد بن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم قاله عند موقفه مع أبي عزة الجمحي و قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا لَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ أَمْرٌ أَيْ لِيَكُنِ الْمُؤْمِنُ حَازِمًا حَذِرًا لَا يُؤْتَى مِنْ نَاحِيَةِ الْغَفْلَةِ فَيُخْدَعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي أَمْرِ الدِّينِ كَمَا يَكُونُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ إِذَا نُكِبَ مِنْ وَجْهٍ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ قُلْتُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ الْأَكْثَرُ ، و قَالَ بن بَطَّالٍ وَفِيهِ أَدَبٌ شَرِيفٌ أَدَّبَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ وَنَبَّهَهُمْ كَيْفَ يَحْذَرُونَ مِمَّا يَخَافُونَ سُوءَ عَاقِبَتِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ احْتَرِسُوا مِنَ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَصَحَّ مِنْ قَوْلِ مطرف التَّابِعِيّ الْكَبِير أخرجه مُسَدّد"أ.هـ من فتح الباري جـ10 ص 530-531 باختصار و تصرف يسير.

***

وهناك قصة أسطورية تعبر عن معاني حقيقية كبرى ومهمة فى السياسة والإدارة حيث تقول القصة الأسطورية إنه:

 "كان في زمن من الأزمان فأر غلبان و نفسه يصبح أقوي من أي قط فذهب الى الساحر و قال له اعملني قط حتى لا أخاف كلما رأيت قط فسحره الساحر فصار الفأر قطا .. و مشي القط (الفأر سابقا) في الغابة مختالا لكنه رأى قطا فاقشعر منه و ارتعش كل جسده و أخذ يتوارى بين أغصان الأشجار كما حدث له شئ عجيب و هو أنه شعر نفس الشعور عندما رأى كلبا .. ثم ان القط (الفأر سابقا) جرى الى الساحر و قال له الحقني لقد كنت في السابق أخاف من القطط فقط أما الآن فصرت أخاف من القطط و الكلاب فقال له الساحر و ماذا أفعل لك قال له الفأر اسحرني لأكون كلبا فسحره الساحر فصار كلبا .. لكنه عاد الى الساحر في اليوم التالي باكيا و قال له الحقني لقد صرت أخاف من القطط و الكلاب و الأسود أيضا فسأله الساحر و ماذا تريد ؟ قال حولني الى أسد .. و لكن قبل أن يحل المساء عاد (الفأر-الأسد) الى الساحر و هو يرتعش و يبكي فسأله الساحر ماذا حدث ؟ قال له : عندما كنت فأرا كنت اخاف من القطط فقط أما الآن و انا أسد فإنني صرت أخاف من القطط و الكلاب و الذئاب و الأسود أرجوك افعل لي شيئا... فنظر اليه الساحر و قال له: أنا عملتك أسد و لكن ايش يفيدك أن تصير قط ولا كلب و لا أسد مادام قلبك هو قلب فأر".