إن المجرمين في ضلال وسعر
أبو الهيثم محمد درويش
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ * إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ
- التصنيفات: التفسير -
{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} :
بون شاسع وفرق كبير بين اصحاب الجنة وأصحاب السعير , فالمجرم ضل في الدنيا وفضل طريق الغواية والشهوات والبعد عن الله , فكان السعير في الآخرة مثواه , يوم يسحب على وجهه ليذوق جزاء ما قدمت يداه.
كل الخلق تحت مشيئة الملك سبحانه , أمره نافذ على الجميع لا يملك الضر والنفع إلا هو , فهل تدبر كل مستكبر واعتبر ونظر كيف أهلك الله المكذبين من قبله؟؟؟
كل صغير وكبير محفوظ ومسطور , أعمال المجرمين وأعمال المتقين .
المتقون في جوار الرحمن أعد لهم دار كرامته , فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر , في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
قال تعالى :
{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ * إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر 47- 55]
{ {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ } } أي: الذين أكثروا من فعل الجرائم، وهي الذنوب العظيمة من الشرك وغيره، من المعاصي { {فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} } أي: هم ضالون في الدنيا، ضلال عن العلم، وضلال عن العمل، الذي ينجيهم من العذاب، ويوم القيامة في العذاب الأليم، والنار التي تتسعر بهم، وتشتعل في أجسامهم، حتى تبلغ أفئدتهم.
{ {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ } } التي هي أشرف ما بهم من الأعضاء، وألمها أشد من ألم غيرها، فيهانون بذلك ويخزون، ويقال لهم:
{ {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} } أي: ذوقوا ألم النار وأسفها وغيظها ولهبها.
{ { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } } وهذا شامل للمخلوقات والعوالم العلوية والسفلية، أن الله تعالى وحده خلقها لا خالق لها سواه، ولا مشارك له في خلقها
وخلقها بقضاء سبق به علمه، وجرى به قلمه، بوقتها ومقدارها، وجميع ما اشتملت عليه من الأوصاف، وذلك على الله يسير، فلهذا قال: { { وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ } } فإذا أراد شيئا قال له كن فيكون كما أراد، كلمح البصر، من غير ممانعة ولا صعوبة.
{ {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ } } من الأمم السابقين الذين عملوا كما عملتم، وكذبوا كما كذبتم { { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } } أي: متذكر يعلم أن سنة الله في الأولين والآخرين واحدة، وأن حكمته كما اقتضت إهلاك أولئك الأشرار، فإن هؤلاء مثلهم، ولا فرق بين الفريقين.
{ {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} } أي: كل ما فعلوه من خير وشر مكتوب
عليهم في الكتب القدرية { {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ } } أي: مسطر مكتوب،
وهذا حقيقة القضاء والقدر، وأن جميع الأشياء كلها، قد علمها الله تعالى، وسطرها عنده في اللوح المحفوظ، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
{ { إِنَّ الْمُتَّقِينَ} } لله، بفعل أوامره وترك نواهيه، الذين اتقوا الشرك والكبائر والصغائر.
{ {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} } أي: في جنات النعيم، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، من الأشجار اليانعة، والأنهار الجارية، والقصور الرفيعة، والمنازل الأنيقة، والمآكل والمشارب اللذيذة، والحور الحسان، والروضات البهية في الجنان، ورضوان الملك الديان، والفوز بقربه، ولهذا قال: { {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} } فلا تسأل بعد هذا عما يعطيهم ربهم من كرامته وجوده، ويمدهم به من إحسانه ومنته، جعلنا الله منهم، ولا حرمنا خير ما عنده بشر ما عندنا.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن