الاهتداء المطلوب

ابن قيم الجوزية

مانع الإلف والعادة والمنشأ؛ فإن العادة قد تقوى حتى تغلب حكم الطبيعة، كما يتربى 
لحمه وعظمه على الغذاء المعتاد، ولا يعقل نفسه إلا عليها

  • التصنيفات: طلب العلم -

بتصرف واختصار من كلام لابن القيم رحمه الله في "مفتاح دار السعادة" (1/331- 340  ط. ابن عفان) .


بعض الأسباب التي لا يلزم منها حصول العلم حصول الاهتداء المطلوب: 

السبب الأول: ضعف معرفته بذلك.

السبب الثاني: عدم الأهلية فإذا كان المحل غير زكي ولا قابل للتزكية كالقلب إذا كان قاسياً حجرياً لا 
يقبل تزكية ولا تؤثر فيه النصائح لم ينتفع بكل علم يعلمه، كما لا تنبت الأرض الصلبة ولو أصابها 
كل مطر وبذر فيها كل بذر

السبب الثالث: قيام مانع، وهو إما حسد أو كبر، وذلك مانع إبليس من الانقياد للأمر، وبه تخلّف 
الإيمان عن اليهود الذين شاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفوا صحة نبوته ومن جرى 
مجراهم، وهو الذي منع عبد الله بن أُبي من الإيمان، وبه تخلف الإيمان عن أبي جهل وسائر 
المشركين؛ فإنهم لم يكونوا يرتابون في صدقه، لكن حملهم الكبر والحسد على الكفر، وبه تخلف 
الإيمان عن أمية وأضرابه ممن كان عنده علم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. 

السبب الرابع: مانع الرياسة والملك، وإن لم يقم بصاحبه حسد ولا تكبر عن الانقياد للحق، لكن لا 
يمكنه أن يجتمع له الانقياد وملكه ورياسته، فيضن بملكه ورياسته؛ كحال هرقل وأضرابه من ملوك 
الكفار الذين علموا نبوته وصدقه، وأقروا بها باطناً، وأحبوا الدخول في دينه، لكن خافوا على ملكهم

السبب الخامس: مانع الشهوة والمال؛ وهو الذي منع كثيراً من أهل الكتاب من الإيمان خوفاً من 
بطلان مأكلهم وأموالهم التي تصير إليهم من قومهم

السبب السادس: محبة الأهل والأقارب والعشيرة؛ يرى أنه إذا اتبع الحق وخالفهم أبعدوه وطردوه 
عنهم، وأخرجوه من بين أظهرهم، وهذا سبب بقاء خلق كثير على الكفر بين قومهم وأهاليهم وعشائرهم

السبب السابع: محبة الدار والوطن، وإن لم يكن له بها عشيرة ولا أقارب، لكن يرى أن في متابعة 
الرسول صلى الله عليه وسلم خروجه عن داره ووطنه إلى دار الغربة والنّوَى فيضنّ بوطن

السبب الثامن: تخيل أن في الإسلام ومتابعة الرسول إزراء، وطعناً منه على آبائه وأجداده وذماً لهم، 
وهذا هو الذي منع أبا طالب وأمثاله عن الإسلام؛ استعظموا آبائهم وأجدادهم أن يشهدوا عليهم بالكفر 
والضلال، وأن يختاروا خلاف ما اختار أولئك لأنفسهم، ورأوا أنهم إن أسلموا سفّهوا أحلام أولئك، 
وضلّلوا عقولهم، ورموهم بأقبح القبائح وهو الكفر والشرك

السبب التاسع: متابعة من يعاديه من الناس للرسول صلى الله عليه وسلم، وسبقه إلى الدخول في دينه، 
وتخصصه وقربه منه، وهذا القدر منع كثيراً من اتّباع الهدى، يكون للرجل عدوّ ويبغض مكانه، ولا يحب 
أرضاً يمشي عليها، ويقصد مخالفته ومناقضته فيراه قد اتبع الحق فيحمله قصد مناقضته ومعاداته على معاداة 
الحق وأهله، وإن كان لا عداوة بينه وبينهم. وهذا كما جرى لليهود مع الأنصار

السبب العاشر: مانع الإلف والعادة والمنشأ؛ فإن العادة قد تقوى حتى تغلب حكم الطبيعة، كما يتربى 
لحمه وعظمه على الغذاء المعتاد، ولا يعقل نفسه إلا عليها، ثم يأتيه العلم وهلة واحدة يريد إزالتها 
وإخراجها من قلبه، وأن يسكن موضعها فيعسر عليه الانتقال، فدين العوائد 
هو الغالب على أكثر الناس، فالانتقال عنه كالانتقال عن الطبيعة إلى طبيعة ثانية.



ابن قيم الجوزية رحمه الله 
بتصرف واختصار من كتاب مفتاح دار السعادة