مبادرة تضيء من حرف!

أحمد بن عبد المحسن العساف

والغاية النّهائيّة المرجوّة أن يتقن المشاركون صنعة الكتابة من خلال إجادة استعمال حزمة من الأدوات والتّقنيات، والإفادة من ثروة لغويّة متنامية، وحصيلة معرفيّة تزداد مع الأيام كمّاً وكيفًا

  • التصنيفات: قضايا الشباب -

انطلقت ليلة البارحة في لقاء أنيس مبادرة حرف، وهي برنامج متكامل، يحتوي على مشروعات متميزة، وأنشطة عديدة؛ لتأهيل الكتّاب والكاتبات، ترعاه مؤسسة الرّاجحي الإنسانيّة، وتنفذه مؤسسة مكين الإبداع، وتتشارك معهما مؤسسات حكوميّة وأهليّة مثل مكتبة الملك عبدالعزيز العامّة، وجامعة اليمامة، ومركز التّدريب الّلغوي بجامعة الملك سعود، وأسهم في نقاش المبادرة، وتحكيم وثيقتها، ومقابلة المرشحين، أكاديميون، وكتّاب، ومؤلّفون، ومدربون.

تهدف المبادرة إلى رفع مهارات طلّاب الجامعة وطالباتها، الذين يمتلكون قابليّة للتّطوير، ولديهم شغف بالكتابة، وعندهم حماسة بالغة للإبحار في أعماقها، وسوف يحقّق الهدف من خلال نشاطات متنوعة، منها الفردي والبيني والجماعي، وخلال المبادرة وبعدها، وعن قرب أو عن بعد، وباستخدام وسائل وأصناف من أوعية العلم والمعرفة، وبمشاركة أسماء تملك خبرة عميقة، أو لديها احتراف طويل.

والغاية النّهائيّة المرجوّة أن يتقن المشاركون صنعة الكتابة من خلال إجادة استعمال حزمة من الأدوات والتّقنيات، والإفادة من ثروة لغويّة متنامية، وحصيلة معرفيّة تزداد مع الأيام كمّاً وكيفًا، حتى يقوى المشارك على الكتابة بطريقة مهنيّة، ويواصل في مسيرة تعين على الاحتراف، تبدأ بتغريدات وخواطر، وتمضي عبر مقالات وتدوينات طويلة، ثمّ تلج إلى عالم القص، وتشارك في دنيا الرّواية، وتسهم في فضاء السّيناريو، وتبدع في مجال التّأليف، وهي حقول رحبة تفتح أذرعتها لمن شاء أن يكون من أهلها بحقّها؛ وكم ترك الأوّل للآخر.

وتفترض المبادرة أن يقتبس المشاركون غير حرفة الكتابة ما يلي:

مهارة الانصات، والقدرة على الحوار، وفضيلة مقاطعة الجوّال ساعات صحو متوالية!

الفنون المساعدة كالنّحو والإملاء وعلامات التّرقيم.

إطلالة على تجارب ثريّة في القراءة، والكتابة، والتّأليف، والسّير الذّاتيّة، والتّرجمة، وغيرها.

مهارات التّفكير بأنواعه، مع صناعة الفكرة الكتابيّة.

القدرة على البحث في المعاجم والموسوعات والانترنت.

فنّ القراءة وفنّ الّلاقراءة!

وحتى تنجح المبادرة، فإنّ ركنها الأعظم يقوم على همّة الشّبان والشّواب، ولذا فلا بدّ لهم مما يلي:

الالتزام بالوقت، والحضور، وأداء الواجبات، والتّفاعل الإيجابي، والتّواصل، والمتابعة؛ حتى يصدق على المبادرة أنّها الآن أهم شيء في حياتهم!

الاستعداد بالتّحضير للموضوع والضّيف، ليكون واحدهم كالصّاحب مع شيخه، وإذا كان الطّرح أمامهم رتيبًا-وهو ما تتحاشاه المبادرة- فعليهم إمطار المستضاف بوابل من الأسئلة، أو تحويل المسار النّظري إلى طرائق عمليّة بالسّؤال عن الكيفيّة.

الاستثمار الأمثل لشركاء المبادرة من خلال خبراتهم، وعلاقاتهم، ومجالات عملهم، ففيهم النّاشر، والمثقف، والكاتب، والمؤلّف، والمترجم، وعضو جمعية الكتّاب، فضلًا عن جامعات، ومكتبات، ومراكز، وأندية.

إيقاد الهمّة مرّة تلو مرّة، فلا يقف المشارك عن القراءة، ولا تكف المشاركة عن الكتابة، مع ديمومة التّساؤل، وكثرة التّأمل، ليشاركوا في إضاءة العالم، وإشعال جذوة الخير فيه.

التّطوير بالإجابة عن جميع الاستبيانات وفق ما يعتقده المشارك؛ فهي مثل الحكم أو الشّهادة، وإضافة المقترحات والاعتراضات في المساحات المتاحة لها.

نقل التّجرِبة وفوائدها جزئيًا أو كليًا، والمشاركة في نسخها القادمة من خلال الحديث عن تأثيرها وسبل تعظيم الفائدة منها.

كما تسعى المبادرة إلى أن يتحلّى فرسانها بأخلاقيّات أساسيّة هي:

الموضوعيّة فلا يكتب الواحد إلّا بعلم أو برهان، مع تمييز الظّن والرّأي عن اليقين والقطع.

الصّدق فلا يسطّر الكاتب رأيًا لا يعتقده، ولا ينشر معلومة يؤمن بخلافها.

الأدب في الّلفظ والأسلوب حتى لو كانت الكتابة نقديّة.

الجديّة وأخذ الكتاب بقوة، فأيّ تراخ في المبادرة يجعل ثمارها هشّة، ومنتجاتها رخوة.

مراعاة المصلحة العليا في المكتوب مضمونًا وتوقيتًا وأسلوبًا.

وربّما يطرح المشارك على نفسه أسئلة من جنس ماذا نقرأ؟ لمن نسمع؟ وما نشاهد؟ ومن نتابع؟ والإجابة باختصار هي: أيّ أحد، وأيّ شيء، فالأجدر بالكاتب أن يبحث عن الإفادة، والإضافة، ولا يسلّم لغير نص ثابت محكم، أو أمر مبرهن، أو نظام متبع، وليس خليقًا بالكاتب تقليد أحد لا في لفظه، ولا أسلوبه، ولا فكره، فالكتابة تنتسب لراقمها فقط، وليس فيها شراكة ألبتة!

لقد كانت ليلة فارقة، وهي نتيجة عمل خالد، وصنع رشيد، عليه سلطان من الحكمة، وطارق سيّار نحو القمّة، ونأمل أن يكون في مخرجاته أنس للحياة، مع سرعة فهد في النّفع، دون أن يكون أحد من المشاركين محجوبًا عن التّميز، مع أمنية بأن تعاد التّجربة بنسخ كثيرة متجدّدة؛ فالعود أحمد.

إنّ الكتابة وخزة مقدّسة، ودهشة تعطي للحياة معنى، ولا غرو ففيها لذّة الحكمة التي تسري من العقل إلى بقيّة الجسد، فيا معشر المبادرين مرحبًا بكم إلى متعة القراءة، وعظمة الكتابة، عسى أن يكون المنجز أصيلًا، عميقًا، إبداعيًا، مؤثرًا، وهذا من أسرار الخلود الكتابي، وهو ليس بعسير على نخبة منتقاة فيهم حفاظ، وكتّاب، ومؤلّفون، ومبدعون.

 

أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض