إيران في مستنقع الولي الفقيه
ملفات متنوعة
مسودة الوثيقة تلك جاء عنوانها «النموذج الإسلامي الإيراني التأسيسي للتقدم»، وهي وثيقة تحدد رؤية خامنئي والنظام الإيراني للأعوام الخمسين المقبلة، بينما سيتم تقديم النسخة النهائية مع مطلع عام 2020م.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
حسن الرشيدي
«بحلول عام 2065م ستظل إيران تتمتع باستمرار قيادة الفقيه العادل الشجاع القدير».. هذا جزء من ديباجة مسودة الوثيقة التي طرحها علي خامنئي مرشد الجمهورية الإيرانية في أكتوبر 2018م.
مسودة الوثيقة تلك جاء عنوانها «النموذج الإسلامي الإيراني التأسيسي للتقدم»، وهي وثيقة تحدد رؤية خامنئي والنظام الإيراني للأعوام الخمسين المقبلة، بينما سيتم تقديم النسخة النهائية مع مطلع عام 2020م.
وبرغم أن رسالة النظام كما ذكرتها الوثيقة هي أن «إيران ستكون رائدة في إنتاج العلوم الإنسانية الإسلامية والثقافة السامية على المستوى الدولي وتتبوأ مكانها بين البلدان الخمسة المتقدمة في العالم في إنتاج الفكر والعلم والتقنية وتتمتع باقتصاد علمي بحيث تكون من بين عشرة اقتصادات كبيرة في العالم».. ومع هذا الكلام الإنشائي الجميل إلا إن الوثيقة أصرت على تصدر عبارة «استمرار الولي الفقيه» والتي وصفته بـ«العادل الشجاع القدير».
فلماذا الإصرار والحرص على وجود صياغة الولي الفقيه برغم أن توقيت خروج هذه الوثيقة لا يتعلق فقط بمأزق داخلي تعيشه إيران بل تحديات خارجية وجد النظام نفسه محاطاً، بها تمثلت في الضغوط الأمريكية المتزايدة والضربات الاقتصادية المتعاقبة وتصاعد الشكوك العامة حول استمرارية النظام وشرعيته.
لقد بنى النظام الإيراني أساسه الفكري منذ وجوده عام 1979م على قاعدتين: تسيد المذهب الشيعي للعالم الإسلامي، والثورية. وتمثل ذلك في مصطلحي عقيدة الولي الفقيه وتصدير الثورة.
وسوف يقتصر مقالنا على تتبع العلاقة بين عقيدة الولي الفقيه في الفكر السياسي الإيراني وأزمة النظام الحالية.
عقيدة الولي الفقيه:
فكرة الإمامة في الفقه الشيعي هي أصلاً فكرة غير محددة بنصوص سواء في العقيدة أو في الفقه الإثنى عشري، ويرى شفيق شقير أن جوهر النظرية الإمامية يعتمد على القول بعدم جواز خلو الأرض من قائم لله بالحجة (الإمام)، ويجب أن يكون معصوماً وتفوق أحياناً هذه العصمة تلك التي يثبتها أهل السنة والجماعة للنبي صلى الله عليه وسلم ، فالإمام المعصوم هو مشرع ومبلغ عن الله يتصف بالعلم اللدني الإلهي، ويوحى إليه من الله بالإلهام، حتى ذهب بعضهم إلى اعتبار أن الإمامة هي النبوة وتخالف ما يسمى بعقيدة ختم النبوة.
وعلى العموم مرت ولاية الفقيه في بعدها السياسي بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: وهي التي اعتقد فيها علماء الفرقة الإثنى عشرية بفكرة محورية هي الإمام المعصوم، وهذا الإمام المعصوم سلطته مطلقة وطاعته واجبة، وباختفاء الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري سنة 837م بدأ عصر الغيبة ولكن الإمام المعصوم الثاني عشر سيعود لكي يقيم العدل في الأرض. وفي غيبته على الأمة أن تنتظر انتظاراً سلبياً بمعني أنه لا يجوز لأفراد الأمة العمل بالسياسة أو مقاومة الحكام الظالمين لأن ذلك سيؤخر عودة الإمام. أي إن الفقه الشيعي في هذه المرحلة انتهى إلى تحريم ممارسة السياسة وإقامة الدولة المنظورة حتى يعود الإمام الغائب.
وامتدت تلك المرحلة كما يقولها بعض المؤرخين في الفكر الإثنى عشري من عصر اختفاء الإمام الثاني عشر في القرن التاسع وحتى القرن الرابع عشر. ويرى الدكتور علي فياض أن غيبة الإمام «المعصوم» صاحب الولاية المطلقة تركت فراغاً في الموقع الشرعي للسلطة فكان على الفقهاء الشيعة أن يحددوا صيغة فقهية سياسية للتعاطي معه.
المرحلة الثانية: بدأت عندما أخذ بعض فقهاء الإثنى عشرية يتساءلون عن الحكم الشرعي في طول غيبة الإمام وهل يظلون بعيدين عن السياسة وتشابكاتها، ما أوجد فرقة تسمى الأصوليين، وهم الذين يجتهدون في النص ويرون أن دور الفقيه يمتد ليكون النائب العام عن الإمام ليعقد الجمع ويراعي الأبعاد الاجتماعية ويشرف على الأوقاف ويمارس القضاء، كما يمتد لمراقبة القوانين ومدى مطابقتها للشريعة بفهم الإثنى عشرية، ومقابل ذلك وكرد فعل ظهر بعض الفقهاء الذين أطلق عليهم الإخباريين، وهم الذين يتمسكون بظاهر النص الشيعي ويعتبرون دور الفقيه يقتصر على نقل الأحاديث وأقول الأئمة الاثني عشر.
ويرى الدكتور محمد السيد سليم أن تأسيس الدولة الصفوية بمثابة خروج على النظرية التقليدية للإمامة، إذ أدت إلى تطور انقلابي في الفكر الشيعي الإثنى عشري. فالدولة الصفوية نقلت الشيعة من مرحلة الانتظار السلبي إلى مرحلة تأسيس الدولة.
فلأول مرة يعلن الشاه إسماعيل الصفوي تأسيس دولته بأمر من صاحب الزمان المهدي المنتظر (الإمام الثاني عشر) الذي أمره بالثورة والخروج على أمراء التركمان الذين كانوا يحكمون فارس.
وشجعه على ذلك أحد علماء الإثنى عشرية ويدعى على الكركي، حيث جاء إلى إيران من جبل عامل في لبنان، حيث طور نظرية النيابة العامة للفقهاء متأثراً بقيام الدولة الصفوية. وأجاز للفقهاء في حالة الغيبة إقامة الحدود والقضاء وصلاة الجمعة، وبذلك انتقل فكر التيار الأصولي داخل علماء الشيعة من المجال النظري إلى التطبيق العملي.
واستمر النهج السياسي الشيعي مع مجيء الدولة القاجارية التي حلت محل الدولة الصفوية، فقد قام الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفى سنة 1812م بمنح السلاطين القاجار إجازة للحكم باسمه باعتباره نائباً عن الإمام، كما جعل سلطة نائب الإمام تدور حول إقامة الحدود وتلقي الخمس.
المرحلة الثالثة: وهي المرحلة التي دشنها الخميني عندما انتقل بدور الفقيه من مجرد منح الحكام الإجازة في السياسة إلى جعل نفسه أعلى سلطة في البلاد، فوق السلطات الثلاث التنفيذية والقضائية والنيابية، وتجسد ذلك في الدولة التي أعقبت الثورة الإيرانية عام 1979م، وقبلها كان الخميني قد نظّر لذلك النهج في كتبه وخاصة كتابه «الحكومة الإسلامية».
تدرج الخميني في كتابه «الحكومة الإسلامية» في عرض نظرية «ولاية الفقيه»، فبدأ بأسباب غربة الأمة عن مبدأ ولاية الفقيه واستعرض العوامل الداخلية والخارجية، فاليهود والاستعمار قدما صورة مشوهة للإسلام تتمحور حول أن الإسلام ليس فيه نظرية سياسية ولا علاقة له بتنظيم الحياة والمجتمع أو تأسيس حكومة فهو يعني بأحكام الحيض والنفاس، ونتج عن إبعاد المستعمر للإسلام عن السياسة أن سمح للقوانين والتشريعات الغربية أن تحل مكان القوانين الإسلامية، وفي خطوة جديدة انتقل الخميني إلى العامل الداخلي فبين أن الهزيمة النفسية لأفراد المسلمين ساعدت على ذلك الإبعاد، وبعد أن هيأ نفوس الناس دخل في عرض الحلول لتلك المشكلة، وعرض أولاً أدلة ضرورة تشكيل حكومة إسلامية، ثم فصّل في نظام الحكم الإسلامي وخصائصه، والملاحظ اعتماد الخميني على روايات حديثية أغلبها لم تثبت علمياً أو أولها بطريقة تخدم فكرته وليس لها سند من الأصول الفقهية، وبعدها انتقل الخميني إلى شروط الحكم الإسلامي، ومنها ولج إلى ولاية الفقيه حيث قسمها التقسيم المعروف عند علماء الشيعة في العصر الحديث إلى ولاية اعتبارية وولاية تكوينية، فولاية الفقيه من وجهة نظر الخميني «أمر اعتباري، كما يعتبر الشرع واحداً منا قيماً على الصغار، فالقيم على شعب بأسره لا تختلف مهمته عن القيم على الصغار إلا من ناحية الكمية. وإذا فرضنا النبي صلى الله عليه وسلم أو الإمام قيماً على صغار فإن مهمتهما في هذا المجال لا تختلف كماً ولا كيفاً عن أي فرد عادي آخر إذا عين للقيمومة على نفس أولئك الصغار. وكذلك قيمومتهما على الأمة بأسرها من الناحية العملية لا تختلف عن قيمومة أي فقيه عالم عادل في زمن الغيبة».
ويضرب الخميني مثلاً بالرسول صلى الله عليه وسلم فقد «كان يجبي الضرائب: الخمس والزكاة والجزية والخراج». فمن وجهة نظر الخميني «قد جعل الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم ولياً للمؤمنين جميعاً وتشمل ولايته حتى الفرد الذي سيخلفه، ومن بعده كان الإمام عليه السلام ولياً، ومعنى ولايتهما أن أوامرهما الشرعية نافذة في الجميع وإليهما يرجع تعيين القضاة والولاة ومراقبتهم وعزلهم إذا اقتضى الأمر».
ويؤكد الخميني أن «نفس هذه الولاية والحاكمية موجودة لدى الفقيه بفارق واحد هو أن ولاية الفقيه على الفقهاء الآخرين لا تكون بحيث يستطيع عزلهم أو نصبهم، لأن الفقهاء في الولاية متساوون من ناحية الأهلية».
وينتقل الخميني في تنظيره إلى الجانب العملي أي تمكين حكومة ولاية الفقيه في الأرض فيقول: ينبغي للفقهاء أن يعملوا فرادى أو مجتمعين من أجل إقامة حكومة شرعية تعمل على إقامة الحدود وحفظ الثغور وإقرار النظام. وإذا كانت الأهلية لذلك منحصرة في فرد كان ذلك عليه واجباً عينياً وإلا فالواجب كفائي. وفي حالة عدم إمكان تشكيل تلك الحكومة فالولاية لا تسقط لأن الفقهاء قد ولاهم اللَّه فيجب على الفقيه أن يعمل بموجب ولايته قدر المستطاع، فعليه أن يأخذ الزكاة والخمس والخراج والجزية إن استطاع، لينفق كل ذلك في مصالح المسلمين، وعليه إن استطاع أن يقيم حدود اللَّه. وليس العجز المؤقت عن تشكيل الحكومة القوية المتكاملة يعني بأي وجه أن ننزوي بل إن التصدي لحوائج المسلمين وتطبيق ما تيسر تطبيقه فيهم من الأحكام كل ذلك واجب بالقدر المستطاع.
وكتطبيق عملي على السلطة المطلقة للولي الفقيه في عام 1988م كان مجلس صيانة الدستور قد رفض التصويت على قانون العمل الذي أعدَّه مجلس الشورى واستنجد وزير العمل حينها بالإمام الخميني فسمح للوزير بتطبيق القانون دون أن يوافق مجلس الصيانة عليه. حينها خطب خامنئي وكان رئيس الجمهورية وقتها خطبة جمعة يندد بفعل وزير العمل، فراسله الإمام الخميني برسالة شديدة اللهجة في ديسمبر من العام نفسه جاء فيه: كان يبدو من حديثكم في صلاة الجمعة ويظهر أنكم لا تؤمنون أن الحكومة تعني الولاية المخوَّلة من قبل الله للنبي مُقدَّمة على جميع الأحكام الفرعية الإلهية. لا بد أن أوضح أن الحكومة شعبةٌ من ولاية رسول الله المطلقة وواحدة من الأحكام الأولية للإسلام ومقدمة على جميع الأحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم والحج.
واجهت فكرة ولاية الفقيه اعتراضات من عدد من مفكري الشيعة في إيران وخارجها. فقد ظهر تيار يعترض على ولاية الفقيه من حيث المبدأ معتبرين أن فكرة ولاية الفقيه هي مجرد بدعة دخلت على الفكر الشيعي. بل ذهب بعضهم إلى أن فكرة ولاية الفقيه تتعارض مع نصوص القرآن التي تشير إلى أن واجب الفقيه هو التبليغ والدعوة الدينية، ومن ثم اعتبروا من يقول بولاية الفقيه خارجاً عن الإسلام. ومن أهم هؤلاء موسى الموسوي. كما كتب حجة الإسلام محسن كديور يعارض مبدأ ولاية الفقيه مشيراً إلى أن العلاقة بين الشعب والحاكم ليست ولاية ولكنها وكالة. كذلك يقول محمد الحسيني الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان إن نظام ولاية الفقيه نظام دكتاتوري مستبد. كذلك عارض بعض عناصر التيار الأصولي الذي مثله آيات الله شريعتمداري والمرعشي النجفي وطالقاني مبدأ الولاية العامة للفقيه تأسيساً على أن أي حكم في غيبة الإمام ليس حكماً إسلامياً وأنه على الفقهاء أن يمتنعوا عن الاشتغال بالسياسة ويتفرغوا للتربية والدعوة مع إمكان الإشراف على التأكد من مطابقة القوانين للقانون الإلهي، فالولاية العامة هي للإمام المعصوم فقط. لم يرفض هذا الفريق ولاية الفقيه من حيث المبدأ ولكنه جردها من مضمونها السياسي. كذلك فقد طالب آية الله منتظري بما أسماه الخروج من ولاية الفقيه إلى ولاية الأمة، هذا برغم أن منتظري كان مرشحاً لخلافة الخميني في تولى منصب الفقيه، وقد انتهى به هذا الرأي إلى عزله سياسياً. أما محمد مهدي شمس الدين النائب السابق للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان فقد كان من أبرز من تصدر لنقد نظرية ولاية الفقيه فقهياً حيث يفرق شمس الدين بين زمنين للسلطة السياسية: زمن وجود الإمام المعصوم، وفي هذا الزمن تكون هناك حكومة إلهية، أما الزمن الآخر فهو ذلك الزمن الذي ينقطع فيه وجود الإمام المعصوم فتكتسي السلطة طابعا دنيوياً حيث تكون مرجعية السلطة هي الأمة وليست تقتصر على الفقهاء كما في نظرية الولي الفقيه للخميني، فولاية الفقيه في نظر شمس الدين منحصرة في القضاء والفتيا وليس في السياسة على إطلاقها، وأنها ليست فوق إجماع الأمة أو فوق الدستور والقانون. ويتبع محمد حسين فضل الله نظرية شمس الدين ويتأثر بهم طوائف كبيرة من شيعة لبنان.
وبذلك تعددت النظريات المضادة لنظرية «الولي الفقيه»، مثل «ولاية الفقهاء» للشيرازي، و«الدستورية البرلمانية» لشريعتمداري وموسى الصدر، و«ولاية الأمة» لشمس الدين، و«الفقيه المنتخب» لباقر الصدر.
ويرى الباحث أحمد الكاتب «أن عقيدة الانتظار هي عقيدة سلبية عقيمة وقد أضرت بالشيعة عبر التاريخ وأخرجتهم من مسرح التاريخ، ولذا فقد ثار عليها أنصار نظرية ولاية الفقيه، فليس كل الفقهاء الشيعة يؤمنون بهذه النظرية، فهم قد كفروا بنظرية الانتظار عملياً، وقاموا بالالتفاف عليها بدعوى التمهيد للإمام الغائب، وأنتجوا في نفس الوقت نظريات جديدة تتيح للشيعة ممارسة الحكم والسلطة، ومن ثم يعتقد الكاتب أن إيمان بعض الفقهاء بالنظرية الديمقراطية هو إيمان واقعي وليس تكتيكاً ولا تقية ولكنه إيمان ينفصل عن العقيدة التاريخية المذهبية التي لم يعد الإيمان بها قوياً وراسخاً وجذرياً بل تعرض للكثير من النقد والمراجعة، وآمل أن يؤدي ذلك عما قريب إلى مراجعة كثير من المقولات المذهبية العقيمة والميتة والتخلي عنها على المستوى النظري بعد التخلي عنها على المستوى العملي والواقعي».
وقد لخصت الباحثة أسماء الفاعور تلخيصاً جيداً الخلاف بين الشيعة في مسألة الولي الفقيه فكتبت: المقصود بالفقيه هو العالم المجتهد بأحكام الشريعة الإسلامية، والمقصود بالولاية هنا هو السلطة، فالقائلون بولاية الفقيه يعتبرون أن مجرد تحصيل الفقه يخوّل صاحبه سلطة على غيره، ويختلفون في حدود هذه السلطة، وقد قسموا هذه السلطة (أو هذه الولاية) إلى أقسام:
• ولاية الفتوى: وهي تعليم الناس الأحكام الشرعية.
• الولاية المالية: وهي أخذ الزكاة والخمس عند الإمكان.
• ولاية القضاء: وهي القضاء بين الناس في منازعاتهم وحل مشاكلهم عند الإمكان.
• الولاية العامة أو المطلقة: وهي ولاية أمير المؤمنين أو الحاكم الذي يتولى الحكم ورعاية الشؤون العامة ويقضي بين الناس ويحصّل الحقوق ويقيم الحدود ويقود الجيوش.
وترى فاعور أن الخميني وأتباعه يقولون بالولاية العامة المطلقة للفقيه، ولا يوجد بين المسلمين من يقول بقولهم هذا لا من السنة ولا من الشيعة، فأهل السنة يقولون بأن الولاية العامة تحصل لولي الأمر بسبب بيعة المسلمين له وليس بسبب فقهه، وكذلك الشيعة الزيدية، وأما الشيعة الإثنى عشرية فغالبيتهم العظمى تقول بأن الولاية العامة محصورة بالأئمة الاثني عشر دون غيرهم وكل راية ترتفع غير راية الإمام المعصوم هي راية طاغوت، ويعتبرون أن المراجع الذين هم نواب الإمام المعصوم لا تزيد سلطتهم أو ولايتهم عن ولاية الفتوى وولاية المال وولاية القضاء، ولا يجوز بحال من الأحوال أن تصبح ولاية المرجع ولاية عامة لأنها تصبح ولاية طاغوت.
وعلى العموم فإن الخلاف بين المراجع الشيعية على مبدأ الحكم ونظرية ولاية الفقيه لا شك أثر على التفاف شيعة العالم على النموذج الذي يمثله النظام الإيراني.
فنظرية ولاية الفقيه بتفسير الخميني أصبحت مرتبطة بالنظام ومستقبله، والتيار الذي يقود النظام السياسي الإيراني الحالي والذي يعتبر حامل إرث الخميني في نظريته السياسية (ولاية الفقيه) سيصر عليها كضرورة لإبقاء النظام مستمراً، أما إذا نجح فقهاء آخرون في تنحية هذه النظرية أو أصبح التشكيك فيها سائداً ومتقبلاً أو تم أي إجراء لتعديلها فهذا معناه بداية النهاية للنظام. وبذلك نتفهم لماذا الإصرار على لصق عبارة «استمرار قيادة الفقيه العادل الشجاع القدير» في وثيقة خامنئي المستقبلية.