تحريم الخمر، ومكانة العقل في الإسلام

أحمد كمال قاسم

إن ما يعارض النقل الصحيح لم يكن هو العقل في يوم من الأيام، بل هو الهوى يا سادة

  • التصنيفات: قضايا إسلامية -

كلنا نعلم أن الخمر حرام، لكن هل نتدبر في حكمة تحريمها؟

أم أننا نتوقف عند الحكم وطاعته، ونعلم حد شرب الخمر وانتهى الأمر؟

إن الخمر تخمر العقل عن الواقع، والمتدبر في آيات تحريم الخمر يجد أن الحكمة الأساسية في التحريم هي في منع تغييب العقل، وهذه الحكمة هي التي تقف خلف طلب الله من المسلمين عدم الاقتراب من الصلاة وهم سكارى حتى يعلموا ما يقولون، وذلك قبل تحريم الخمر قطعيا.

﴿ {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَقرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُم سُكارى حَتّى تَعلَموا ما تَقولونَ وَلا جُنُبًا إِلّا عابِري سَبيلٍ حَتّى تَغتَسِلوا وَإِن كُنتُم مَرضى أَو عَلى سَفَرٍ أَو جاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِنَ الغائِطِ أَو لامَستُمُ النِّساءَ فَلَم تَجِدوا ماءً فَتَيَمَّموا صَعيدًا طَيِّبًا فَامسَحوا بِوُجوهِكُم وَأَيديكُم إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفورًا} ﴾ [النساء: ٤٣]

فبديهي أن ما يمنع من ركن من أركان الإسلام كالصلاة يكون حراما بل كبيرة. . وقد بين الله في الآية التالية لآية التحريم أن الخمر هي الوسيلة التي يتخذها الشيطان كي يوقع العداوة والبغضاء بين المسلمين ﴿ {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصابُ وَالأَزلامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطانِ فَاجتَنِبوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ۝إِنَّما يُريدُ الشَّيطانُ أَن يوقِعَ بَينَكُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاءَ فِي الخَمرِ وَالمَيسِرِ وَيَصُدَّكُم عَن ذِكرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَل أَنتُم مُنتَهونَ} ﴾ [المائدة: ٩٠-٩١] وأنها تضل عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل توقع البغضاء وتضل عن ذكر الله وعن الصلاة إلا باللعب في العقول وتغييبها؟ .

وكل ما سبق هو علة أن الإسلام يحرم المخدرات كالحشيش وغيره مما يخمر العقل من المخدرات المستحدثة بالرغم من عدم ورود نص صريح يحرم كلا من هذه المخدرات بعينه، أما القول بأننا لا نعرف الحكمة من تحريم الخمر إلا أننا ننتهي عن شربها وحسب يجرنا إلى أننا يجب أن ننتهي فقط عن النبيذ بعينه - وهو مادة الخمر المعروفة وقت نزول القرآن - دون تحريم كل ما يسكر أو يغيب العقل بآية تحريم الخمر، وهذا غير معقول. . أما أن يأتي أحدهم فيقول إن كانت الحكمة من التحريم هو أنها تذهب بالعقل، ويزعم أن نسبة معينة من الخمر لا تذهب بعقله، وبالتالي فإنه سيشرب ما دون حد السكر، فالرد عليه يسير، وهو أن الله يريد منا أن نبتعد تماما عما يغيب العقل لأن الإنسان لا يدرك إن كان بدأ في السكر أم لا فالإدراك يكون بالعقل والخمر تلعب بالعقل فلا يمكننا أن نثق في حكم العقل في تحديد الحد الذي يسكر من الخمر، لاسيما أن السكر ليس أبيض وأسود، بل السكر يحدث تدريجيا وبدرجات، وأنه يختلف بين فرد وآخر. 

الخلاصة:

إن مكانة العقل - هذا الذي يحقِّر منه كثير من الخطاب الإسلامي المعاصر ويضعه كخصم للنقل - في الإسلام هي من العظمة بحيث أن أصبح تغييبه عن الواقع كبيرة من الكبائر!

. أبعد ذلك نصغر العقل ونقلل من شأنه بل نضعه خصما للدين؟ إن هذا لهو البلاء المبين!

. إن ما يعارض النقل الصحيح لم يكن هو العقل في يوم من الأيام، بل هو الهوى يا سادة.

إنه الهوى حتى لو تنكر في صورة العقل.

أما العقل ذاته فبريء من معارضة النقل الصحيح، بل أن صحة النقل لا يمكن إدراكها إلا بالعقل ذاته. . .

أحمد كمال قاسم