عقوبة الردة حداً لا تعزيراً:المقال الأول
ملفات متنوعة
"رسالة نقدية للرد على مقالة لمحمد سليم العوا بعنوان عقوبة الردة تعزيراً لا حداً "
سيكون سير الكلام –إن شاء الله- تببين الفرق بين الحد والتعزيرفي البداية، ثم نشرع في الرد علي المقالة بإقتباس جزء جزء والرد عليه وبيان ما فيه من أخطاء.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
بدايةً ماهو الحد وماهو التعزير وما الفرق بينهما؟ التعزير لغةً التأديب، واصطلاحاً:تأديب على ذنوب لاحد فيها، وبالتالي كما يقرر الفقهاء بأنه سلطة تقديرية للقاضي أو الحاكم، فينظر في حال الجاني وظروفه وظروف الواقعة ويحكم بعقوبة مناسبة تستصلحه وتردع الآخرين.
والفرق بينه وبين الحد، أن الحد مُقدر سلفاً وواجب النفاذ شرعاً ولا يجوز للإمام تركه ولاتجوز الشفاعة فيه، ويُدرأ بالشبهات. بينما التعزير يخضع لقاعدة المفاسد والمصالح بحسب مايراه الحاكم أو القاضي مناسباً.
وهنا المنطلق للرد على المقالة التي تهدف إلي إثبات أن عقوبة الردة ليست حداً وبالتالي تتغير عقوبتها من القتل إلى أي عقوبة أخري علي حسب تغير الواقع وليست عقوبة واحدة ذات حدٍ واحد، وأن هذا هو مجال البحث، وهو يقر بفرضية تجريم الردة. وهذا قبس من كلامه " ودراسة الردة تقتضي أن نتبين مدى انطباق أحكام جرائم الحدود وعقوباتها عليها؛ لنرى بعد ذلك ما إذا كانت تُعتبر من جرائم الحدود أم لا؟ وما إذا كانت تُعتبر عقوبتها حدًا مقدرًا لا يقبل التغيير؟ أم أنها تدخل في إطار نوع آخر من الجرائم، وتدخل عقوبتها كذلك في إطار نوع آخر من العقوبات؟
ولذلك فسوف نقسِّم دراستنا لهذه الجريمة على نحو يحقق الوصول إلى إجابة عن هذا التساؤل؛ فنبدأ بدراسة النصوص القرآنية في شأن الردة، ثم نستعرض الأحاديث النبوية المتعلقة بها، ونناقش بعد ذلك ما انتهى إليه الفقه الإسلامي، أو الرأي السائد فيه، من اعتبار الردة جريمة من جرائم الحدود، يُعاقَب عليها بعقوبة مقدرة ذات حدٍ واحد، وهي عقوبة الإعدام.
ومن الجدير بالبيان -بادئ ذي بدء- أننا في دراستنا لجريمة الردة إنما نناقش فحسب وضع العقوبة بين عقوبات الحدود أو في نطاق غيرها من العقوبات. أما تجريم الردة، ووجوب فرض عقاب عليها، فهما أمران مسلَّمان، ولا يدخلان بالتالي في نطاق بحثنا"
مع الجدير بالذكر أن هذا الكلام سيظهر عكسه وتناقضات كثيرة حوله خلال تعليقنا على كلامه..
ابتدأ الكاتب بسرد آيات القرآن التي تحوي كلمة الردة وذكر أمثلة لها، سنقتبس بعض كلامه حول ذلك "أما تعبير الردة، فقد ورد في قوله تعالى: “… {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ” (البقرة: 217) وأما تعبير الكفر بعد الإيمان،في قوله تعالى: “ {أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} ” (البقرة: 108) وفي سورة التوبة: “ {لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} ” (التوبة: 66) " وسرد آيات أخري ثم قال في النهاية "وهكذا، فإننا لا نجد في النصوص المتعلقة بالردة في آيات القرآن الكريم تقديرًا لعقوبة دنيوية للمرتد، وإنما نجد فيها تهديدًا متكررًا، ووعيدًا شديدًا بالعذاب الأخروي. ولا شك في أن مثل هذا الوعيد لا يرد إلا في شأن معصية لا يُستهان بها. يكفي أن الله سبحانه وتعالى قد وعد المؤمنين بمغفرة الذنوب جميعا، في الوقت الذي توعد فيه من كفروا بعد إيمانهم، ثم ازدادوا كفرًا بأنه لن يغفرَ لهم ولن يهديهم سبيلاً. فالردة في حكم القرآن الكريم معصية خطيرة الشأن وإن لم تُفرض لها آياته عقوبة دنيوية."
أولا: أن عقوبة الردة مقررة في السنة فلا معنى للقول بأنه لا وجود لها في القرآن، فعدم وجودها لا يعني أي شيء في حكمها ما دامت ثابتة في السنة. ومن المعلوم بالضرورة أن السنة المصدر الثاني للتشريع وأن الله أمرنا بطاعة النبي والتحذير عن مخالفة أمره، وأن كثيراً من الأحكام الشرعية لم يرد لها تفصيل في القرآن مثل تفاصيل الصلاة والزكاة والحج وإنما وردت في السنة . وبالتالي فعدم وجود حكم شرعي في القرآن لايساوي بالضرورة عدم وجوده مطلقاً.
ثانياً: مع العلم أن بعض العلماء قد استنبط حكم المرتد من القرآن بالنظر في حكم الكافر؛ لأن المرتد كافر.مثل الجصاص رحمه الله حيث قال "والأصل فيه-يعني في قتل المرتد- قول الله تعالى (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ،والمرتد مشرك "(1) وقال الإمام الشافعي رحمه الله " الذي أبحت به دم المرتد ما أباح الله به دماء المشركين"
بعدها بدأ بالحديث عن هل نُسخ قوله تعالى (لا إكراه فالدين ) فقال "واستنباط عقوبة المرتد أو تأسيسها على فهم بعض الآيات المتقدم ذكرها، التي تبين عقاب المرتد في الآخرة ينافي صريح قوله تعالى: “ {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ” (البقرة: 256). وقد فطن ابن حزم -رحمه الله- إلى هذا التعارض بين تقرير عقوبة المرتد استنادًا على بعض الآيات التي فيها وعيد المرتدين، وقوله تعالى: “ {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ”، فذهب إلى أن هذه الآية الأخيرة من منسوخ القرآن، وأن حكمها بالتالي غير محكم. وأن الإكراه مباح في الدين.
ولكن دعوة النسخ في هذه الآية غير مسلمة؛ فالنسخ لا يكون إلا بنقل صريح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عن صحابي يقول: “آية كذا نُسخت بآية كذا”. و”لا يُعتمَد في النسخ بأقوال عوام المفسرين، بل ولا اجتهاد المجتهدين من غير نقل صريح ولا معارضة بيِّنة (أي تعارض آيتين)؛ لأن النسخ يتضمن رفع حكم، وإثبات حكم تقرر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالمعتمد فيه النقل والتاريخ دون الرأي والاجتهاد.
وعلى ذلك فإن قوله تعالى: “ل {اَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ” محكم غير منسوخ، وهذا هو المتفق مع ما تكرر تقريره في القرآن الكريم من حرية الفكر والرأي والاختيار، على نحو يشعر بأن ذلك من أصول الإسلام التي لا يدخل مثلها النسخ ولا التبديل"
وبعيداً عن قضية نسخ القرآن بالقرآن أو السنة المتواترة أو غيرهما وما في ذلك من خلاف، ولكن في هذا الإقتباس عدّة إشكاليات:
أولها: هو افتراضه النسخ فقط، و فهم الآية بمعزل عن بقية الآيات والأحاديث وتطبيقات النبي والصحابة بما يسمي الجمع بين الأدلة.
ثانيها: أن مايقع على هذه الآيه هو التخصيص بالسنة، وأنها من العام المخصوص كما قال الطبري رحمه الله "كان المسلمون جميعا قد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أنه أكره على الإسلام قوما فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام، وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه، وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب، وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر ومن أشبههم، وأنه ترك إكراه الآخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه وإقراره على دينه الباطل، وذلك كأهل الكتابين ومن أشبههم كان بينا بذلك أن معنى قوله: " لا إكراه في الدين "، إنما هو لا إكراه في الدين لأحد ممن حل قبول الجزية منه بأدائه الجزية، ورضاه بحكم الإسلام."،وهناك مسائل عديدة نتيجة تخصيص السنة للكتاب ومنها تخصيص آيه (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فلايدخل فيها من يلبس الخف، ومنها أيضاً تحليل أكل السمك والجراد وهم من الميتة. بل ويقول الشافعي في تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو المرأة وخالتها "وفيه دلالتان: دلالة على أن سنة رسول الله لا تكون مخالفة لكتاب الله بحال، بل تكون مبينة عامة وخاصة. ودلالة على أنهم قبلوا فيه خبر الواحد" ..الخ ،والمقصد أن من ينكر حد الردة يلزمة إنكار أحكام أخرى دلت عليه سنة مُخصصة لآية.
ثالثها: هو إنكاره لعقوبة الردة بالقتل؛ لأن في هذا إكراه فتُعارض الآيه، أوليس السجن(كما سيستدل لاحقاً) فيه إكراه أيضاً! وهنا وقع في التناقض.
مع الأخذ في الإعتبار أن القول بعموم عدم الإكراه مطلقاً وأن حقيقة هذا القول ولازمه هو العلمانية الصريحة، فالزنا والخمر كلها محرمات ويمنع منها، فإذا قلنا لا وجود لأي إكراه في الدين فهذا يعني أن الشريعة لا نظام فيها ولا قوانين، وهذا يعني أنها علاقة بين العبد وربه كما هو التفسير العلماني.
أحمد مجدي