شهادة التاريخ.. الليبرالية المصرية تضييع للأوطان وحرب على الإسلام
وليد نور
منذ رحيل الرئيس المصري (المخلوع): محمد حسني مبارك وما فتئ
الليبراليون عن الحديث عن فوائد الليبرالية للحياة المصرية، مبشرين
بعصر من الإنجازات والفتوحات إذا أتيح لليبرالية أن تحكم.. وكأنها لم
تكن جاثمة على قلوبنا من قبل!
- التصنيفات: مذاهب باطلة -
.
منذ رحيل الرئيس المصري (المخلوع): محمد حسني مبارك وما فتئ
الليبراليون عن الحديث عن فوائد الليبرالية للحياة المصرية، مبشرين
بعصر من الإنجازات والفتوحات إذا أتيح لليبرالية أن تحكم.. وكأنها لم
تكن جاثمة على قلوبنا من قبل! وبعيدًا عن الأسس النظرية والفكرية
لليبرالية والتي تكذب ما يدّعُونه، فإننا في هذا المقال نستنطق
التاريخ ليخبرنا عن تجربة ليبرالية خرجت من أيدي واضعي دستور (1923م)
لنرى: هل حققت هذه التجربة الليبرالية ما نادت به؟ أم أن الأمر لم
يعدو كونه ضجيج بلا طحن كما هي العادة دائمًا...
والتجربة التي بين أيدينا هي تجربة حزب (الأحرار الدستوريين): والذي
قام مؤسسوه بوضع دستور (1923م) ثم أنشأوا حزبهم المذكور، ولقد كان
لهذا الحزب على قلة شعبيته دور خطير في رسم سياسات مصر إبان الاحتلال
البريطاني، كما لعب دورًا أبرز في نشر الفكر الليبرالي في
البلاد...
نحاول في هذا المقال: رصد أهم معالم وأفكار حزب الأحرار الدستوريين،
والتي سوف يتضح لنا بعد ذلك كم هي مشابهة لدعاوي وأفكار الليبراليين
المعاصرين، وهو الأمر الذي يتيح لنا قراءة هذه الأفكار والتصدي لها،
والاستفادة من كتابات المفكرين الإسلاميين وقتها في التعامل مع أصحاب
هذا الفكر...
الأحرار الدستوريين (النشأة والبداية):
حزب الأحرار الدستوريين: أحد الأحزاب المهمة في تاريخ السياسة
المصرية، هو الحزب الذي وضع أعضاؤه دستور (1923م) وهو الدستور الذي لم
يعترف بالشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع، بل اكتفى بذكر أن الإسلام
دين الدولة (1). وهو الدستور الذي طالب كثير من الليبراليين بالعودة
إليه، ويعتبر البعض حزب الأحرار الدستوريين حزبًا للمثقفين والأعيان
(2). حيث ضم في عضويته عددًا من المثقفين وقتها أمثال: (أحمد لطفي
السيد، ومحمد حسين هيكل، وعلي عبد الرازق، ومحمود عزمي).
الليبرالية في ظل المحتل:
كان حزب الأحرار الدستوريين ممثلاً للفكر (العلماني والليبرالي) الذي
نجح الاحتلال البريطاني في غرسه بالبلاد، وتعمق الاتجاه الليبرالي في
وجدان هؤلاء وخطابهم في مطلع العشرينيات بزيادة حدة الموجة التغريبية
التي اجتاحت مناحي الحياة المختلفة، وراحت تطيح بكثير مما تعارف عليه
المجتمع من قيم وأفكار، وقد استظلت هذه الموجة بغطاء الهيمنة
الاستعمارية التي فرضت نفسها على مصر والمنطقة من حولها (3).
وقد استوحت الليبرالية المصرية الكثير من النموذج التغريبي الجاري
على قدم وساق آنذاك في تركيا (4).
لقد نظر الليبراليون في مصر بانبهار وإعجاب إلى التجربة العلمانية في
تركيا، وظهر جدل فكري هام بين التيارات المختلفة تعقيبًا على ما يجري
في تركيا، وظهر في الصحافة المصرية آلاف المقالات والتحقيقات حول
التجربة الكمالية (إعجاباً وتأييداً، أو انتقادًا وتحذيرًا) لكن
التيار الليبرالي أبدى إعجابًا شديدًا بهذه التجربة، وراح الليبراليون
يثيرون في مصر نفس القضايا التي كانت تُثار في تركيا (كالخلافة،
وتغريب التعليم، والتشريع والثقافة والأدب، والأزياء، والحروف
اللاتينية والمطالبة بإلغاء الوقف، وإلغاء الإفتاء، والأخذ بالزواج
المدني..) (5).
مبادئ براقة وواقع كاذب:
يردد الليبراليون هذه الأيام مبادئ براقة عن سعيهم لنهضة البلاد،
ويطرحون برامج يظن من يطلع عليهم أنهم جادون في تنفيذها، غير أن
الواقع التاريخي لليبراليين في مصر تثبت عكس ذلك.. يقول الدكتور أحمد
زكريا الشلق في دراسته عن حزب (الأحرار الدستوريين): "أظهرت هذه
الدراسة الهوة بين البرامج التي طرحوها وأخذوا على عاتقهم الالتزام
بها وبإنجازها وبين الممارسة العملية" وأكد (الشلق) أن الحديث عن
البرامج والمبادئ الأخاذة عادة أسهل من العمل، وكم كان يُضحى بها على
مذبح الولاءات الشخصية، وإرضاء الزعامات بنفس القدر الذي كان يغضي فيه
عنها طمعًا في كسب (الرضا السامي) أحيانًا وثقة (المحتل الحليف)
أحيانًا أخرى.. ولاحظ حديثه عن (الرضا السامي) أي: (رضا السلطان، وثقة
المحتل الحليف) فهؤلاء الليبراليون مُدّعو الوطنية والبطولة لم يكونوا
سوى عملاء وأتباع للرضا السامي من جهة، وللمحتل البريطاني من جهة
أخرى..
وقد أشار الدكتور (عمرو حمزاوي) في دراسة له نشرت عام (2007م) عن
الأحزاب العلمانية والليبرالية إلى: أن هذه الأحزاب اختارت أن تسير في
ركب النظام على أن يصل الإسلاميون إلى الحكم..
الليبرالية القديمة واستفتاء الدستور:
ومثلما أعرب الليبراليون في مصر عن رفضهم لنتائج استفتاء التعديلات
الدستورية، وصدرت منهم تصريحات تقلل من شأن المصريين لتأييدهم هذه
التعديلات الدستورية، فإن موقفهم هذا لا يختلف عن موقف (الأحرار
الدستوريين) في القديم.. حيث يقول الدكتور (الشلق): "إن التناقضات بين
ما طرحه الحزب وبين ما أنجزه انعكست بشكل حاد من خلال تعامله مع
المسألة الدستورية والحياة النيابية، فقدم رجال الحزب فى البداية
دستور عام (1923م) واعتبروه خيرًا من لا شيء، ثم اتضحت الهوة التي
تفصل بين الإيمان النظري والموقف العملي، بل والالتزام الحزبى، فتزعزع
الإيمان بالدستور، خاصة عندما جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية بموجب
هذا الدستور مخيبة لآمال الحزب، حيث أوقعته دائما في معسكر أحزاب
الأقلية مما جاء ترجمانًا صادقًا لمدى تغلغل الحزب في صفوف
الجماهير".
السلطة لا مصلحة الوطن..!
ويشير الدكتور (الشلق) إلى نقطة هامة في تاريخ الفكر العلماني في
مصر: أنه لم يكن مهتمًا يومًا بمصلحة البلاد والوطن، بل كان حريص فقط
على السلطة وراغبًا فيها..
يقول الشلق: "اتضح لنا أن الرغبة في السلطة كانت وراء نشاط حزب
الأحرار الدستوريين، تدفع حركته وتفسر كل دوافعه وسلوك أعضائه
وعلاقاتهم، ونتيجة لنجاحاته في بلوغ تلك الرغبة ساهم بشكل كبير في
الصراع السياسي والاجتماعي لمصر المعاصرة".
أما موقف الأحرار الدستوريين من الاحتلال البريطاني: فقد كان يقوم
على التعاون مع المحتل وعدم المشاركة أو تأييد أية أعمال للمقاومة،
وقد لمس الجانب البريطاني ذلك لدى قياداته فتعامل معها على هذا
الأساس، وكانت النتيجة: أن تجاوزت مصر عقودًا ثلاثة وهي تتفاوض للحصول
على استقلالها، وكان ينتمي لحزب الأحرار الدستوريين عدد من بقايا حزب
الأمة الداعي إلى التعاون مع المحتل الإنجليزي، ولم يكن حزب الأمة
بدعاً في ذلك من كثير من الأحزاب الليبرالية في الوطن العربي في
تميزها بالتعاون مع المحتل، والدعوة إلى الاكتفاء بإصلاح شؤون الشعب
عن طريق التعليم أساسًا..
الليبرالية وإدعاء الديمقراطية:
وكما أن النخبة الليبرالية الحالية ترفض القبول باستفتاء الشعب
وتحاول الالتفاف عليه رغم إدعائها الديمقراطية، فإن النخبة الليبرالية
القديمة لم تكن تختلف كثيرًا عن هذا، ففي أبريل عام (1925م) بارك حزب
الأحرار الدستوريين إصدار الحكومة قانوناً يحظر على الموظفين الاشتغال
بأمور السياسة، رغم ما في ذلك من إقصاء لقطاع عريض من الشعب، ولعل
مباركة الليبرالية القديمة لهذا القانون السيئ تشبه محاولة الليبرالية
الجديدة إقصاء التيار (الإسلامي والشعبي) والتقليل من شأنه، ولعل ذلك
بسبب: ضعف شعبيتهم في الشارع المصري قديمًا وحديثًا، والعجيب أن الحزب
المذكور هو نفسه الذي قبل مرسوم تقييد حرية الصحافة الذي أصدرته
الحكومة..
الليبرالية بين حرية الرأي، وحرب الإسلام:
يدعي الليبراليون أنهم ينادون بالحرية، وعلى رأس تلك الحرية حرية
الرأي، وحقيقة الأمر أن حرية الرأي عندهم تنحصر في محاربة الإسلام!
مثال ذلك: أنه بعد أن نشرت صحيفة السياسة الناطقة بلسان الأحرار
الدستوريين مقالات (طه حسين) عن الشعر الجاهلي والتي تضمنت طعنه في
القرآن، انبرى العلماء في الرد عليها، ومن هؤلاء: (محمد أحمد
الغمراوي) الذي أرسل برده إلى المجلة رجاء نشره كما نشرت مقال الدكتور
(طه حسين) فوعدت وسوفت ثم أخلفت..!
وتُعلق مجلة المنار على هذا الموقف فتقول: "هذا يدل على أن السياسة
لا تنشر أمثال تلك المقالات الإلحادية من باب حرية النشر الواسعة، بل
هي لسان حال هؤلاء الملاحدة الإباحيين في هذا الباب، كما أنها لسان
حال حزب الأحرار الدستوريين في السياسة، بل ظاهر إطلاقها: أنها لسان
حال هؤلاء يشمل هذا، ولكننا نعرف منهم أفرادًا أولي دين وعسى أن
يحملوها على ترك الدعاية الإلحادية أو ينفصلوا من حزبها
محتجين".
هكذا نرى من خلال هذا العرض المختصر لمواقف حزب الأحرار الدستوريين
(الليبرالي): أن الليبرالية المصرية لم تعمل أبدًا لمصلحة الوطن، ولا
لرفعة الإسلام..
السبت ـ 02 ـ يوليو ـ 2011 م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) العجيب أنه حتى هذه المادة التي نصت فقط على أن الإسلام دين
الدولة، والتي كانت بمثابة مجرد تحية لدين الأغلبية الساحقة من سكان
البلاد، هذه المادة رفضها بعض قيادات حزب الأحرار الدستوريين حيث
رفضوا أن يكون للدولة دين، وهو ما يكرره يحيي الجمل الآن!
(2) المثقفون هم المثقفون في كل عصر: هي تلك الفئة المنقطعة عن واقع
الناس والسائرة في ركب السلطان، أما الأعيان فهم: رجال الأعمال، فقد
كان هذا الحزب حزبًا للنخبة في ذلك الوقت، وهي ذات النخبة التي تصدع
رؤوسنا هذه الأيام بالدستور أولاً..
(3) ينظر: (جابر الأنصاري: تحولات الفكر والسياسة: ص: 112- 117)، (
أحمد زكريا الشلق: العلمانية في الفكر المصري الحديث)، (المجلة
التاريخية المصرية (القاهرة:30، 31/ 1983، 1984م) ص: 433- 478، ص:
447- 448).
(4) غالي شكري: (النهضة والسقوط: ص: 171- 172).
(5) ينظر: (أنور الجندي: الفكر العربي المعاصر؛ ص: 7، ص: 14، ص: 157،
158)، (عبد المنعم رمضان: تطور الحركة الوطنية: ص: 281، 282) والملاحظ
أنها نفس القضايا التي تثيرها النخبة الليبرالية في زماننا هذا!