البهائية ودورها في ظهور النحلة الباطنية الكردية "حقة":(1-2)
ملفات متنوعة
وتشير المصادر البهائية أنه من خلال زيارات بهاء الله (الدرويش محمد) المتكررة إلى خانقاه مولانا خالد في السليمانية الذي بناه الوالي الباباني محمود باشا سنة 1816م/1232هـ، استطاع تكوين صداقة مفعمة بالروح مع الشيخ إسماعيل رئيس الطريقة الخالدية في السليمانية.
- التصنيفات: الملل والنحل والفرق والمذاهب -
د.فرست مرعي
لم تنقطع مؤامرات الحركات الباطنية على العقيدة والفكر الإسلامي في التاريخ حتى الوقت الحاضر. وفي بداية القرن التاسع عشر الميلادي تم تجديدها على يد شيخ فاسد العقيدة، غامض الفكرة والأسلوب، يثير حوله جواً من التقديس الكاذب، وهو الشيخ أحمد الأحسائي (1168-1243هـ/1753-1826م)، والذي أسس طريقة في مذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية، سميت فيما بعد بـ«الشيخية».
والشيخية يقولون: إن الحقيقة المحمدية تجلت في الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم تجلياً ضعيفاً، ثم تجلت تجلياً أقوى في محمد والأئمة الاثني عشر، ثم اختفت زهاء ألف سنة (260-1260هـ/874-1844م)، وتجلت فيما بعد في الشيخ أحمد الأحسائي، الذي هو الركن الرابع، وفيما بعد في الشيخ كاظم الرشتي (ت1259هـ/1843م)، ثم تجلت في محمد كريم خان القاجاري الكرماني (ت1288هـ/1870م)، وأولاده إلى أبي قاسم خان، هذا التجلي أو الظهور هو أعظم التجليات لله وأئمة الشيعة الإثنى عشرية[1]. والركن الرابع: من الشيخ الأحسائي إلى ما بعده، هم شيء واحد، يختلفون في الصورة، ويتحدون في الحقيقة، التي هي الله، ظهر بينهم، أو حلّ في أجسامهم، ويعتقدون أن محمداً رسول الله، وأن الأئمة الاثني عشر هم أئمة الهدى. ومعنى الرسالة والإمامة عندهم، أن الله تجلى في هذه الصورة، فمنهم رسول، ومنهم إمام. ويعتقدون أن اللاحقين هم أفضل من السابقين. وبناء على ذلك فالشيخ أحمد الأحسائي، في رأي أصحابه، أعظم من جميع الأنبياء والمرسلين. ويعتقد هؤلاء أيضاً بالرجعة، ويفسرونها بأن الله بعد أن غاب عن صور الأئمة، رجع وتجلى تجلياً أقوى في الركن الرابع، الذي هو الشيخ أحمد، ومن أتى بعده.
الشيخ أحمد الأحسائي من الشيعة الحلولية، الذين يفسرون علياً على غرار الشيعة النصيرية (العلوية)، وأدلته الفلسفية مستقاة من مذهب الفيلسوف الإيراني الباطني المشهور ملا صدرا الشيرازي (ت1050هـ/1640م) وترشح كتاباتهم بأنهم يعتقدون في علي بن أبي طالب نحو ما يعتقد فلاسفة الأفلاطونية المحدثة في العقل الأول، بل أدهى وأمر[2].
أما اعتقادهم في يوم القيامة، فهو اعتقاد باطل، مخالف لنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وإجماع الأمة، فقد أقروا بوجود جنتين، وجهنمين: إحداهما في هذه الدار العاجلة (الدنيا)، والأخرى اللاحقة (القيامة)، وإن الجنة هي الولاية والاعتراف بالقائم ولا فرق. أما يوم الحشر فإن الخلق لن يعودوا إلى الله وفق تعاليم الإسلام، وإنما إلى المشيئة الأولى. وأن البعث (النشور) لا يكون في الأجسام المشهودة، بل في أجسام لطيفة (قوريلائة) وهي كلمة سريانية تعني الأجسام بين عالم الكثافة وعالم الجنة الروحاني، أو العالم المثالي، وهو عبارة عن البرزخ ما بين عالم الأجسام وعالم النفوس، ولذلك فإن فكرة الأحسائي حول مسألتي المعاد والمعراج الجسماني، تعد بدعة في العقيدة الإسلامية، فقد قرر أن جسم الإنسان مكون من أجزاء متباينة، مستمدة من الطبائع الأربعة (الماء والتراب والهواء والنار)، والأجسام التسعة السماوية وفق الفلسفة الأفلاطونية المحدثة، وأن الجسم الذي يقوم في يوم القيامة لا يتكون إلا من الأجزاء السماوية، وأما الطبائع الأربعة، فإنها تعود إلى الأرض بمجرد الوفاة. وعلى هذا فإن معراج النبـي محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء كان روحانياً لا جسمانياً[3].
وما تجدر الإشارة إليه، هو أن الفكرة الباطنية نظراً لما يحيط بها من غموض وإبهام، ولما في طرق تأديتها وتعاليمها من رموز وإشارات، قد يتعذر وجود شخصين متفقين فيها، وهذا ما جعل كاظم الرشتي يخالف أستاذه الأحسائي في كثير من مبادئه، ويؤسس له طريقة جديدة، عرفت بـ«الطريقة الكشفية»[4]. وهذا بعينه أيضاً هو الذي حدا بالسيد علي محمد الشيرازي أن يؤسس - بعد مدة - ديناً جديداً (الدين البابي)، برغم اتصاله الشديد بأستاذه كاظم الرشتي. وقد استخدم الشيخ الأحسائي جميع وسائل الباطنية، من: تأويل، وحلول، وتناسخ، وتقديس للأنبياء والأئمة، فالإمام مخلوق من نور الله، وأنه صاحب المشيئة في العالم، لأنه نفس الله! ولم يتورع الأحسائي عن الاستناد إلى روايات كاذبة، وأحاديث ضعيفة، منسوبة إلى الأئمة، في تمرير أساطيره وخرافاته بين أتباعه، الذين حاولوا دون جدوى توضيح آراء أستاذهم والدفاع عنها.
أما الحركة الكشفية أو الرشتية، فهي تطور طبيعي للشيخية، على يد كاظم الرشتي. وقد كتب الرشتي مجموعة رسائل، دافع فيها عن عقيدة الأحسائي، وحاول شرح غموضها، ولكن علماء الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ما لبثوا أن ردوا عليه أيضاً وعدوه من الغلاة.
والمعروف أن الميرزا علي محمد الشيرازي، زعيم البابية، كان تلميذاً للرشتي. برغم أن الفرقة الكرمانية، بزعامة محمد كريم خان الكرماني، انبثقت مباشرة من الرشتية، وتطرفت وغالت في أفكارها هي الأخرى. ومما لا شك فيه أن البابية قد استفادت إلى درجة ملحوظة من التراث الباطني، الذي خلفته الفرق الأخرى من التصوف الغالي، وخاصة تراث الحلاج المقتول، ومحيي الدين بن عربي، بالإضافة إلى فرقتي الشيخية - الأحسائية، والكشفية - الرشتية.
البهائية:
البهائية حركة باطنية ظهرت في إيران، نبعت من المذهب الشيعي الإثنى عشري، وهي امتداد للحركات الباطنية التي ظهرت في إيران في حقب سابقة: كالشيخية والكشفية والبابية، بدعم من روسيا فـي المرحلة الأولى، والاسـتعمار البريطـاني، واليهودية فيما بعد، بهـدف إفساد العقيدة الإسلامـية، وتفكيك وحدة المسلمين، وصـرفهم عـن مبادئهم الأساسية.
أسسها الميرزا حسين علي المازندراني الملقب ببهاء الله، المولود سنة 1234هـ/1817م وكان والده من كبار ملاك الأراضي. وقد أتعب الميرزا حسين نفسه في قراءة كتب التصوف الغالي، وكتب الشيخية، وتعاليم ابن عربي وعبد الكريم الجيلي، وكبار شعراء الفرس. لذا آمن بوحدة الأديان، وبوحدة الوجود، التي تنتهي بصاحبها إلى القول بسقوط التكاليف، ويتبعها سقوط الشعائر.
وقد أعلن بهاء الله دعوته في حديقة السراي (حديقة الرضوان) في بغداد (سـنة1281هـ/1863م). أما الميرزا يحـيى علي، أخو البهاء، والمقلب بـصبح الأزل، فقد أوصـى لـه الباب علي محمد رضـا الشيرازي، المقتول سنة 1267هـ/1849م، بخلافته، وسمى أصحابه «الأزليين». فنازعه أخوه الميرزا حسين علي البهاء في الخلافة، ثم في الرسالة، والإلهية، ودس السم لأخيه. ولشدة الخلافات بينهم وبين بقية الشيعة الإثنى عشرية في إيران والعراق، فقـد تـم نفيهم إلى الدولة العثمانية عام 1863م، بناء على طلب من الحكومة القاجارية الإيرانية، حيث تم نفيهم في البداية إلى بغداد، ومن ثم إلى مدينة أدرنة الواقعة غرب إسطنبول على الحدود اليونانية بعد اشتداد الصراع بين أتباع الأخوين، الحسين بن علي المازندراني الملقب ببهاء الله، وأخيه يحيى الملقب بصبح الأزل. بعد إعدام الباب علي محمد الشيرازي، من قبل السلطات القاجارية الإيرانية عام 1849م، بناءً على أوامر الشاه ناصر الدين القاجاري الذي اغتيل سنة 1325هـ/1896م.
هرب الميرزا يحيى (صبح الأزل)، وأودع أخوه الميرزا حسين السجن مدة أربعة أشهر، وقد تدخلت السفارة الروسية لمصلحة الأخير، فتم نفيه إلى بغداد، وزودته السفارة الروسية بالمال اللازم.
وبعد وصول الميرزا حسين إلى بغداد، التي سبقه إليها أخوه الميرزا يحيى (صبح الأزل) حدث خلاف وصراع شديد بينهما على نيابة الباب، مما دعا الميرزا حسين إلى ترك بغداد، والذهاب إلى منطقة السليمانية، حيث وصلها في الثاني من رجب 1270هـ الموافق العاشر من أبريل 1854م حيث استقر في كهف في جبل سورداش، المطل على قريتي سركلو وبركلو باسم مستعار (الدرويش محمد)، وكان يغادر مقر خلوته إلى خانقاه (تكية) مولانا خالد في السليمانية للاجتماع مع بعض شيوخ النقشبندية، ثم يرجع إلى كهفه المطل على قرية سركلو، وكان يؤمن معيشته خادم له يدعى أبو القاسم الهمداني.
وتذكر المصادر البهائية أن بهاء الله التقى في السليمانية عدداً كبيراً من أعيان وأهالي كردستان، أمثال: الشيخ عبد الرحمن الطالباني (خالص) شيخ الطريقة القادرية، والشيخ عثمان (سراج الدين) شيخ الطريقة النقشبندية وقطبها، وعمّت شهرته أرجاء السليمانية وما جاورها من مدن وقصبات، وسرعان ما انجذب إليه أهالي كردستان.
وتضيف هذه المصادر أن طرقات وجوامع وآثار السليمانية شاهدة على لقاءاته مع العلماء والعرفاء، وخطبه التي ألقاها في من حضروا مجالسه، وتوافد الناس ينهلون من علمه وحكمته ويستمعون إلى كلماته، كما أن كردستان حظيت كذلك بنزول عدد من أهم آيات وكتب حضرة بهاء الله، قد يكون من أهمها: «قصيدة العز الورقائية».
وتشير المصادر البهائية أنه من خلال زيارات بهاء الله (الدرويش محمد) المتكررة إلى خانقاه مولانا خالد في السليمانية الذي بناه الوالي الباباني محمود باشا سنة 1816م/1232هـ، استطاع تكوين صداقة مفعمة بالروح مع الشيخ إسماعيل رئيس الطريقة الخالدية في السليمانية.
وتؤكد هذه المصادر أنه استطاع التأثير على الشيخ عثمان سراج الدين النقشبندي، وتكوين صداقة متينة معه، ومع الشيخ إسماعيل رئيس الطريقة الخالدية دون ذكر لقبه، لأن هناك ثلاثة من خلفاء مولانا خالد يحملون التسمية نفسها. وتضيف هذه المصادر بالقول: «استمر انجذاب أهل كردستان إلى حضرة بهاء الله حتى بعد رحيله عنها. فالعديد من أعيانها استمروا بالتواصل معه بالخطابات والمكاتيب».
كما أن عدداً من أهلها وأعيانها انجذبوا إلى الكلمة الإلهية التي أتى بها حضرة بهاء الله، فمنهم من آمنوا برسالته، ومنهم من تبنوا العديد من تعاليمه في حياتهم، ومنهم من حافظوا على حبه في قلوبهم وفاء لتلك التجربة التاريخية الفريدة.
وتشير القرائن التاريخية إلى توافد عدد من علماء وعرفاء كردستان لزيارة حضرة بهاء الله بعد رحيله من ديارهم. كما يفتخر بهائيو كردستان بأن بعضاً من أبرز كتب حضرة بهاء الله العرفانية نزلت تشريفاً لشخصيات كردية، مثل «الوديان الأربعة» والذي أرسل للشیخ عبد الرّحمن الطالباني الكركوكي شيخ الطريقة القادرية وكبير آل الطالباني. و«الوديان السبعة» للشیخ محيي الدین المعروف بشيخ الصوفيين.
ويذكر العلامة الملا عبد الكريم المدرس في كتابه «يادى مردان» (تذكار الرجال) باللغة الكردية الصفحة 259-260، أن بهاء الله استطاع تكوين صداقات مع اثنين من أولاد الشيخ عثمان سراج الدين النقشبندي (1195-1295هـ/1781-1878م) أحد الخلفاء الرئيسيين لمولانا خالد الجاف النقشبندي، وهما: الشيخ محمد أبو البهاء (1252-1289هـ/1836-1872م)، والشيخ عبد الرحمن أبو الوفاء (1253-1285هـ/1837-1868م).
وقد عاش بهاء الله معهم حوالي شهرين في خانقاه مولانا خالد في السليمانية، وقد تبادل بهاء الله الرسائل مع الشيخ أبو الوفاء، وكان مضمونها حول العرفان والشعر الصوفي[5].
كما استطاع توطيد صداقة مع الملا حامد البيساراني (1232-1310هـ/1817-1892م) المعروف بكاتب أسرار الشيخ عثمان سراج الدين، وللمترجم عدة مؤلفات، من أهمها «رياض المشتاقين» الذي ذكر فيه بعض كرامات مولانا خالد، والشيخ عثمان سراج الدين، وكانت بينهما رسائل متبادلة حول القضايا المتعلقة بالأدب والعرفان وكتابة الشعر.
كما أرسل بهاء الله رسالة إلى حاجي رسول، أحد وجهاء مدينة السليمانية. وكان لبهاء الله اتصال مع الشيخ عبد الرحمن خالص (1212-1275هـ/1797-1858م) المعروف بعبد الرحمن الطالباني مرشد الطريقة القادرية المقيم في كركوك.
[1] الدكتور محسن عبد الحميد، حقيقة البابية والبهائية بيروت، المكتب الإسلامي، ط3، 1405هـ/1985م، ص45.
[2] المرجع نفسه، ص46.
[3] عبد الرزاق الحسني، البابيون والبهائيون في حاضرهم وماضيهم دراسة دقيقة في الكشفية والشيخية وفي كيفية ظهور البابية فالبهائية، بيروت، الدار العربية للموسوعات، 2008هـ/1428هـ، ص22، الهامش(2).
[4] المرجع نفسه، ص24-25.
[5] عبد الكريم المدرس، يادى مردان (تذكار الرجال) باللغة الكردية، المجمع العلمي العراقي - هيئة اللغة الكردية، بغداد، 1979م، ج1، ص259-260.