ومضات تربوية وسلوكية: السابع والعشرون
خالد سعد النجار
- والاعتقاد إنما أضيف إلى أحمد لأنه أظهره وبينه عند ظهور البدع وإلا فهو كتاب الله وسنة رسوله، حظ أحمد منه كحظ غيره من السلف: معرفته والإيمان به وتبليغه والذب عنه، كما قال بعض أكابر الشيوخ الاعتقاد لمالك والشافعي ونحوهما من الأئمة والظهور لأحمد ابن حنبل"
- التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
ومضات تربوية وسلوكية (27)
تذخر بطون الكتب بالعديد من الأفكار الذهبية والعبارات المحورية الجديرة برصدها وتدوينها للوقوف على كنوز مفكرينا وكُتابنا العظام، وللانتفاع بالفائدة المرجوة منها، ولذلك حرصت خلال جولتي بين دفوف الكتب أن أرصد هذه الثروات الفكرية والتربوية والتحليلية، وأنقلها بنصها كما وردت فيها أو باختصار طفيف في بعض الأحيان، هذا كي يستفيد منها القاسي والداني، سائلا المولى عز وجل أن ينفع بها الكبير والصغير، وأن يكتب لكاتبها وجامعها وقارئها الأجر والمثوبة إنه نعم المولى ونعم النصير.
(نقد المدنية الغربية الحديثة)
يقول الشيخ محمد عبده:إن هذه المدنية هي مدنية الملك والسلطان، مدنية الذهب والفضة، مدنية الفخفخة والبهرج، مدنية الختل والنفاق، وحاكمها الأعلى هو «الجنيه» عند قوم، و «الليرا» عند قوم آخرين، ولا دخل للإنجيل في شيء من ذلك
وتعجب من فلاسفتها وعلمائها الذين اكتشفوا كثيرا مما يفيد رفاهة الإنسان وتوفير راحته، وتعزيز نعمته، ثم أعجزهم أن يكتشفوا طبيعة الإنسان، ويعرضوها على الإنسان حتى يعرفها فيعود إليها! .. لقد صقلوا المعادن حتى كان الحديد اللامع المضيء، أفلا يتيسر لهم أن يجلوا ذلك الصدأ الذي غشي الفطرة الإنسانية، ويصقلوا تلك النفوس حتى يعود لها لمعانها الروحي؟!
لقد حار الفيلسوف «هربت سبنسر» في حال أوروبا، وأظهر عجزه، مع قوة العلم! فأين الدواء؟ .. إنه الرجوع إلى الدين .. الدين هو الذي كشف الطبيعة الإنسانية، وعرفها إلى أربابها في كل زمان، لكنهم يعودون فيجهلونها.
(أهل مصر)
يقول الشيخ محمد عبده: إن أهل مصر قوم أذكياء .. يغلب عليهم لين الطباع، واشتداد القابلية للتأثير. لكنهم حفظوا القاعدة الطبيعية، وهي: أن البذرة لا تنبت في أرض إلا إذا كان مزاج البذرة مما يتغذى من عناصر الأرض، ويتنفس بهوائها، وإلا ماتت البذرة، بدون عيب على طبقة الأرض وجودتها، ولا على البذرة وصحتها، وإنما العيب على الباذر
أنفس المصريين أشربت الانقياد للدين حتى صار طبعا فيها، فكل من طلب إصلاحها من غير طريق الدين فقد بذر بذرا غير صالح للتربة التي أودعه فيها، فلا ينبت، ويضيع تعبه، ويخفق سعيه، وأكبر شاهد على ذلك ما شوهد من أثر التربية التي يسمونها أدبية من عهد محمد علي إلى اليوم .. فإن المأخوذين بها لم يزدادوا إلا فسادا، وإن قيل إن لهم شيئا من المعلومات – فما لم تكن معارفهم وآدابهم مبنية على أصول دينهم فلا أثر لها في نفوسهم.
إن سبيل الدين لمريد الإصلاح في المسلمين سبيل لا مندوحة عنها، فإن إتيانهم من طرق الأدب والحكمة العارية عن صبغة الدين، يحوجه إلى إنشاء بناء جديد، ليس عنده من مواده شيء، ولا يسهل عليه أن يجد من أعماله أحد.
وإذا كان الدين كافلا بتهذيب الأخلاق، وصالح الأعمال، وحمل النفوس على طلب السعادة من أبوابها، ولأهله من الثقة ما ليس لهم في غيره، وهو حاضر لديهم، والعناء في إرجاعهم إليه أخف من إحداث ما لا إلمام لهم به، فلم العدول عنه إلى غيره.
(من مناقب الإمام أحمد)
قال ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد :" وكان ابن عقيل - رضي الله عنه - يقول:
" هذا المذهب إنما ظلمه أصحابه, لأن أصحاب أبى حنيفة والشافعي إذا برع أحد منهم في العلم تولى القضاء وغيره من الولايات. فكانت الولاية سببا لتدريسه واشتغاله بالعلم؛ فأما أصحاب أحمد, فإنه قل فيهم من تعلق بطرف من العلم إلا ويخرجه ذلك إلى التعبد والتزهد لغلبة الخير على القوم, فينقطعون عن التشاغل بالعلم "
قال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل :" بل قد قيل للشيخ عبد القادر الجيلي _ هو الجيلاني _ قدس الله روحه هل كان لله ولي على غير اعتقاد أحمد بن حنبل؟ فقال:" لا كان ولا يكون"
- والاعتقاد إنما أضيف إلى أحمد لأنه أظهره وبينه عند ظهور البدع وإلا فهو كتاب الله وسنة رسوله، حظ أحمد منه كحظ غيره من السلف: معرفته والإيمان به وتبليغه والذب عنه، كما قال بعض أكابر الشيوخ الاعتقاد لمالك والشافعي ونحوهما من الأئمة والظهور لأحمد ابن حنبل"
(من أسباب الفتور)
يخطئ من يظن أن أكثر الأسراء لاسيما الفقراء، لا يشعرون بآلام الأسر، مستدلا بأنهم لو كانوا يشعرون لبادروا إلى إزالته، والحقيقة في ذلك أنهم يشعرون بأكثر الآلام، ولكنهم لا يدركون ما هو سببها [عبد الرحمن الكواكبي]
(مع سلوكيات النفس)
العادة أن يلجأ ضعيف العلم إلى التصوف، كما يلجأ فاقد المجد إلى الكبر، وكما يلجأ قليل المال إلى زينة اللباس والأثاث [عبد الرحمن الكواكبي]