تفنيد معضلة الشر والألم

أحمد السعيد

هي الفكرة الأبرز التي يستند إليها الملحدون في إدعاء عدم وجود الإله، والفكرة الأكثر إلحاحاً على أذهان المؤمنين التي تراودهم بعض الشكوك الفلسفية


 

يا لها من معضلة معقده صعبة الفهم، استند إليها الملحدون في ادعائهم بنفي وجود الذات الإلهيه، بل وبدأت في فرض نفسها على بعض المؤمنين بوجود الله، إذ بدأ ينتاب بعضهم الشك في وجود الله خاصةً مع رؤية الحروب والشرور والقمع والاستبداد وهو يسود العالم.

 

هي الفكرة الأبرز التي يستند إليها الملحدون في إدعاء عدم وجود الإله، والفكرة الأكثر إلحاحاً على أذهان المؤمنين التي تراودهم بعض الشكوك الفلسفية، إذ يطرح التساؤل نفسه: كيف أن الله موجود، وكيف أن لديه القدرة المطلقة، في حين يقتل الأبرياء ويعذب الألاف بغير ذنب اقترفوه بلا أدنى تدخل منه؟! كيف أن الله موجود، وكيف وهو الرحمن الرحيم الغفور، كيف وهو يتصف بكل صفات الرحمة والغفران واللطف أن يترك كل هذا الكم من الشر والألم والحقد والوحشية في عالمه؟! وكيف له أن يخلق ذلك الشر أصلاً إذا كان بالفعل رحيماً ودوداَ؟!

 

دعونا هنا نكتشف حقيقة هذه المعضلة المعقده وكيف أنها دليل إثبات لوجوده سبحانه، وكيف أنها دليل إثبات الكثير من الأمور الغيبية الأخرى:

 

عالم جديد رائع:

 

منطقياً فوجود الناقص يدل على وجود الكامل، ووجود السالب دليل على وجود الموجب، ووجود الشر دليل على وجود الخير، وبالتالي فإن وجود عالم يملأه الشر من كل حدب وصوب دليل على وجود عالم أخر يملأه الخير والحب والسعادة والرحمة، ووجود عالم ناقص تملأه العيوب والنواقص بشكل كبير لهو دليل على وجود عالم آخر تكتمل فيه كل معاني الخير والسعادة، وهذا ما تنص عليه العقيدة الإسلامية من وجود عالم غيبي شديد الروعة “الجنة”.

 

ومن لطائف المصطلحات الغيبية الخاصة بالعقيدة الإسلامية أن سميت الجنة بهذا الأسم!، ذلك لأنها مشتقه من مادة “جنن” وهي تفيد الستر والاختفاء، أي أنها مختفيه مستوره عن إدراك البشر، وكأنه يراد لنا أن نتذكر دائماً أن هذا العالم الرائع لا يستطيع بشر إدراك حقيقته على وجه التحديد في هذه الدنيا، فنقاوم بذلك أفكار الماديين التي لا تؤمن إلا بكل ما هو مدرك بالحواس الخمس، فعدم إدراك الإنسان لشئ ما لا ينفي وجوده بالضرورة! إنما يكون القصور في الإنسان نفسه.

 

ثنائية الكون:

 

إذا تدبرنا في هذا الكون فسنجد أن ثمة ثنائية تحكم هذا الكون، ثنائية يقوي أحد قطبيها القطب الآخر، فإذا انتفى قطب فقد القطب الآخر معناه وجدواه، فكيف تتبين لنا معاني كالحق والعدل والخير والجمال؟ الإجابة: بمعاني أخرى مضاده كالباطل والظلم والشر والقبح !.

 

وهكذا فوجود الشر ضروري لتدعيم معنى الخير، ووجود الباطل ضروري لتدعيم معنى الحق، وكما ذكر الشيخ الشعرواي رحمه الله فإن الباطل جندي من جنود الله، لأنه حين يظهر يؤلم الناس بشراسته، فيستنجد الناس منه بالحق!.

 

اختبار لنا وليس للإله:

 

وجود الشر في هذا العالم هو بمثابة تحدي لنا واختبار لنا نحن بنو البشر، فكأنه يراد لنا أن نجعل العالم مكاناً أفضل للعيش، يراد لنا أن نفرغ طاقاتنا الخيره في سبيل القضاء على هذا الشر الذي يلف العالم، فنفوز بالجنة، أما من يرسب في الاختبار فيتماهى مع الشر ويصبح جزء من منظومته فمصيره إلى النار، فوجود الشر هو اختبار لنا نحن بني البشر، فعلى أساس تعاملنا معه في الدنيا يتحدد مصيرنا في العالم الآخر، وليس اختباراً للإله كما فعل الملحدون فافترضوا عدم وجود الإله بناءً على وجود الشر.

 

لماذا لا يتدخل؟!:

 

لربما طرأ على ذهنك هذا السؤال عندما رأيت المذابح والحروب والشرور وهي تملأ عالمنا الحزين، لماذا لا يتدخل الله لينهي هذا الكم من معاناة البشر؟ ولكن دعنا ننتقل إلى سؤال آخر ليفسر هذا السؤال السابق، وهو: ما هو الشكل الذي يتدخل به الإله ليقضي على الشر؟ الإجابة تكمن في ذواتنا! فقد حبانا الله القدرة على القضاء على هذا الشر فإذا فعلنا كامل طاقاتنا في هذا الاتجاه فسيتم القضاء على الشر، فقد يتدخل الإله من خلال إرادتك أيها الإنسان، لأنه حباك تلك القدرة على التفاعل والتصدي للشر، ولكن لماذا لا يقضي الله على الشر في التو واللحظة؟! أليس هو القادر على كل شيء؟!، أليس هو من يقول للشيء كن فيكون؟! إذن لماذا لا يقضي على الشر من خلال معجزة كبرى؟! وللإجابة على هذا السؤال دعنا نتذكر أن وجود الشر هو بمثابة استفزاز وتحدي لقدرات البشر، وليس اختباراً لقدرات الله عز وجل، فهذا دورك أيها الإنسان أن تقضي على الشر بطاقاتك التي حباك الله إياها، فالإله يتدخل ولكن من خلال القدرات والطاقات التي حباك إياها، فنقب بداخلك تجد كل القدرات والطاقات الكامنه للتغلب على الشر، أما الله عز وجل فهو بالفعل قادر على إنهاء هذا الشر في التو واللحظة ولكنه يختبرك أنت، يريد منك أن تتحرك وتفعل ما يمليه عليه ضميرك حتى يجازيك بالجنة.

 

تفسير الشر الذاتي:

 

خلق الله الخير والشر داخل كل نفس بشرية، فكما حباك الخير فقد خلق فيك نزعة للشر، والحياة الدنيا هي المحك والفيصل الذي يظهر من خلاله نوعية الغالب في تصرفاتك وأفعالك، فإذا كانت نوعية أفعالك في معظمها خيره فسيجازيك الله بالجنة، أما إذا كانت نوعية أفعالك في معظمها شريره فسيجازيك الله بالنار، هذا هو تفسير وجود نزعة الشر داخل البشر، فالله يريد أن يرى أي نزعة ستغلب عليك أيها الإنسان، وعلى أساس نوعية السلوك يتحدد الجزاء.

 

أما فيما يتعلق بالمؤمن الصالح الذي يرتكب الذنوب وهو لا يدري لماذا يبتلى بمثل تلك المعاصي، فقد أجابت العقيدة الإسلامية على هذا الإشكال بأن الله يفرح بتوبة العبد، وبأن كل بني خطاء وخير الخطائين التوابون، فالله يريد منك أيها العبد المؤمن أن تتوب إليه وتستغفره، فثمة معصية تولد في النفس انكساراً وخضوعاً لله، وثمة طاعة تولد في النفس الكبر والتعالي، ودورك أنت أن تجاهد نفسك في التخلي عن تلك الذنوب، وأن تستغفر كلما وقعت، حتى تجازى في الآخرة بالجنان، فالله لا يريد منك أعمالاً صالحة بقدر ما يريد منك ذلاً له وانكساراً وخضوعاً بين يديه،وهذا لا يتحقق إلا بوقوعك في الذنوب وتوبتك بعد ذلك.

 

تفسير الشر الذي يحدث للإنسان بدون إرادته:

 

أما فيما يتعلق بالشر الذي يصيب الإنسان بغير إرادة منه، مثل الذي يقتل ظلماً، أو الذي يعذب، أو الذي يصاب بمرض أو ما شابه ذلك، فقد فسرت العقيدة الإسلامية ذلك بأن هولاء المظلومون سيجازون بالجنة في النهاية، وأن هذا الشر الذي يصيبهم في الدنيا ما هو إلا تخليصاً لهم من الذنوب ورفعاً لدرجاتهم في الجنة، الأمر يشبه الطبيب الذي يعطي المريض دواءً مراً أو الذي يقوم بعملية جراحية مؤلمة للمريض من أجل أن يشفى في النهاية، فهذا الألم يكون هدفه هو الشفاء التام، وبعد أن يشفى المريض ينسى كل تلك الألام التي عانى منها.

 

وجود الشر والألم هو اختبار لنا إذا واستفزاز لقدراتنا وطاقاتنا على أن نجعل العالم مكاناً أفضل للعيش، وهو تذكرة مستمرة لنا بأن هناك عالم آخر فيه الثواب وفيه العقاب، فيه النعيم وفيه العذاب، فكلما حاولت جعل عالمك المليئ بالشر والألم مكاناً يشبه الجنة فستجازى بالجنة في النهاية، وكلما ساهمتو في تأجيج ذلك الجحيم الأرضي فمصيرك إلى الجحيم الأبدي، هكذا ينبغي أن يفهم المؤمنون معضلة الشر والألم، وفي هذا السياق يجب أن تفهم.