قصة يوسف عليه السلام في تجميع أسرته :المقال الثالث
عبد الفتاح آدم المقدشي
أن لا يُستخدم الرجال في البيوت كما فعل مثل هذا العزيز الذي قلَّت غيرته لامرءته, وليس كل الرجال كيوسف عليه السلام كما أن الفتنة واردة لكل الناس سواء كانوا مسلمين أو كفارا ولا شك أن في ذلك الأمر دياثة ظاهرة بلا شك.
- التصنيفات: التاريخ والقصص -
{بسم الله الرحمن الرحيم}
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد
فبلا شكٍ أن أهم أسباب جمع شمل الأسر إنما هو تجميعهم بالتوحيد والإيمان ثم بالطاعات كما هو الأساس الأهم والرئيس لتجميع الأسر كلهم لتجميع شمل المسلمين أجمعين كما يحبه الله ويرضاه.
وأيضاً من أهمِّ ما في القصة العفة من الحرام كلِّه ومن الزنا خاصة.
إذا ما كانت عفَّة يوسف عليه السلام إلا سببٌ عظيمٌ لتجميع أسرته في المستقبل.
كما إنك ستلاحظ ذلك إذا أمعنت نظرك في قصة يوسف عليه السلام في سورة يوسف .
فالنبي يوسف عليه السلام علَّمنا في قصته هذه كيف نتصرف ونثبت في الفتنة, خصوصاً إذا فشت فاحشة الزنا في المجتمعات فضلاً أن تقع الأسرة بمثل هذه القاذورات عياذا بالله من ذلك.
وأيضاً من ثباته أنه خلوق أي ذو خلق رفيع حيث لم يكشف الأمر لمَّا فجأهم صاحب البيت, ولما كشفت المرءة عن الأمر وأسندت إليه اقتصر بأن يُدافع عن نفسه فحسب, ولم يقل: والله إنها فعلت كيت كيت وهي كذا وكذا فضلا من أن يسبَّها أو يتعصب عليها وقد اعتدت عليه وحاربته.
ولما كادت عليه النسوة مرة أخرة استعصم يوسف عليه السلام ربَّه مرة أخرى قال تعالى :
{ { قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ} " [ يوسف: 32 ]
ولما ازادات النسوة الافتتان عليه وهدّدته امرءة العزيز بأن تسجنه إن لم يفعل ما تأمره ازداد ثباتاً واعتصاماً بربَّه وتضرُّعا له حتى قال عليه السلام : أن السجن أحب إليه مما يدعونه إليه كما قال تعالى { { وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) } } [ يوسف: 33 – 34]
وهو لم يدع من ربِّه الأمان من الحبس ولا ما قد يلحق منه كالضرب ونحوه أو تضييق آخر وإنما طلب من ربِّه الأمان من الفتنة بأن لا يميل إليهن ويكون بذلك من الجاهلين.
وهو عليه السلام إذاً قدوة لكل من خاف العنت من العُزَّاب ونحوهم أو خاف الفتنة الشائعة بكثرة وما أكثرها في هذا الزمان بأن يدعوا بمثل هذا الدعاء حتى يحفظه الله ويعصمه من الفتن.
ومن فائدة الاقتداء بمثل هذا الدعاء يظهر أن لا يأتي المرء بدعاء اخترعه من عند نفسه مبنية بالجهل حتى إنه ورد هذا السؤال في ضمن دروسٍ لشيخ عبد المحسن العباد في شرحه لسنن أبي داود حيث قال السائل : ما حكم هذا الدعاء (اللهم لا تبتلنا فتفضحنا)؟
الجواب: الإنسان يحرص على الأدعية الشرعية التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسأل الله عز وجل بأدعية الرسول عليه الصلاة والسلام، والشيء الذي فيه إشكال أو فيه شبهة يبتعد عنه، والإنسان إذا حرص على أن يأتي بشيء من عنده أو من عند الناس لا يأمن من العثور، ولا يأمن من أن يقع في أمر لا ينبغي، ولكن الشيء الذي فيه العصمة هو كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم. انتهى . من شريط 306
سبحان الله , وأنت ترى أن هذا السؤال فيه قلة الأدب مع الله حيث ينسب السائل الشر إلى الله ثم يدعوا ربَّه بهذه الطريقة.
ثم أعود من هذا الاستطراد إلى صلب الموضوع لأقول: أن يوسف عليه السلام كان مصونا من الوقوع على مثل هذا الأمر أصلاً للأسباب الآتية:
السبب الأول: لأنه كان من عباد الله المخلَصين بفتح اللام إسم مفعول أي جعله الله مخلَصا لا يميل من الحق يمنة ولا يسرة كما وردت آيات كثيرة أن الله سبحانه يعصم عباده المخلَصين من إبليس لعنه الله وشروره وفتنه, وأيضاً قد جاء قراءة أخرى بكسر اللام { {المخلِصين} } ويكون المعنى هو من الموحدين المراقبين لربِّه في السر والعلن , وقد ظهر ذلك جداً لما ازدادت عليه الفتن فإنه إنما ازداد معها إخلاصاً لربِّه وخضوعاً له حتى دعا ربه بالتضرع فاستجاب الله له دعاءه فصرف عنه كيد النساء بأن حفظه في سجنٍ باطنه فيه الرحمه وظاهره من قبله العذاب كما كان يقول تماماً ابن تيمية رحمه الله مثل هذه الآية لما حبسوه في قلعة دمشق ظلماً وعدواناً.
السبب الثاني: لأنه كان نبيٌ من أنبياء الله والأنبياء معصومون قبل النبوة وبعد النبوة حتى جاء في السير ولم أقف على صحة السند الساعة كان النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يسمر كما يسمر الشباب فترك صاحبه في الغنم ونزل إلى القرية ليستمع بعض الأناشيد التي يسمرون بها فالقي به النوم ولم يستطع أن يستمع منها شيئا, والقصة معروفة في السير ولكن ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل الحجارة مع عمه عباس فقال له : يا ابن أخي لو حللت ثوبك وأخذت به الحجارة ففعله النبي صلى الله عليه وسلم ثم خر مغشيا عليه ولم ير بعد ذلك أبدا عريانا.
أما الدروس المستفادة من القصة فكالتالي:-
أولا: أن لا يُستخدم الرجال في البيوت كما فعل مثل هذا العزيز الذي قلَّت غيرته لامرءته, وليس كل الرجال كيوسف عليه السلام كما أن الفتنة واردة لكل الناس سواء كانوا مسلمين أو كفارا ولا شك أن في ذلك الأمر دياثة ظاهرة بلا شك.
ثانيا: بالعفة يجمع الله لك شمل أسرتك , وبعدم العفة يُشتِّت الله عليك شمل أسرتك
ثالثا: بالعفة يُعزُّك الله في الدنيا قبل الآخرة كما أعزَّ يوسف عليه السلام في آخر أمره, وبعدم العفة يذلك الله في الدنيا قبل الآخرة
رابعاٍ: بالعفة يرزقك الله من حيث لا تحتسب كما رزق الله يوسف من حيث لا يحتسب وقد قال تعالى { {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} } [ الطلاق: 2- 3 ]
خامسا: الثقة بالرب والتوكل عليه والاعتماد عليه تجعلك لا تضيع ولا تضل بحول الله وقوته كما ستمضي قدماً في السلوك في سبيل الصالحين ولو لقيت في طريقك الشدائد تلو الشدائد أو شعرت الوحشة فيها فإن عاقبتك ستكون محمودة كما سيكون بإذن الله جزاءك الحسنى أي الجنة, وستكون كذلك منصورا غالباً لا مغلوباً إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا.كما قال تعالى { {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} } [ الطلاق : 3 ]
ومن ذا الذي بإمكانه أن يمنع أن يبلغ الله أمره وإنما جعل الله لكل شيء قدرا, ولكن الناس هم الذين يستعجلون ويجاوزون تجاوزات يمنعون بها على أنفسهم النصر والتأييد.
والله أعلم والهادي إلى سواء السبيل.
الفقير إلى رحمة ربه وعفوه
عبد الفتاح آدم المقدشي